جغرافية الفكر'.. عودة صراع الحضارات
الأحد, 26-يناير-2014
الميثاق إنفو -

يشرح عالم الاجتماع الأميركي “ريتشارد أي نيسبت” في كتابه “جغرافية الفكر” النظرية التي تجعل من التقاء الشرق بالغرب مسألة مستحيلة دون أن يقول ذلك صراحة من خلال عدد من الدراسات الميدانية التي أجراها على مجموعات كبيرة متحدرة من أميركا وآسيا، رغم أن مادته الأساسية تتمحور حول أمثلة من الصين واليونان القديمتين.

يتناول الكتاب ثقافة المجتمعين الصيني واليوناني منذ نشوء المدينة- الدولة إلى غاية الآن ويعود لأسباب جوهرية في بعض الأحيان إلى ما قبل نشوء المدينة- الدولة لتأكيد نظريته الاجتماعية التي تحسب الفارق الذي يجعل من هذين المجتمعين نقيضين غير قابلين للتقارب. لكنه لا يقرر أي شيء بشأن هذه الاختلافات مع أن الواضح من الأمثلة التي يطرحها من خلال دراساته الميدانية تقول إن التقاء هاتين الثقافتين غير ممكن لأن الهوة أعمق من أن تردم بالعواطف.

عالمان مختلفان

يدعم نيسبت في كتابه الصادر عن “عالم المعرفة” الكويتية، وترجمة شوقي جلال آراءه بمجموعة من الأدلة غير القابلة للدحض خصوصا بالنسبة للقارئ العربي والآسيوي من خلال تحليل سلوك المجموعات التي كانت محور هذه الدراسة وهم طلاب من اليونان والصين وكوريا مقابل مجموعات من أوروبا الغربية وأميركا.

التناقض الذي تظهره هذه الدراسات الميدانية يوحي بأن هناك عالمين شديدي الاختلاف في طريقة التفكير والرؤية إلى العالم. ففي الوقت الذي يركز فيه الشرقيون على مبدأ التكافل والعمل الجماعي، يؤكد الغربيون وبالتحديد الأميركان على مبدأ الاستقلالية. في الثقافة الشرقية ليست هناك فردانية بقدر ما هناك مجتمع يذوب الفرد فيه بوصفه حلقة مكملة لا يمكن له أن يكون خارجها، في حين تقدم الثقافة الغربية الفرد بوصفه ذاتا مستقلة تستطيع أن تحدّد الموضوعات التي تختارها وأن تؤثر بقراراتها المستقلة في حياة المجتمع عامة.

من الأمثلة المهمة التي يقدمها المؤلف حول الأطفال في هذين المجتمعين أن الطفل في الثقافة الغربية وحال ولادته يوضع في مكان خاص أو حتى في غرفة منفصلة، في حين يحاط الطفل المولود حديثا في المجتمعات الشرقية بأفراد الأسرة كلها ويبقى تحت الرعاية طيلة الوقت.

وعندما يكبر الطفل يمكنه في الثقافة الغربية أن يختار من اللعب ما يريد دون تدخل قسري من الوالدين، وعلى العكس من ذلك فإن الأم الشرقية تقوم باختيار كل ما من شأنه صالحا لطفلها دون أن يكون هناك أيّ خيار له. الذات الشرقية مندمجة في المجموعة والذات الغربية مستقلة منذ البداية، والنجاحات التي يحققها الشرقي ليست لفائدته بل للمجتمع، “في عالمنا العربي يحسب ذلك للعشيرة أو القبيلة”، أما النجاحات التي يحققها الغربي فتسجل في أرشيفه الخاص.

أسئلة محيرة

يحفل الكتاب بأمثلة طريفة وأحيانا بأسئلة محيرة لكل الأطراف الموضوعة تحت الاختبار لأنها تتوجه إلى موضوعات غير مفكر فيها في مثل هذه الثقافات أو على أقل تقدير مشوشة ولا يمكن الإجابة عنها بـ”نعم” أو “لا”، لكن النتائج تبقى هي الأخرى غير قابلة للتصنيف لأن النسب تبدو متفاوتة مقارنة بالأسئلة التي تبدو تقليدية لطرف معين ومحيرة للآخر.

الطفل في الثقافة الأوروبية والأميركية يتاح له التعبير عن آرائه مهما كانت مختلفة

الجدل في المجتمعات الشرقية غير موجود لأن ذلك يضمن ويحافظ على التناغم بين المجموعات البشرية، يضرب المؤلف مثلا لذلك حينما حاول صديق ياباني له أن يقيم حفلا على الطريقة الأميركية ودعا إليه ضيوفا يابانيين فقط أبدوا سعادة كبيرة بالطعام والشراب لكن الحفل فشل فشلا ذريعا بسبب افتقاره إلى الآراء وإلى الراغبين في الدفاع عنها. من المفارقات أن يرفض الآسيوي والياباني بالتحديد فكرة أن الإنسان بإمكانه معالجة البيئة والتأثير فيها ويفترض بدلا من ذلك أن يوفق نفسه معها.

صدام الحضارات

الآن يناقش علماء الاجتماع نظريتين عن المستقبل شديدتي الاختلاف يوردهما المؤلف لدعم نظريته الخاصة دون أن يبدي انحيازا للنظرية التي تتوافق مع آرائه لكي يبقى موضوعيا، ودون أن يفقد صرامته الأكاديمية.

النظرية الأولى يتزعمها العالم السياسي فرنسيس فوكوياما وتفترض تلاقي المنظومات العالمية والسياسية والاقتصادية وبالتالي منظومات القيم؛ في كتابه “نهاية التاريخ”.

أما النظرية الثانية فتتنبأ باستمرار الاختلاف ويتزعمها عالم السياسة صومائيل الذي يرفض نظرية فوكوياما جملة وتفصيلا ويعتقد أن العالم على حافة “صدام حضارات” بين جماعات ثقافية رئيسية من بينها شرق آسيا والإسلام والغرب.


صلاح حسن
 
صحيفة العرب