عندما يغيب العقل ويبقى مفهوم الجهاد
الأحد, 05-يناير-2014
انس محمود الشيخ مظهر -

أصبح مفهوم الجهاد مفهوما فضفاضا يفتي فيه من هب ودب من أنصاف الشيوخ الذين لا يعتبرون أكثر من أجهزة تسجيل لآراء فقهية موغلة في القدم، دون امتلاكهم القدرة على استيعاب فقه الواقع. إن مقارنة عصر ظهور الإسلام بالوضع الدولي الحالي وبناء أحكام عليه دون تمحيص يعتبر ضربا من التسطيح الفكري والديني الذي يعاني منه هؤلاء. فالجزيرة العربية كانت عبارة عن قبائل تحيط بها أكبر إمبراطوريتين آنذاك وهي الامبراطورية الفارسية والرومانية، وقد اضطر الرسول إلى قتال هاتين الدولتين وإعلان الجهاد عليهما بعد أن مُنع من نشر الإسلام فيهما بشكل سلمي، وهذا يشير إلى أن الجهاد الذي أقره الاسلام لم يكن حبا في القتال وإنما كانت ضرورة دفعته إليه مجابهة الدولتين، والآية القرآنية واضحة عندما تقول «كتب عليكم القتال وهو كره لكم».

واليوم فإن المسلمين يعيشون خلط الرؤى في مفهوم الجهاد حتى أصبح من أسهل ما يفتي فيه بعض أدعياء الفقه والشريعة. وهناك ثلاثة مفاهيم للجهاد تدور في أدمغتهم وكلها غير مبررة في ظروفنا الحالية وهي:

جواز الجهاد ضد حكام الدول ذات الشعوب الإسلامية.

وجوب الجهاد ضد الحكومات الغربية التي تحتل أراضي دول ذات شعوب إسلامية.

وجوب الجهاد ضد الدول الغربية دون أن تكون محتلة لأراضي شعوب اسلامية.

• المفهوم الأول للجهاد (ضد حكام الدول الإسلامية) وقد كان مفهوما مغيبا عند «المجاهدين» لغاية اندلاع الثورات العربية اعتمادا على آراء بعض الفقهاء بعدم جواز الخروج على ولي الأمر إلا إذا ظهر منه كفر بواح.

والمضحك أن المجاهدين الذين يحاربون حاليا في سوريا ضد بشار الأسد كانوا متحالفين معه قبل سنين قليلة ويعيثون فسادا في العراق بالتفجيرات بإشراف من مخابرات النظام السوري نفسه، وأغلب هجماتهم كانت تأتي من داخل الأراضي السورية، وبعد اندلاع الثورة السورية بدءوا بقتال النظام كما حصل في ليبيا قبل ذلك. وهذا التغير يثير شكوكا حول توجهات قادة هذه المجاميع الذين يتحركون وفق أجندات دولية تدفعهم للتواجد في أي مكان يطلب منهم وحسب جدول زمني يحدد لهم وليس لدواعي إيمانية جهادية.

• أما المفهوم الثاني للجهاد (ضد حكومات أجنبية محتلة لأراضي دول ذات شعوب إسلامية) فمن أسس الشريعة والفقه الإسلامييْن أن جواز الشيء وتحريمه يؤخذ حسب نتائج الأمر، فإذا كانت نتائج قضية ما سلبية على الفرد والمجتمع فلا تجوز شرعا وخلافه فهو جائز من الناحية الشرعية، وهناك أيضا مبدأ «أينما تكون المصلحة فثمة شرع الله». فهل أن الجهاد ضد الغرب حاليا وبهذه الظروف التي تعيشها الدول الإسلامية هو أمر مشروع أم لا؟

1 - كل الأفكار الدينية والشرائع الدنيوية تبيح للشعوب قتال محتليها وهذا أمر لا نقاش فيه، لكن هل أن التنظيمات الإسلامية المسلحة تقاتل حتى تزيح احتلالا أم حتى تستبدل احتلالا بآخر؟ التجربة الجهادية في أفغانستان استطاعت أن تزيح الاتحاد السوفيتي بمساعدة أميركية لكنها في النتيجة استبدلت الاحتلال السوفيتي بالاحتلال الأميركي المستمر لحد الآن. بينما في العراق استغلت هذه التنظيمات من قبل إيران وأخرجت القوات الاميركية من هذا البلد ليحل محله النفوذ الإيراني. وما يحدث في سوريا الآن لا يختلف كثيرا عما حدث في العراق وأفغانستان، فقد أدى دخول المجاميع الجهادية في الثورة السورية إلى امتناع المجتمع الدولي عن الوقوف مع الثورة السورية لتخوفه من سيطرة التنظيمات الإسلامية وبالتالي فقد اضرت بالثور السورية بشكل كبير. نستنتج مما سبق أن هذه التنظيمات لم تستطع تحرير أي بلد إسلامي من تحت أي احتلال لغاية اليوم وكل ما تفعله هو المزيد من القتل وخلط الأوراق بما لا تصب في مصلحة شعوب المنطقة.

2 - عدم استيعاب هذه التنظيمات للتجارب والدروس يشير إلى أمرين لا ثالث لهما: إما أنهم لا يملكون القدرة على التفكير الواقعي ويعانون من جهل مدقع؛ أو إنهم يعملون لصالح أجندات أجنبية. وإذا أحسنا الظن بهم وقلنا إنهم جاهلون فالواجب الديني يحتم عليهم النظر لتجارب الشعوب الأخرى، فالشعب الياباني الذي دخل في حرب خاسرة مع أميركا واستعمل فيه مبدأ الطائرات الانتحارية التي تطابق فكرة الانتحاريين في التنظيمات الجهادية، غيروا من المفاهيم التي كانوا متمسكين بها ووعوا الدرس بعد أن احتلوا من قبل الأميركان فغيروا أسلوب تفكيرهم وركزوا على الناحية العلمية والتكنولوجية حتى تحولت اليابان إلى أكبر اقتصاد في العالم.

• أما بالنسبة للنوع الثالث من الجهاد (ضد الدول الغربية غير المحتلة لأراضي الشعوب الإسلامية) فلا يوجد له أي سند شرعي ولا يمكن أن نتعامل مع هذه الدول باعتبارها دول معادية يوجب قتالها وذلك للأسباب التالية:

الدول غير الإسلامية لا تقوم على أسس دينية أو عقائدية بقدر ما تقوم على أسس اقتصادية ومصالح سياسية، وهذا لا يعطي مبررا للنظر إليها كدول معادية. فإن كانت الدول الكبرى تفرض مصالحها وأجنداتها على الدول الأخرى فمجابهتها لا تكون بخلق حالة قتالية ضدها، بل العمل بمبدأ المصالح المتبادلة وتقوية دولنا اقتصاديا وعلميا.

ولعدم وجود منطق الفكر السليم عند التنظيمات الجهادية وابتلائهم بالبعد الفكري الواحد فلغة الحوار الوحيدة التي يمتلكونها هي لغة القتل والجهاد الذي لا يعرفون غيرها في الوقت الذي اثبتت هذه اللغة عدم جدواها.

المبرر الوحيد لقتال تلك الدول «إسلاميا» يكون في حال إذا منعوا انتشار الإسلام في مجتمعاتهم، وفي الوقت الذي تمنع فيه الكثير من حكومات الدول الإسلامية دعاتها من العمل بشكل حر، فإن الدول الغربية تسمح للإسلام وغير الإسلام بالانتشار في مجتمعاتها دون قيود، مما يفند القول بجواز قتالهم.

بسبب هذه الأفكار التي تحاول هذه التنظيمات نشرها بين المنتمين إليها وإباحة القتل بطرق بشعة لا تتلائم مع الفطرة البشرية للإنسان، تشوهت صورة الإسلام عند غير المسلمين لدرجة أنه أصبح يقترن بالدم والإرهاب. ليس هذا فحسب بل إن الاسلام بدا يتراجع في المناطق الإسلامية نفسها، فالدراسات الأخيرة تشير إلى أن شعوب المنطقة الإسلامية الآن هي من أكثر الشعوب توجها للإلحاد في العالم. وإن كان الإعلام الغربي مسؤولا عن ترسيخ فكرة مشوهة عن الإسلام عند الناس، فهذا لا يبرئ ساحة فقهاء الجماعات الإسلامية من التهمة.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.