الحكم المحلي.. افضل ممارسات تمكين النساء سياسياً
الثلاثاء, 16-ديسمبر-2008
الميثاق إنفو - التعددية الحزبية المعلنة مع إعلان دستور دولة الوحدة حفزت قلة من النساء لإعلان انتماءات حزبية كانت في أغلبها تتبع انتماء الذكر، سواء أكان أبا أم زوجا أم أخا. وقلة هن من اخترن انتماءات حزبية تتوافق وقناعاتهن الفكرية والأيديولوجية، أو كنَّ ممن أفصحن عن انتماءات كنَّ ينطوين تحتها سرا قبل الوحدة.
إعلان التعددية وإنهاء عقود من شمولية حكم الحزب الواحد في شطري اليمن جعل الكثير من الرجال والنساء يشعرون بأن حياتهم في مأمن في حال إعلانهم نشاطهم السياسي، بعد أن كانت الحزبية خارج إطار الحزب الحاكم في كلا الشطرين أمرا مجرَّما قانونا قد تصل عقوبته إلى الإعدام؛ الأمر الذي أبعد كثيرا من الرجال وجميع النساء تقريبا عن الانخراط في العمل السياسي.
وفي حين كفل القانون والدستور حقوقا متساوية للرجال والنساء في الجنوب، تصويتا وترشُحّا، كان يمنعها عن النساء في الشمال قبل الوحدة التي نص دستورها على حقوق عدة في الجانب السياسي وحرية التعبير لم يكن يحويها من قبل وخاطب بها "المواطن" الذي عرَّفه في مقدمته بأنه كل يمني، رجلا كان أم امرأة.
ومع أول انتخابات برلمانية في العام 1993 شاركت المرأة بحماس، وخاصة في الشمال، والتي كانت تخوض العملية الانتخابية كمرشحة للمرة الأولى وتقدمت 42 لمنافسة مئات الرجال على 301 مقعدا برلمانيا، كنَّ خلالها يدركن أنهن يشاركن فعلا في كتابة أول سطر في كتاب ديمقراطية اليمن الناشئة. فازت منهن سيدتان عن الحزب الاشتراكي اليمني (كان حينها شريكا في الحكم) وخسرت الباقيات في صندوق الاقتراع، لكنهنَّ اكتسبن خبرة عملية حول التجربة مفادها أن السياسة ولعبة الانتخابات والمنافسة ليست بالسهلة وأن لها أساليبها، الظاهرة منها والخفية، والأخيرة كانت الدرس الأكثر فائدة.
ولأن التجربة عرضت تلك الرائدات إلى مواجهة عواقب ربما لم تكن تخطر ببالهن، مست أعراضهن وحاولت تشويه صورهن وسمعتهن، ناهيك عن الاستفزازات والتهديدات التي تعرضن لها، وخلفت انطباعا عن قسوة المنافسة.
ويبدو أن العراقيل والصعوبات لم تتغير مع مضي عشرة أعوام على التجربة الأولى، ففي آخر دورة انتخابية للبرلمان العام 2003 تقدمت فقط 13 مرشحة فازت واحدة فقط ممثلة عن المؤتمر الشعبي العام. بينما شهدت الدورات الثلاث بالمقابل زيادة لافتة في عدد الناخبات، والتي كان من أهم أسبابها دفع الأحزاب السياسية للنساء للتسجيل كناخبات كسبا لأصواتهن، فيما تخاذلت (الأحزاب) عن دعمهن كمرشحات، حتى في الجانب المعنوي، وشمل خذلانهم مرشحات ينطوين تحت ألويتها.

المجالس المحلية محفز لترشح النساء
لكن الانتخابات البرلمانية لم تكن الحدث الأوحد الذي أتاح للمرأة أن تقدم نفسها كمرشحة، بل جاء حدث آخر استطاع أن يحفز النساء ويظهر من جديد مسألة حق مشاركة المرأة مرشحة كما هو حقها كناخبة، ويدفع بها للمشاركة في العملية الانتخابية وفي مختلف مناطق الجمهورية حتى في تلك التي تعرف بتدني مشاركة المرأة فيها في الحياة العامة وتشهد ارتفاعا لكثير من الجوانب السلبية المتعلقة بالنساء التعليم والصحة. كان ذلك الحدث هو الانتقال من نظام المركزية إلى الحكم المحلي، الذي تبعه انتخابات المجالس الملحية التي جرت لأول مرة العام 2001، وشاركت فيه 140 امرأة فازت منهن 38 مرشحة.
وربما كان ارتفاع نسبة فرص التنافس على مقاعد المجالس المحلية ميزة شجعت النساء على مواجهة اللعبة الانتخابية ودفعتهن للإقدام على الترشح، كما كان لحرص الخطاب السياسي على دعم ترشح النساء دور في تحفيزهن.
وكان لهذا الخطاب تأثير كبير على المرشحات في انتخابات المجالس المحلية العام 2006 عندما أعلن حزب المؤتمر الحاكم تضمين قائمته الانتخابية 15 بالمائة من المرشحات، وواكب الأمر حراك من المجتمع المدني للمطالبة بدعم ترشح النساء ومطالبة الأحزاب سلطة ومعارضة لدعم النساء، وتكونت تجمعات داعمة للمرشحات.
هذه العوامل، إلى جانب طبيعة عمل المجالس المحلية الخدمية، شكلت عاملا مطمئنا للنساء لخوض التجربة، وأعطتهن ثقة في قدرتهن على العطاء لمجتمعاتهن المحلية، ولكن عدد المرشحات لم يرتفع كثيرا، حيث ترشحت 162 فازت 38.

طريق غير مفروش بالورود
ورغم ذلك، لم تكن التجربة مفروشة بالورد والقبول الاجتماعي، ولكن خوض تلك النساء عمليا للترشح والمنافسة أضاف ميزة أخرى إلى المجالس المحلية، وهي أنها أصبحت مدرسة عملية لتمكين النساء سياسيا، يتدربن فيها على التخاطب المباشر مع الناخبين ويواجهن أنفسهن بقدرات ربما فوجئن بأنهن يمتلكنها، مثل "بشارة عبده" التي ترشحت في المحليات 2006 في مديرية المعاشر بتعز وكانت الأولى في منطقتها التي تُقبل على الترشح، وقالت إنها اكتسبت الكثير من الخبرة واللباقة في الحديث واكتشفت في قرارة نفسها أنها شجاعة وتستطيع عمل الكثير للوطن والنساء في منطقتها"، وعلى الرغم من خسارتها إلا أنها ترى أنها كسبت عندما كسرت العرف المتداول عن أن المرأة لا يمكن أن تكون مرشحة، ومازالت تتطلع للمشاركة في انتخابات قادمة.
ويبدو أن الحماسة دفعت عددا منهن للترشح دون أدنى فكرة مسبقة أو تخطيط، وذلك ما قامت به "ريم محسن"، التي ترشحت لمحليات 2006 في مديريتها أفلح الشام بمحافظة حجة؛ المحافظة التي تصدر فيها عدد المرشحات لتلك الانتخابات، وكانت المفاجأة، باعتبارها من المناطق الأكثر تحفظا تجاه النساء في أبسط حقوقهن كالتعليم وغيره، أو هكذا سادت النظرة عن تلك المحافظة.
تلخص ريم تجربتها بالقول: "لم أدرك بالمعنى الصحيح ماهية العملية الانتخابية ومعنى العمل السياسي وقسوته. كنت أظن أن الأمر سهل وكل ما أحتاجه هو أن أكون راغبة في العمل السياسي".

الانتماء الحزبي
مما لا شك فيه أن مفاهيم "ريم" تغيرت وأضيف لها معارف وخبرات كانت تجهلها تماما قبل الترشح، أصبح لها إدراك آخر بكيفية التعامل مع الناخبين ومخاطبتهم، وبتكنيك المنافسة. وترى أن ترشحها كمستقلة كان أحد أخطائها، وتنصح المقبلات على الترشح بالانتماء الحزبي.
والانتماء الحزبي للمرشحة، وبخاصة إلى الأحزاب ذات الثقل، جعل حظ المرشحة في الفوز أوفر. كما أن من مزايا الانتماء الحزبي تفادي محاربة الحزب للمرشحة، وإن كان البعض يخالفن ذلك ويرين أن أحزابهن كانت سببا في خسارتهن، وخاصة من لم يكن الحزب يبارك ترشحها أو يعارضه جملة وتفصيلا.
وترى عضو المجلس المحلي بمحافظة عدن، أم الخير الصاعدي، أن "الحزبية قد تؤثر على المرشحة من حيث خسارة الأحزاب الأخرى وعدد من المستقلين ما لم تكن ذات شخصية يتفق عليها الجميع، وأظهرت خدماتها للجميع من قبل".
إن ما تركته كل النسوة اللاتي ترشحن من أول انتخابات برلمانية وحتى آخر انتخابات محلية كان له أثر كبير في دوائرهن الانتخابية ومديرياتهن، فقد تركت المرشحة -فازت أم خسرت، في حجة أم في شبوة- صدى كبيرا لترشحها ومنافستها للرجال، عبر منطقتها، وتعدى حدود دائرتها إلى مناطق ودوائر انتخابية أخرى، وسمع به الرجال والنساء، تداولوه، استنكروه، رفضوه، أو هزؤوا منه، وبالأصح منها، ومن خطوتها الجريئة التي "لم تحترم العادات والتقاليد والعُرف الذي حدد أدوار المرأة والرجل، وقرر أن السياسة والحكم والقرار هو للرجال فقط، وللنساء البيت وبعض المهن التي تنفع بها بنات جنسها"؛ لكن ذلك دفع أخريات للتفكير في حقوقهن والحديث عنها ومعرفتها أكثر، وبالتأكيد سيدفع في أيام آتية وانتخابات قادمة مزيدا من النساء للترشح.

واقع لا بد منه
من كررت التجربة وأبدت رغبتها في المحاولة مجددا، عقب فوز أو خسارة، تراهن على أن الواقع الراهن المثير للجدل حول ترشح المرأة ومشاركتها السياسية سيأتي له يوم ويتغير ويتحول الجدل يوما ليصبح حول برنامج المرشحة والمرشح وقدراتهما وما سيقدمه كل منهما لمجتمعه المحلي أو دائرته الانتخابية، وسينتهي الجدل حول جنس المرشح وهل المرأة تصلح لاتخاذ القرار والحكم. ولكنهن على حد تعبير رئيس مؤسسة تخطيط برامج التنمية الثقافية في اليمن أستاذ علم الاجتماع في كلية الإعلام بجامعة صنعاء،الدكتورة رؤوفة حسن: "بإدراك أو بدون إدراك، يشاركن في صنع تاريخ أمتهن".
وترى الدكتورة رؤوفة أن "كل مرشحة في منطقة لم يسبق لغيرها من النساء الترشح فيها تشكل حالة حراك لتغيير اجتماعي تستحق الاستمرار والاستدامة، أي أن مزيدا من المرشحات في الدوائر نفسها سيعني مساحة قبول أكبر، وترسيخا للتقاليد الديمقراطية الجديدة، بما يضمن أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه ترشح النساء كترشح الرجال، وسيصبح المعيار للنجاح هو قدرة المرشح على التعبير عن مصالح الناخبين".
وتعتبر أن "التجربة الانتخابية علمت النساء مهارات أكبر كثيرا من أي وسيلة أخرى للتدريب في المواجهة المباشرة للناس والتحاور معهم ومحاولة اكتساب تأييدهم وتقديم تصور إيجابي عن الذات وعن القدرات للتعبير عنهم وحمل همومهم وتمثيلهم في المجالس المنتخبة".
وتؤكد أن "وجود مرشحات من النساء، مستقلات أم حزبيات، في كل الدوائر الانتخابية صار ضرورة لإيجاد مساحة من التحاور والنقاش والقبول والرفض لفكرة مشاركتهن في المحك العملي، بحيث تبرز الحاجة إلى منح النساء فرص تولي مواقع إدارية ومناصب قيادية في النظام المحلي والمركزي، يوسع القدرات على المنافسة ويعمق خبراتهن ويوجد تقاليد مجتمعية حديثة وديمقراطية تؤطر شراكتهن على نحو مستمر ودائم". 


سبأ