عمل المرأة .. حق أم هبه؟
الاثنين, 15-ديسمبر-2008
الميثاق إنفو - أقصى ما يصل إليه حلم المرأة هو الاستقرار. والمرأة العاملة هي أحوج النساء لحياة الاستقرار؛ تكابد صباحاً لكسب لقمة العيش وتوفير حياة أفضل مساهمة منها في إعانة الزوج مادياً أو لتحقيق حياة بمستوى أفضل لها ولأبنائها من خلال تحسين الدخل في تحمل إعالة الأسرة بسبب عجز الزوج أو موته. ثمّ تكابد مساءً في بيتها، تنتظرها واجبات البيت والأسرة الكثيرة. ولكن كثيراً ما تجد المرأة العاملة نفسها في حالة دفاع مستمر بين مؤيد لعملها مشجع لها وبين رافض لعملها محبط لإبداعها وإمكانياتها أو حتى لتقدير المجهود الذي تبذله في العمل والبيت معاً، لتبدأ مشوار مساومات وابتزاز شريك حياتها، أو رؤساء العمل، فيصبح النجاح المهني عذاباً ومعاناة...!

بين مؤيد ومعارض تختلف الآراء حول عمل المرأة وطبيعته، فهناك من يرى أن عمل المرأة جريمة في حق المجتمع، لأنها تستولي على مقاعد الرجال في الهيئات والأعمال المختلفة، وآخرون يؤكدون أن عمل المرأة ضرورة في ظل الحياة الاقتصادية الصعبة.
ومن ناحية أخرى أكد بعض الدراسات الاجتماعية أن أبناء المرأة العاملة أفضل، لأنها تكون واعية أكثر وعلى قدر المسؤولية وواثقة من نفسها وتحاول جاهدة أن تعوض أسرتها عن الوقت الذي تقضيه في العمل وبحكمة أكثر، بينما الأم المتفرغة تنحصر حياتها في دور واحد هو رعاية أسرتها وهي تعتمد على الزوج تماماً في الدخل والإنفاق على أسرتها وقد تشعر بالإحباط والانعزال عن العالم الذي يعيش فيه الزوج والأبناء، كما أن خبرتها في التعامل مع الناس وفي مواجهة المشاكل والأزمات لا تقارن مع المرأة العاملة.

يغير طبيعة المرأة
خالد محمد قال: "أرفض عمل المرأة بشدة، لأنها مخلوق رقيق خلقه الله من أجل أن تكون مسؤولة من الرجل سواء بالإنفاق أم بالرعاية والاهتمام. ولا أقبل أن تكون زوجتي امرأة عاملة تنزل إلى الشارع يومياً وتواجه ضغوط الحياة وتناطح الرجال، لأن لها مهمة أخرى أسمى وأعلى وهي تربية أجيال، وهذه المهمة أصعب لا تقدر عليها سوى المرأة الصالحة، وأرفض مطلقا خروج المرأة للعمل".
ومن وجهة نظره أن "العمل يغير من طبيعة المرأة الرقيقة الناعمة إلى أخرى شديدة وقاسية، تتخذ القرارات دون الرجوع إلى زوجها ويمنحها خشونة لا ترضي أي زوج لديه كرامة". وفي الوقت نفسه يؤكد أن "عمل المرأة الأساسي هو رعاية الزوج والأبناء فقط ليس إلا، وعلى الزوج رعايتها وتوفير كل متطلباتها".

مهمة صعبة
يقول محمد علي: "أنا لا أعارض عمل المرأة، بل قد يكون مستحباً في بعض الحالات إذا تخصصت مثلا في التدريس أو الطب وأمراض النساء، وفي هذه الحالة تكون أفضل ومطلوبة أكثر من الرجل، وأحياناً عمل المرأة يكون مريحا بالنسبة للزوج لأن المرأة العاملة غالبا ما تشعر بالمعاناة التي يجدها الزوج في العمل فتقدر ظروفه وتعذره، بخلاف ربة المنزل التي تنتظر زوجها طوال اليوم وتبدأ في حديث مطول قد ينتهي بعد ساعات، في حين يسمع الزوج هذا الحديث وهو مضطر آسفا ودون مقاطعة".
وأضاف: "لا أرى في عمل المرأة أي مشكلة من ناحية المبدأ، خاصة إذا لم يتعارض مع مصلحة الأسرة، أما إذا أثر العمل على كون المرأة زوجة وأمًّا، فلا يستحب وجوده، لأن أضراره ستفوق منافعه".

موروثات مرفوضة
عادل صالح يرى أن "عمل المرأة هو بالأساس ضرورة لا رفاهية، شريطة ألا يؤثر سلبا على القيام بدورها الرئيس كمسؤولة رقم واحد عن رعاية الأسرة بمشاركة الزوج والأبناء. أرى ذلك من واقع تجربتي الشخصية، فأمي امرأة عاملة ولم أشعر يوما بتقصيرها وعدم رعايتها لي أو لأبي. وعندما سأتزوج أفضّل أن تكون موظفة، ولكن الإشكالية أننا كمجتمع شرقي نضيف أعباءً كبيرة على كاهل المرأة فهي بحق عماد المجتمع وفي نفس الوقت لا نعطيها حقها في المقابل حيث تبادر أصابع الاتهام للإشارة إليها عند حدوث أي مشكلة أو تقصير بينما تبرر لرجل".

من نعمة إلى نقمة
ابتسام (موظفة في بنك) تقول: "يستكثر علينا المجتمع أن نعمل بمقابل مادي هو في الأساس يعين الرجل أكثر من المرأة العاملة نفسها، فعندما تعمل المرأة غير المتزوجة فهي تتحمل أعباءها المادية وتعين أيضا أباها وإخوتها وعندما تتزوج تتحمل جزءا من المسؤولية المادية للزوج والأبناء إضافة إلى مسؤولياتها كزوجة وأم؛ فلماذا بعد هذا كله ننظر إلى مسألة عمل المرأة أنه تنازل وهبة يعطيها الرجل للمرأة ويجب أن نشكر المرأة عليه؟ ولماذا لا أحد يسمع وجهة نظرها في الموضوع؟ فلو استطاع الزوج توفير الجانب المادي والمستوى المطلوب الذي تعمل من أجله فلماذا ستحمل نفسها فوق طاقتها؟".

العمل حاجة واستعداد
يحدثنا الأخصائي الاجتماعي وضاح طاهر أن من المؤكد أن العمل يشكل محوراً رئيسياً في حياة الإنسان البالغ، رجلاً كان أم امرأة. وللعمل أشكال متنوعة، فهناك العمل العضلي والعمل الفكري والعمل المنزلي والعمل خارج المنزل والعمل في الأرض... ويقول إن "العمل حاجة واستعداد" في داخل الإنسان وأنه يرتبط بجوهر الحياة نفسها فالحياة لا تستقيم بدون العمل بالنسبة للفرد والمجتمع على حد سواء.
وأضاف: "والإيجابيات الأساسية بالنسبة للمرأة (وللرجل أيضاً) أن الإنسان يحقق ذاته وشخصيته ووجوده من خلال العمل، وهو يحس بالإنتاج والإنجاز والأهمية. كما أن العمل يعطي صاحبه الاستقلال المادي، ويساهم في تنمية قدراته الشخصية من النواحي العملية والفكرية والاجتماعية، والقيام بالعمل يشعر المرأة بالرضا والسرور والنجاح، وفي ذلك مكافأة هامة وتدعيم لقيمتها وثقتها بنفسها من النواحي النفسية. ومما لا شك فيه أن العمل يجعل المرأة أكثر قوة وأكثر قيمة في مختلف النواحي الواقعية والمعنوية. والمرأة لا تبقى ذلك الكائن الضعيف ذا القدرات المحدودة والذي لا حول له ولا قوة".
وتابع: "والحقيقة أن الإنسان بلا عمل يصيبه الخمول والكسل والضياع والقلق، كما أنه لا ينمو ولا يعيش الحياة بشكل كامل وكأنه يعيش الحياة أقل من غيره. ومن المعروف في العلوم الطبية أن العضو الذي لا يعمل يصاب بالضمور والضعف وهكذا الإنسان الذي لا يعمل".
وقال: "إذا تحدثنا عن السلبيات المرتبطة بعمل المرأة من الناحية النفسية نجد أن ذلك يرتبط بمدى مناسبة العمل لشخصية المرأة وقدراتها ومهاراتها، وأيضاً بنوعية شروط أداء العمل وظروفه، كما أن العمل الروتيني الممل أو العمل القاسي الصعب يساهم بشكل سلبي في صحة المرأة النفسية".
وأكد أن من العوامل الهامة والمؤثرة أيضاً الشعور بالظلم وعدم الحصول على الحقوق، إضافة إلى نقص المكافآت والتشجيع، مشيراً إلى أنه في بلادنا ما تزال القيم الاجتماعية المرتبطة بعمل المرأة غير ايجابية عموماً وفي ذلك تناقض كبير مع الواقع المعاش؛ حيث أن المرأة قد انخرطت فعلياً في ميادين العمل المتنوعة والضرورية، ولكن القيم الغالبة لا تزال تثمن عمل المرأة داخل البيت فقط، ويمكن لهذه الضغوط الاجتماعية أن تلعب دوراً سلبياً في الصحة النفسية للمرأة العاملة.

ختاماً
فتش عن المرأة وافحص واقعها، إذا أردت أن تحكم على مدى رقي أي مجتمع وتطوره. فالمجتمع الذي يمنح مواطنيه عموماً، وخصوصاً المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة، ويربأ بها عن براثن الظلم والاضطهاد والتسلط، مجتمع راق ومتمدن ومتطور. في حين أن الواقع يشير إلى أن هناك عوائق اجتماعية وتنظيمية كثيرة تحول دون حصول المرأة على حقوقها، حتى أصبح هناك ما يشبه الرضا بهذا الواقع، بل وتبريره، والعذر دائماً: المرأة لا تريد، والمجتمع لا يريد، والمرأة سعيدة بواقعها، والعادات والتقاليد تمنع... وغير ذلك من المبررات التي تشكك في قدرتنا على رؤية المرأة مواطناً وشريكاً في عمارة هذه البلاد.


صحيفة السياسية