سقط مرسي… لأن الإخوان “إذا دخلوا قرية أفسدوها”
السبت, 06-يوليو-2013
عبد الجليل معالي -


في 30 يونيو 2012 تم إعلان محمد مرسي فائزا في الانتخابات الرئاسية، وقيلَ آنذاك أنه أول رئيس ينتخب بالاقتراع الحر وأول مدني يرأس مصر. وفي الثالث من يونيو 2013 أطاح الجيش المصري بمرسي، وقرر استبداله برئيس المحكمة الدستورية حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقرر تعليق العمل بالدستور. بين التاريخ الأول والثاني مسار سياسي يمكن أن يفيد في تقييم قدرة الإسلام السياسي على الحكم، وفي بحث واختبار إمكانية تحوّل جماعة دينية متشددة إلى حزب سياسي حاكم.

يجدرُ بنا أولا تحديد أن مشغلنا لن يكونَ تقييم عام من حكم الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة، لأن ذلك كان مادة لدراسات ومقالات غزيرة في جريدة العرب، بل سنركّزُ على معضلة تقوم على أن جماعة دينية حين تتعسّفُ على نفسها وعلى ثوابتها لتتحوّل إلى حزب سياسي، فإنها بالضرورة ستظلّ أسيرة موقع «المنزلة بين المنزلتين»، أي أنها ستظل دائما تراوح بين عقلية الجماعة وبين مقتضيات الحزب السياسي (باعتباره مفردة حديثة تنتمي إلى أشكال التنظم السياسي والاجتماعي الما بعد ميكيافيلية).

حلم الخلافة والوطن «وعاء»

المعضلة الثانية تتمثل في أن جماعة دينية تقوم على ثوابت نشأت معها من قبيل «الحاكمية لله» و «السمع والطاعة والثقة في القيادة» والحلم بالخلافة الإسلامية بما يعنيه من إلغاء لمفاهيم الوطن والمواطنة، يصعبُ أن تتحوّل إلى حزب يخوض غمار العمل السياسي ويؤمنُ بالتداول السلمي على السلطة وبالدولة المدنية وبالتنافس الديمقراطي على قاعدة البرامج والبدائل.

تطبيقا لما تقدّم، نشيرُ إلى جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت عام 1928، لم تقدم طيلة تاريخها الطويل ما يفيدُ أنها تتقدمُ إلى المجتمع وبقية الأجسام والتيارات السياسية بما يؤكد أنها تشاركهم الانتماء لوطن تسعى إلى مصلحته عبر تقديمها لبدائل اقتصادية واجتماعية، بل كانت -طيلة تاريخها أيضا- تسعى إلى الوصول إلى السلطة بالقوة والتخطيط للانقلابات، وما يترتب عن ذلك من أعمال عنيفة ضد الخصوم أو الأنظمة القائمة.

العنف المؤصل «قطبيا»

ويكفي أن نذكّر بسجلّ الجماعة (الحافل) بالمنجز العنيف من اغتيالات أحمد الخازندار في آذار 1948 ومحمود فهمي النقراشي في كانون الأول 1948، وماهر باشا عام 1954 وأنور السادات في حادثة المنصة الشهيرة يوم 6 أكتوبر 1981، فضلا عن محاولات اغتيال جمال عبد الناصر خاصة مع التنظيم القطبي المعروف بتنظيم 1965.

لن نسهبَ في استعراض سجل القتل لدى الإخوان وهو سجلّ طال مفكرين وفلاسفة لمجرد أنهم اختلفوا مع تراه الجماعة حقيقة ويقينا (نذكر فرج فودة وحسين مروّة وغيرهما ونشير كذلك إلى أن عديد الدراسات أشارت إلى أن حسن البنا مؤسس الجماعة نفسه اغتيل بأياد إخوانية بعد أن قال أنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين).

الواضح أن العنف سمة أساسية مرتبطة بالتنظيمات الإخوانية، وهي سمة مستمدّة من أدبياتهم التي يفاخرون بها، ويكفي أن نقرأ أن منظرهم سيّد قطب قال في كتابه في ظلال القرآن «لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها».

من هذا المنطلق نعودُ إلى ما أشرنا إليه آنفا، بأن جماعة تقوم على هذه المنطلقات الفكرية والثوابت الراسخة يستحيلُ عليها أن تؤمنَ بالتفاعل الإيجابي الذي تتطلبه العملية السياسية بما تعنيه من تنافس وتسابق على أساس البرامج والأطروحات.

«إسلامية التنظيم وجاهلية من عاداه»

الثابت أن حزب الحرية والعدالة المصري، ظلّ أسير هذا المنطق، ورغم أنه حصل على تأشيرة العمل السياســي بعد ثورة يناير 2011، إلا أن ذلك لم يؤدّ إلى تغيير الأرضيات الفكرية التي ينطلقُ منها، فظلّ حزبا يتحرّكُ بعقلية الجماعة، ويشوّه خصومه ومنافسيه، ويكرّسُ المبدأ الإخواني الشهير «إسلام التنظيم وجاهلية من عاداه»، ويسعى إلى التمكين الذي يعني السيطرة على كلّ مفاصل الدولة وأسلمة البلاد، وهو ما ينتجُ ضربا من الزبونية السياسية التي تعني- بدورها- تحويل الحقوق إلى امتيازات ومقايضتها بدرجة الولاء. ومن هنا يمكن فهم السعي المحموم إلى تعيين أكثر ما يمكن من أعضاء الجماعة في كل مؤسسات وأجهزة الدولة، وكأن الجماعة/ الحزب في سباق ضد الساعة للوصول بأسرع ما يمكن إلى السـيطرة عــلى الدولة.

فشل «حزب» الحرية والعدالة في مصر عن تحقيق أهداف الثورة المصرية وتطبيق الوعود البراقة التي قدمها قبل الانتخابات، لم يكن مجرد عجز حزب سياسي عن التوصل إلى ما برمجه أو خطط لتنفيذه، بل هو في عمقه تعبير صادق عن استحالة النجاح للتباعد بين زاوية نظر جماعة دينية تنظرُ إلى زمن الخلافة وتحنّ إلى مقولات المودودي والبنا وقطب، وزاوية نظر أخرى واقعية تنطلق من واقع النـاس اليومي بما يحتويه من مشاغل اقتصادية واجـــتماعية.

فشل حزب الحرية والعدالة لم يكن ناتجا عن «تحالف الخصوم والأزلام» كما يروّجون، بل ترتب عن عبثية تفكيك مشاغل اليوم بآليات الماضي.

وفشل الحرية والعدالة هو أيضا قرينة تضاف إلى طائفة أخرى من القرائن، ومفادها أن الإسلام السياسي لا يمكنه أن يوفّر حلولا للقضايا التنموية والاجتماعية. ولعل التجارب السابقة لهذا الفشل تؤكد ذلك، ولنا في ذلك أمثلة عديدة أنتجت خرابا وتخلفا؛ السودان واليمن والصومال والعراق وقطاع غزة وأفغانستان وغيرها. الإسلاميون كلما دخلوا قرية أفسدوها.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.