يوليو 1952 الجيش يطيح بالملك… يوليو 2013 الجيش يطيح بالإخوان
الخميس, 04-يوليو-2013
الميثاق إنفو -

في مشهد النهاية من الفيلم الشهير “طيور الظلام” للمخرج وحيد حامد يتقابل وجها لوجه الصديقان العدوّان علي الزناتي (المحامي الإخواني) و فتحي نوفل (المحامي المعارض/ الانتهازي)، وتتوسّطهما كرة قدم يتقاذفنها بينما يتبادلان الحديث، وهما في ساحة السجن. تنفلت الكرة من وسطهما وتنطلق متحرّرة من سيطرتهما حيث اصطدمت بخريطة مصر وكسرت الشاشة. وفي مشهد آخر لفيلم وحيد حامد (انتاج عام 1995) يلتقي المحاميان ويبدو من خلال نقاشهما أنهما يتنازعان حول مسألة يعتبرها المحامي المعارض قضية بلد ومصلحة وطن، فيما يراها المحامي المتشدّد نزاع على ملكية.

فيلم “طيور الظلام”، الذي تعرّض بسببه الفنان عادل إمام إلى المحاكمة، إبان استلام الإسلاميين الحكم، يعكس بصورة جلية الصراع في مصر اليوم بين الدولة، ممثلة في الشعب، والحكومة، ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية التي تناصرها والتي اعتلت سدّة الحكم على أكتاف الشعب وتسعى اليوم جاهدة للحفاظ على هذا المكسب الذي طمحت له منذ تأسيسها سنة 1928، بشتى السبل.

إلى أين تتّجه الكرة في اللعبة الدائرة على الساحة المصرية اليوم، سؤال لا تزال الإجابة عنه ضبابية، نظرا لتشعب الموقف وتداخل أطراف عديدة، داخلية وخارجية، في مجريات الأحداث التي لا يمكن قراءتها بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي وبعيدا على الصراع الدائر في سوريا، واتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية وما يجري في بلدان “الربيع العربي” الأخرى.

مع نهاية المهلة التي أعطاها الجيش للرئيس محمد مرسي لحل الأزمة السياسية في البلاد، شهدت الساعات الماضية – بحسب ما هو ثابت بالصوت والصورة من ميادين مصر، وبحسب ما أكدته مصادر “العرب” الميدانية وشهود العيان- تواجد عشرات الملايين من المواطنين الذين خرجوا يهتفون برحيل رئيس الجمهورية المنتخب انتخابا “شرعيا و”ديمقراطيا” محمد مرسي. وتصاعدت وتيرة التحركات من كافة القوى السياسية والجماعات الفاعلة في الشارع المصري تفاعلا مع التدخل الميداني للجيش المصري.

الجيش ينزل إلى الميدان

طائرات الهليكوبتر العسكرية منتشرة في سماء مصر… المدرعات منتشرة في الطرقات السريعة، قوات المظلات والصاعقة والعمليات الخاصة منتشرة في شارع صلاح سالم بجوار القصر الرئاسي. والقوات المسلّحة متواجدة في شوارع القاهرة والمدن الكبرى لحفظ الأمن. وانتشرت مدرعات من وحدات الجيش وأفراد من القوات المسلحة بمحيط منطقة رابعة العدوية وأنصار الرئيس محمد مرسي، وتواجد عدد كبير من القناصة فوق أسطح أحد المناطق العسكرية القريبة من المنطقة.

سقطت الحكومة الإخوانية ودخل الجيش مبنى التلفزيون المصري، يتوقف الجميع عن الكلام ويرفعون رؤوسهم لمتابعة بيان القوات المسّلحة الذي أثلج صدورهم وحقق غايتهم. ليحتفل الشعب المصري في هذا الشهر بنصرين: نصر ثورة يوليو 1952، التي قادها الضباط الأحرار ضد النظام الملكي، وثورة يوليو التي قادها الشعب المصري ضدّ النظام الإخواني. وفي عودة مثيرة إلى الساحة السياسية أعلن الجيش حالة الطوارئ ووضع القائد الأعلى للقوات المسلحة تحت المراقبة واصدر قرار منعه من السفر. في خطوة تأتي استجابة لتلبية مطالب ملايين المحتجين الذي رفعوا شعار “ارحل” في وجه مرسي وفريقه.

أعطى إنذار الجيش احساسا بالراحة لكثير من المصريين الذين يشعرون بالقلق مما يرون أنه استحواذ أخرق على السلطة ويعتبرون الجيش المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على إعادة انتقال فوضوي أعقب الثورة إلى المسار الصحيح. كما أعاد إلى الاذهان ذكريات مختلطة لفترة استمرت 17 شهرا أدار خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة البلاد بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. وشهدت فترة حكم المجلس العسكري احتجاجات عنيفة. ووصف كبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي تحذير الجيش بأنه “انقلاب” وفي خطب حماسية حذروا من مغبة سرقة الشرعية الديمقراطية وسرقة ثورتهم.

وهم الشرعية

الشرعية، مصطلح تكرّر مرات عديدة في خطاب الرئيس المصري “فاقد الشرعية الشعبية”، محمد مرسي، صباح أمس. و”الشرعية” هي الحجة التي يتعلّل به الإخوان ليبقوا في السلطة، غافلين عن أن ممثلهم محمد مرسي فقد شرعيته منذ أن خرج ضدّه حوالي 22 مليون مصري، أي أكثر بكثير ممن انتخبوه قبل سنة. وتحت مسمى الشرعية رفض الرئيس وفريقه حكم الشعب، وأصبح يبحث عن خارطة طريق تخرجه من هذا المأزق بعد أن وجد نفسه وحيدا في الملعب دون سند خارجي قوي مثلما حدث مع ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام حسني مبارك. ليعيد التاريخ نفسه اليوم، وفيما استعادت ميادين “المحروسة” غضبها الشعبي، استعاد مرسي خطاب سلفه ومصطلحات سابقيه: من قبيل الحوار والانتخابات البرلمانية والتوافق. ولكن الشعب قال كلمته الفصل وهو مصمّم على المرابطة في الميادين حتى يقط النظام، فلا حوار ولا سلام مع من أباح دم المصريين من أجل الكرسي.

وأكّدت الرئاسة المصرية على خارطة الطريق التي استجابت فيها للنداء ودعت كافة القوى الوطنية للحوار حولها لإجراء المصالحة الوطنية الشاملة التي تلبي مطالب الجماهير وتستوعب كافة القوى الوطنية والشبابية والسياسية وتزيل الاحتقان السياسي الذي تشهده مصر في هذه الأيام. وقال بيان صادر عن الرئاسة ونقله موقع التليفزيون المصري على الإنترنت “تؤكد الرئاسة أن تجاوز الشرعية الدستورية يهدد الممارسة الديمقراطية بالانحراف عن مسارها الصحيح ويهدد حرية التعبير”. وجاء بيان الرئاسة على موقع الانترنت بعد أن دخل الجيش إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون ومنع بث أية بيانات أو أخبار بالتلفزيون المصري.

اللحظات الأخيرة

قبل ساعات من انتهاء المهلة المحددة نشر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر بيانا بعنوان «الساعات الاخيرة» يقول فيه إنه مستعد للدفاع حتى الموت عن شعب مصر ضد «كل إرهابي أو متطرف أو جاهل». وتبنى شيخ الأزهر الشيخ، أحمد الطيب، موقف الجيش ودعا الزعماء السياسيين إلى الاستجابة لمطالب المحتجين المناهضين للحكومة. وفي تغريدة على موقع «تويتر» عبر البابا تواضروس الزعيم الروحي لنحو عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 84 مليون نسمة عن مباركته للمظاهرات المناهضة لمرسي.

مفتي السعودية يحث المصريين على حقن الدماء

الرياض - دعا مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز عبدالله آل الشيخ، أكبر سلطة دينية في المملكة، المصريين إلى تجنب إراقة الدماء مع انقضاء مهلة حددها الجيش لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.

ودعا الشيخ عبد العزيز عبد الله آل الشيخ العقلاء والمفكرين في مصر إلى التعاون فيما بينهم لتدارك الأوضاع التي تمر بها البلاد وحل المشكلات بالحكمة والروية لحقن الدماء الزكية وعدم الانجرار خلف من يسعون للإفساد والفوضويات. وأضاف المفتي قوله مخاطبا جميع الأطراف “اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في مجتمعكم واتقوا الله في عقيدتكم وبلادكم اتقوا الله في أمتكم. “رض الكنانة مصدر العلم والخير لا يجوز أن تذهب ضحية لأغراض شخصية وآراء ذاتية. يجب أن تبتعدوا عن كل هذه الأمور وقفوا موقفا حازما من الاختلاف واتفقوا وتعاونوا على منع الفوضى التي لا تعود على المجتمع المصري بخير.”

وحث آل الشيخ الأطراف المتناحرة على الاجتماع وتحديد المشاكل ووضع حلول عاجلة محذرا من مغبة سفك الدماء.

واختتم بقوله “وحدوا كلمتكم. اجمعوا صفوفكم. حلوا مشاكلكم… لا نحب لهذا البلد العربي أن يذهب ضحية للتصرفات الخاطئة والفوضى الضارة التي لا تعود على الأمة بخير.”


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية