“الإخوان” ومرحلة الصدام مع المجتمع
الخميس, 18-يوليو-2013
أمينة أبو شهاب -

المجتمع المصري هو الذي حكم بنفسه أخلاقياً وسياسياً على “الإخوان”، وأفشل حساباتهم في السيطرة عليه والمكوث في الحكم في صورة مفتوحة، وكان هذا المجتمع هو المحرك والسبب في خلعهم، وليس الجيش . والنتيجة الآنية والمباشرة لخلع “الإخوان” من سدة الحكم، هي ما تشهده مصر من مباشرة استراتيجية “إخوانية” جديدة وخطرة لا تضع كثير اعتبار للمجتمع، بل تتصادم معه . تتضح معالم هذه الاستراتيجية يوماً بعد يوم، وهي تقوم على نفي النتائج التي شرعتها النقمة والثورة الشعبية على الإخوان والفرض بالقوة لحقيقة أن جماعتهم لم يجر نبذها سياسياً وإطاحتها من قبل أغلبية الشعب .

ليس الجيش وحده هو الذي يحنق عليه الإخوان ويحمّلونه المسؤولية في أزمتهم الأقسى على مدى تاريخهم، بل إن المجتمع هو مستحق لديهم لغضب مماثل أو أشد من الجيش نفسه . ومن يقرأ ما بين السطور أو حتى في الحديث المباشر في خطب الميادين في مصر، وتعليقات وتصريحات “الإخوان” خارج مصر، سيظهر له مدى قوة هذا الشعور ومرارته لدى “الإخوان”، والإمكانية المؤكدة لهذه التجربة السياسية المحبطة غاية الإحباط، لأن تكون عميقة الأثر على العمل السياسي الإخواني في المدى المنظور .

بعيداً عن النطاق العام أو الشعب بأكمله في انحسار تأييده، بل وفي انقلابه على الإخوان، تعود الجماعة بعد الثلاثين من يونيو إلى نطاقها السياسي المحدود والخاص بها وحدها، تحشد تظاهراتها ضمن هذا الإطار وحده، كما توجه خطابها إلى المنتمين إليها وإلى الجماعات التي تمثل نسخة كربونية منها . لقد كان سر نجاح الجماعة السياسي في السنوات الأخيرة هو مدها خيوطها إلى الآخرين خارج نطاقها، متعاطية بانفتاح مع المجتمع السياسي المصري بكل ألوانه وأطيافه، ما كان له الأثر المباشر في كسبها لتصويت شرائح واسعة من المجتمع المصري من غير المنتمين إليها، وذلك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة .

لقد عادت الجماعة عن ذلك الخطاب المتسع الأفق، وأصبح الخطاب في ميدان رابعة العدوية، حيث التجمع العددي للإخوان، هو خطاب شوفيني للجماعة، وعنها يتكرر فيه وصفها بالجماعة “الأشرف” و”الأصدق” والأكثر “رجولة” . وليس هذا فحسب، هي الفئة المؤمنة وفئة الحق والنص التي هي مدار حديث القرآن الكريم والحديث الشريف، بحسب الزعم الإخواني . كل ما يصدر عن هذه الفئة هو صحيح ومحقّ سياسياً، أما غيرها فهم على ضلال وتيه عن الصواب، وهم في النهاية في معسكر الباطل . تضع الجماعة نفسها في هذه المكانة الدينية الخصوصية من دون المجتمع كله، ليس لأنها تعيش وضعاً تحتاج فيه إلى الدفاع عن الذات وتزكيتها، وليس إلى الشحن المعنوي لنفوس أتباعها، وإنما أيضاً لأنها في خصومة بيّنة مع المجتع الذي تأخذ بشكل فعلي في رسم خط عازل عنه، مميّزة نفسها بتفوّقها الأخلاقي والديني والمجتمعي . إن المكانة العلوية التي يضع الإخوان أنفسهم فيها، هي انعكاس لأيديولوجيتهم التي درجوا عليها بلا شك، غير أننا لم نسمع بمثل هذه الصراحة هذا المعنى للجماعة وشعورها ضمنه تجاه المجتمع . إن هذا الشعور يتيح، بلا شك، إدانة الآخر والحكم عليه .

خطاب “رابعة العدوية” اليومي لا يتوجّه إلى المجتمع ولا يحاوره أو يحاول كسبه وخطب ودّه، كما هي عادة “الإخوان”، وإنما هو يدير وجهه وحديثه بكليته إلى الجماهير التابعة للإخوان، وتلك التي تدور في نفس دائرتهم، وهنالك شق آخر في الخطاب يعطيه المتحدثون والإعلاميون كل العناية والاهتمام وهو الغرب ودوائر تكوين الرأي وصنع القرار فيه . الغرب هو جهة التظلّم الوحيدة لديهم، وهو كذلك من يشتركون معه في مقت الجيوش وحضورها في الحياة السياسية . الغرب هو من يحرصون على إسماعه كم هم يعشقون الديمقراطية ويقدسونها حتى لتبدو لديهم عقيدة تضاف إلى عقيدتهم الدينية أو توازيها .

تحلّل “الإخوان” بالفعل من حبل الرابطة بالمجتمع وما يحرّك أحاسيسه الوطنية، وما تعنيه ثوابته ومقدساته . لم يعد الإخوان يقفون كثيراً عند معنى “الجيش” لدى المصريين، ولذلك فإنهم يعترفون على لسان محمد البلتاجي أنهم وراء العمليات ضد الجيش في سيناء . لا تخلو تصريحاتهم من الدعاء على الجيش وتهديده وتوقع أسوأ العواقب المستقبلية له، وذلك على رغم علمهم أن ما يقولونه يصطدم بمشاعر الشعب ويحرك غضبه، وهنالك أيضاً استدعاء التدخّل الأجنبي لحسم الأمور لمصلحتهم، كما في نداء عصام العريان إلى الغرب .

إن نشر الفوضى وقطع الطرق وتوقيف وسائل المواصلات ومناوشة الجيش واستفزازه للرد بهدف إيقاع الضحايا من “الإخوان”، هي فصول في الاستراتيجية الإخوانية الحالية، وهي استراتيجية فصيل سياسي يبدو كأنه يريد الانفصال والقطيعة عن التأييد الشعبي وضمانه في النجاح في العملية السياسية مستقبلاً . يتصرف الإخوان فعلاً وكأن الشعب غير موجود ليحكم عليهم وليتأثروا مستقبلاً بحكمه من خلال الصناديق . إنه مزيج التخبط والعمى في الرؤية والغرور والتعالي على الإرادة الشعبية . وكما أن الجماعة لا تسمع سوى صوتها وحده وهي محصورة في “ميدان رابعة”، فهي تتصرف أيضاً وكأنها اللاعب الوحيد في ساحة تنفي حضور الآخرين فيها 


*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.