تنافس عسكري على ثروات المنطقة القطبية
السبت, 26-أكتوبر-2013
ابهيجيت سينغ -

سبتمبر/أيلول، أعلنت روسيا أنها تدرس إعادة فتح قاعدة بحرية رئيسة في أقصى شمالها، واستئناف دوريات بحرية منتظمة، ما أدى إلى احتدام النقاش حول عسكرة المنطقة القطبية الشمالية، وفي أوائل سبتمبر/أيلول، استكملت قافلة مكونة من 10 سفن حربية روسية قادها الطراد “بطرس الأكبر”، وضمت أربع كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، رحلة عبر المحيط القطبي الشمالي .

وبدأت الرحلة من قاعدة “سيفرومورسك” بالقرب من فنلندا، وانتهت في جزيرة “كوتيلني” على بعد أكثر من 3200 كلم . وأفادت تقارير روسية أن القافلة نقلت عاملين ومواد بناء من أجل إعادة تأهيل قاعدة بحرية قديمة تعود إلى الحقبة السوفييتية وأغلقت عام 1993 .

والقرار الروسي بإعادة بناء منشأة بحرية في المنطقة القطبية الشمالية هو تذكير واضح بأنه مع ذوبان الغطاء الجليدي الشمالي، أصبحت ممرات بحرية حيوية صالحة للملاحة، وبالتالي فإن الدول القطبية لن تستطيع مقاومة الاندفاع نحو عسكرة المنطقة .

وفي السنوات القليلة الماضية، فتحت مساحات شاسعة أمام الملاحة في المنطقة القطبية، ما أدى إلى تدافع للوصول إلى الموارد الطبيعية غير المكتشفة هناك - والتي تقدر بنحو 30% من احتياطات العالم غير المكتشفة من الغاز الطبيعي، و13% من الاحتياطات غير المكتشفة من البترول . وهذا بدوره جعل الدول الإقليمية صاحبة المصلحة تعلن عن مطالب إقليمية أكثر فأكثر جزماً، وتتبنى خطاباً يهيمن عليه الطابع الأمني .

ولم يكن مما يدعو للدهشة أن الوجود العسكري في المنطقة القطبية الشمالية قد أخذ يتسع أكثر فأكثر، من أجل دعم المطالب بملكية خطوط ملاحة بحرية وموارد طبيعية في المنطقة . وعندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إعادة فتح القاعدة البحرية القطبية، أشار إلى مدى الأهمية التي تعلقها روسيا على تأكيد سيطرتها على الطريق البحري الشمالي، وهو طريق ملاحي يحدده قانون روسي على أنه يبدأ من المحيط الأطلسي وينتهي شرقاً بالمحيط الهادي، مروراً بمحاذاة الساحل القطبي الروسي على طول سيبيريا، وصولاً إلى مضيق بيرنغ والشرق الأقصى . وهذا الطريق يمكن أن يختصر الوقت الذي تستغرقه سفن الشحن لاجتياز المسافة من أوروبا إلى آسيا بنحو الثلث .

والأهم من ذلك، هو أن التحركات الروسية لفتت الانتباه إلى غياب إطار أمني إقليمي في المنطقة . ويمكن القول إن روسيا هي الدولة القطبية الأكثر نشاطاً من الناحية العسكرية، وتحتفظ البحرية الروسية بوجود استراتيجي في المنطقة القطبية منذ عام 2007 . وفي يوليو/تموز الماضي، أجرت روسيا تدريبات عسكرية ضخمة في منطقة الشرق الأقصى، وصفتها الصحافة الروسية بأنها الأضخم في المنطقة منذ الحقبة السوفييتية .

غير أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تنشط عسكرياً في المنطقة . فبعد أن تولت كندا في مايو/أيار الماضي رئاسة المجلس القطبي الشمالي (وهو هيئة تعنى بمسائل المنطقة القطبية الشمالية وتضم ثمانية أعضاء، هي كندا، والدنمارك، وفنلندا، وايسلندا، والنرويج، وروسيا، والسويد، والولايات المتحدة)، أوضحت بجلاء أنها ستسعى إلى تغيير في أولويات المجلس من أجل استغلال الفرص الاقتصادية التي يوفرها ذوبان الغطاء الجليدي القطبي، ووضعت كندا خططاً لدعم مطالبها السيادية، وتعزيز وجودها العسكري في المنطقة القطبية . وما يثير الاهتمام هو أن دراسة للجيش الكندي العام الماضي أوصت بإقامة مراكز عسكرية أمامية، فبدأت كندا إثر ذلك تدرس بجدية إقامة وجود عسكري صغير، ولكن دائم، في مواقع نائية في الشمال القطبي .

وفي تلك الأثناء، أخذت النرويج تنشط بدورها عبر نشر قوات عسكرية في المنطقة . وفي يوليو/تموز الماضي، نظمت مناورات “الرد البارد”، التي كانت إحدى أضخم المناورات العسكرية التي تجري في المنطقة القطبية، والتي يعتقد أن أكثر من 16 ألف جندي من 14 بلداً في منطقة أوروبا وشمال الأطلسي شاركوا فيها . ومع أن النرويج وقعت مع روسيا عام 2010 معاهدة لترسيم الحدود بين البلدين في بحر بارانتس، إلا أنه يبدو أنها لا تزال تتخوف من سيطرة روسية في المنطقة القطبية الشمالية .

وأحد الأسباب الرئيسة التي تزيد من صعوبة المناقشات في إطار المجلس القطبي الشمالي، هو أن خمساً من الدول الأعضاء الثماني هي أيضاً أعضاء في حلف شمال الأطلسي، الذي يلزم ميثاقه الدول الأعضاء بتقديم دعم عسكري متبادل . ومشاركة الدول الأطلسية الخمس هذه في مناورات “الرد البارد” الكندية هذا العام أثار قلق روسيا، التي تتوجس من تحالف الأعضاء الأطلسيين في المجلس القطبي الشمالي ضدها .

وإذا كانت الدول المراقبة تدرك أهمية الموارد الكامنة في المنطقة، وكذلك أهمية الممر الشمالي الغربي والطريق البحري الشمالي بالنسبة للتجارة وشحنات الطاقة في المستقبل، إلا أنها تدرك أيضاً أن دول المجلس القطبي الشمالي هي التي تتخذ القرارات في جميع المسائل ذات الطابع الاستراتيجي المحض . ولا حاجة إلى القول إن العسكرة التدريجية للمنطقة أخذت تصبح أكبر مصدر للقلق بين أصحاب المصلحة الخارجيين، خصوصاً على خلفية تزايد الوجود الصيني في المنطقة . 


ابهيجيت سينغ
* باحث في معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي (عن دي ديبلومات)

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.