حين كشف المصريون عن خرائط الإرهاب العالمي
الجمعة, 23-أغسطس-2013
فاروق يوسف -

حين أزاح المصريون جماعة الإخوان عن السلطة في بلادهم فإنهم كانوا قد أجهزوا على الحاضنة الرئيسية للارهاب، أو ما صار يسمى- تأدبا أو تلفيقا- بالإسلام السياسي في العالم.

ربما كانت التيارات السياسية الفاعلة على الساحة المصرية، تدرك حجم الفعل الذي تنطوي عليه عملية تفويض الجيش المصري التصدي للإرهاب، ولكل ما يمكن أن تقوم به الجماعات الدينية المتطرفة من أعمال عنف.

ربما كان الشباب المصري يعرف أن خروجه بالملايين لنصرة تصحيح مسار «ثورة يناير» في ما سمي بثورة الثلاثين من يونيو، سيكون أشبه بالزلزال الذي سيغير الخرائط، لكن أحدا لم يكن يتوقع أن ذلك الزلزال سيجرف التربة لتظهر من تحتها خطوط علاقات، بعضها كان خفيا، بين أطراف متناقضة، بل ومتناحرة، كان العالم ولا يزال يدفع ثمن تناحرها قلقا وفزعا وذعرا واضطرابا وموتا.

فهل كانت جماعة الإخوان في مصر- وهي المؤسسة التربوية الأولى في العالم، التي اضطلعت بدور نشر ثقافة العنف والتطرف- هي النقطة التي تلتقي فيها تلك الأطراف لتنظم شؤون تناحرها وتحدد أماكن وأوقات حروبها وتبتكر حكايات لأزماتها، وحين ضربت تلك النقطة بقوة لم تجد تلك الأطراف أمامها سوى أن تقف بصراحة ضد التغيير الذي شعرت أنه سيكون بداية لعريّها السياسي التام؟

كانت الفضيحة أشد تأثيرا من أن تلتزم دول مثل الولايات المتحدة وتركيا وإيران وقطر باللغة الدبلوماسية، كأن تقول أن ما يجري في مصر هو شأن مصري داخلي.

كانت ردود أفعال تلك الدول تؤكد بما لا يقبل اللبس أن ذلك الشأن المصري سيكون له تأثير كبير على مشاريعها في المنطقة وفي العالم. وهذا يعني بكل تأكيد أن جماعة الإخوان كانت جزءا أساسيا من تلك المشاريع المريبة، وأن وجودها على رأس السلطة في بلد كبير مثل مصر سيؤدي بالنتيجة إلى خدمة تلك المشاريع وانتقالها من النظري إلى العملي.

ولو أخذنا كل طرف على حدة، بالرغم من أن كل المؤشرات تؤكد أنها مجتمعة على رعاية الفكرة التي كانت جماعة الإخوان تسعى إلى الوصول إليها: مصر باعتبارها دولة للإسلام السني المتطرف.

فقطر هي راعية التنظيم الدولي للإخوان في العالم وهي التي تمول الكثير من الجماعات الدينية المسلحة حول العالم، كما في ليبيا ومالي. تركيا يحكمها حزب ديني تربطه بجماعة الإخوان وشائج كثيرة، إذا لم يكن ذلك الحزب إخوانيا من جهة منطلقاته النظرية. أما إيران وهي الدولة الدينية، فكانت ولا تزال تحلم في أن ينقسم العالم الإسلامي بين محوريين دينيين: سني وشيعي وسيكون مبررا لاستمرارها دولة تستظل بولاية الفقيه.

ولكن ماذا عن الولايات المتحدة، راعية الحرب على الإرهاب؟

عبّرت الولايات المتحدة عن انزعاجها لما حدث في مصر، وبالقوة نفسها عبّرت كل من القاعدة وحركة طالبان عن انزعاجهما.

ألا يعني أن الطرفين المتقاتلين قد فقدا حليفا مشتركا؟

يقال دائما أن الولايات المتحدة تقيس مواقفها بمصالحها، وهي لا ترى عيبا في تناقض مواقفها السياسية ما دامت تلك المواقف تخدم مصالحها. فما هي المصالح الأميركية التي تجعل من تطابق موقفها مع موقف تنظيم القاعدة أمرا ممكنا ومسموحا به؟

فهل أميركا تحارب الإرهاب حقا أم أنها راعية له، بشرط أن يقع بعيدا عن أراضيها؟ ولأن الأمر هنا يتعلق بالمعلومات الاستخبارية السرية، فستكون الوقائع هي مصدر كل تخمين.

لم تكن السياسة الأميركية لترى مستقبلا للمنطقة العربية إلا في ظل أنظمة دينية. وهو ما فعلته في العراق بطريقة نموذجية. خطتها في الصومال تنفذ الآن وبإتقان شديد.

أما أن تسقط مصر، بكل ما تمثله من ثقل عربي بين أيدي اسلامييها المدربين على طاعتها، ممن كانت تجهزهم للحكم منذ عقود فإنه حدث أشبه بالخرافة.

لذلك فقد كانت ثورة الثلاثين من يونيو بمثابة إجهاض تاريخي لذلك الحدث.

لقد أفسد المصريون ثمرة الحلم الأميركي في المنطقة الذي لن يكون في إمكان تنظيم القاعدة أن يعيد إليها نضارتها، فهو تنظيم إرهابي، محترقة كل أوراقه بعكس ما كان عليه وضع جماعة الإخوان التي استطاعت أن تخدع الشعب المصري بانضمامها إلى المسار الديمقراطي.

بعد ما حدث في مصر سيكون سؤال من نوع «مَن ضد مَن؟» نوعا من السذاجة السياسية. فمَن يعترف علنا أنه يقف مع جماعة الإخوان ضد إرادة الشعب المصري، لن يكون بإمكانه أن يدعي أنه يقف ضد الإرهاب.

أشد ما أخشاه أن تغير تلك الأطراف أصول اللعبة.

سنكون يومها أمام مزيد من فنون القتل الجديدة.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.