الكاسبون والخاسرون من خطة إصلاح النظام المالي
الاثنين, 02-أغسطس-2010
 د.صالح السلطان - وقَّع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل نحو عشرة أيام على أكبر خطة إصلاح للنظام المالي في أمريكا منذ الكساد الكبير قبل نحو 80 عاما، لتصبح بذلك قانونا ملزما يهدف إلى الحد من احتمال تكرر أزمات مالية جديدة.
قانون خطة الإصلاح المالي الجديد هو ثاني قانون بهذه الأهمية يعتمده الكونجرس تحت إدارة الرئيس أوباما، وذلك بعد قانون التأمين الصحي الذي أقر في آذار (مارس) الماضي. القانون جاء في قرابة 2300 صفحة، أي أنه قانون مبسوط (من البسط وهو الإسهاب). للمقارنة، يندر أن يتجاوز النظام عندنا 50 صفحة، لأننا نجنح إلى إعطاء تفاصيل قليلة، ومن ثم تهمل القوانين لدينا الكثير من القضايا والتفاصيل التي ما كان ينبغي إهمالها، مما يبقي على مشكلات كانت قبل صدور القانون. وكان الأولى أن تعالج بالتفصيل. قد يكون القانون الأمريكي مبالغا في كبره وتفاصيله، ولكننا، في المقابل، نبالغ في الاختصار.
تطرق الرئيس أوباما في خطاب التوقيع، إلى ما يوفره قانون الإصلاح المالي الجديد من سلطة الرقابة المالية وضمانات للبنوك ورجال الأعمال والمستهلكين.
سيمنح القانون الحكومة سلطات رقابية واسعة على صناديق التحوط الاستثمارية وأسواق المشتقات المالية إلى جانب صلاحيات جديدة لتقليص حجم الشركات المالية المتعثرة. كما أقر القانون تشكيل مجلس للهيئات الرقابية، بهدف مراقبة المخاطر التي تهدد النظام المالي. كما ستتشكل، وفقا للقانون، وكالة لحماية عملاء المؤسسات المالية، وستكون من المهام التصدي للمنتجات المالية المضللة. ويفرض القانون قيودا أكبر على منح القروض وسياسات وقواعد الإقراض.
من المفارقات أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي وقع على قانون الإصلاح المالي في مركز رونالد ريجان للمؤتمرات في واشنطن، الذي يحمل اسم الرئيس الأمريكي الجمهوري خلال الثمانينيات من القرن الماضي، الذي طالما اقترن اسمه بعملية تحرير النظام المالي من القيود والقواعد. خلال السبعينيات كانت هناك حركة تطالب بتخفيف التنظيمات. التقطت هذه الحركة زخما مع فوز ريجان عام 1980، وقد كان من شعاراته ''حكومة أقل''.
وفي انتقاد مستتر للجمهوريين الذين لم يدعموا في غالبيتهم قانون الإصلاح الجديد، قال أوباما ''بسبب هذا القانون، لن يتعيَّن على الشعب الأمريكي أبدا بعد الآن دفع ثمن أخطاء وول ستريت''. ومما قاله أثناء مراسم التوقيع: ''تُعتبر هذه الإصلاحات أقوى إجراءات لحماية للمستهلك في التاريخ. وهي ستُطبَّق من خلال وكالة ضبط مالي جديدة مهمتها الوحيدة هي رعاية مصالح الناس، وليس البنوك الكبرى ومؤسسات الإقراض والمستثمرين. فهي ليست في صالح المستهلكين فقط، وإنما أيضا في صالح الاقتصاد''.
واعتبر أن قانون الإصلاح المالي الذي مرر، بعد أشهر من المناقشات والمداولات، سيحد حدا قويا من التعاملات المريبة التي كانت وراء الأزمة المالية عام 2008.
وكانت المفاوضات بين الأطراف في مجلسي الشيوخ والنواب قد انتهت بالتوفيق بين صيغتين لمشروع القانون. وقد أقر المجلسان صيغة موحدة قبل إحالتها إلى الرئيس أوباما الذي صادق عليها وأقرها تحت اسم ''قانون دود ـ فراند لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك''.
اهتم القانون بمحاولة وضع عوازل لإصابة الاقتصاد الأمريكي بأزمة في حال فشلت المؤسسات المالية الكبيرة في المستقبل أو ما قيل عنه too big to fail.
اشتمل القانون الجديد على ما سمي مبدأ فولكر، نسبة إلى بول فولكر الرئيس السابق للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والرئيس الحالي لمجلس الانتعاش الاقتصادي الاستشاري، الذي اقترح خطة الإصلاح المالي الحالية.
ومبدأ فولكر باختصار يقوم على حظر البنوك من التعاملات المحفوفة بالمخاطرة في الأسواق المالية، ومنعها من المضاربات التجارية الكبيرة في الأسواق، وحصر تعاملاتها في المضاربات الاستثمارية بحد أقصى قدره 3 في المائة.
وبسبب ضخامة القانون وتشعباته، سيتطلب تطبيقه وقتا، لوجود حاجة قوية إلى إعادة بناء وصياغة كثير من القواعد المنظمة، والمعقدة غالبا، من أجل إتاحة إمكانية لتطبيق الإجراءات الجديدة. وستتولى ذلك عدة هيئات مكلفة بمراقبة سلامة النظام المالي الأمريكي. ويقول محللون إن القانون قرر إنشاء غرفة مركزية للتعويض، وفرض المزيد من الشفافية وشروطا أكثر صرامة بشأن رؤوس الأموال.
ومن المتوقع أن يواجه تنفيذ القانون مصاعب شتى. ويقول دانيال كوفمان الخبير الاقتصادي في معهد بروكينجز ''إن العمل التفصيلي في تحديد وتفصيل وتفسير القواعد العريضة، يتيح لجهات الرقابة مساحة كبيرة من حرية العمل والتصرف لتحديد هذه التفاصيل التنظيمية وتفسيرها خلال التنفيذ''.
لا يخلو القانون من معارضين، وخاصة من أساطين في ''وول ستريت'' وممثليهم في الكونجرس. فهؤلاء يرون أن ''القانون الجديد سيجعل القطاع بأكمله يدفع ثمن أخطاء البعض''. وقد عملت مؤسسات مالية كثيرة تكتلات كثيرة سعيا للحد من تدخلات القانون. ويرون أن القانون يزيد من بيروقراطية الحكومة وتدخلاتها، والتي بطبيعتها ستحد من الائتمان، وستتسبب ولو بطريقة غير مباشرة في إضعاف النمو الاقتصادي. ويرى السناتور ميتش مكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، أن القانون ''فشل في معالجة جذور الأزمة التي يُفترض به أن يعالجها''.
هناك كاسبون وخاسرون من القانون حسب المحصلة النهائية. من أهم الكاسبين من القانون عند كثير من المحللين وول ستريت، حيث لم يهدد القانون أساسيات الممارسات المالية وأساس نموذج الأعمال في القطاع المالي. كما أن من الكاسبين وكلاء بيع السيارات، حيث تم استثناؤهم من بعض القواعد.
وعلى الطرف الآخر يقف عدد من الخاسرين، ومن أكبرهم ثاني بنك أمريكي، بنك أمريكا، الذي أعلن أن القانون سيكلفه بما يحتمل أن يصل إلى نحو عشرة مليارات دولار. كما أن من الخاسرين وكالات تقييم الائتمان، حيث أثار القانون موضوعا يمكن أن يسمى ''أنتم بحاجة إلى من يقيمكم أيها المقيمون''.
وإجمالا، القانون قفزة في تنظيم السوق المالية الأمريكية، وفي الحد من ممارسات غير مرغوب فيها. وأتوقع أن تتأثر بالقانون تشريعات الدول الأخرى لأسواقها المالية. إلا أن مراقبين كثيرين يرون أن التأثير في صناعة الخدمات المالية المتوقع معتدل، وربما يتعرض إلى إضعاف اعتمادا على من يختاره الرئيس لقيادة البنية التنظيمية الجديدة. كما سيكون لنظرة المنظمين regulators في كيفية التطبيق تأثير بالغ في مدى التأثير.
*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
|
|
|
|