تنظيم الإخوان في الإمارات: قصة الإفلاس المتدرج
الاثنين, 01-يوليو-2013
د. علي بن تميم -
في توقيت أقلّ ما يقال فيه إنه »مفضوح» أعلنت إحدى القنوات الإخوانية، التي تعمل من خارج الإمارات، عن عزمها عرض فيلم وثائقي يتعلق بمحاكمة التنظيم السري في الإمارات. وجاء ذلك من خلال «برومو» ترويجي بثّ على يوتيوب، وتداوله الإخوان على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن لقطات من الفيلم، في الوقت الذي تشهد فيه مصر، ثورة متجددة على حكم المرشد، مع إعلان حركة تمرد عن جمع أكثر من 22 مليون توقيع مؤيد لإسقاط مرسي والإخوان.

يأتي الإعلان عن هذا الفيلم، ثم عرضه في هذا التوقيت بالذات، ليعكس مدى التوتر الذي يعيشه التنظيم الدولي، وفروعه في مختلف أنحاء العالم، لاسيما وأن موعد 2 يوليو الذي ستتلى فيه الأحكام على أعضاء التنظيم السري في الإمارات بات قريباً جداً، كما يعكس ذلك خيبة أمل التنظيم الدولي للإخوان جراء فشل محاولات تسييس ملف التنظيم في الإمارات، إلا أنه – أي هذا الفيلم – ليس الوحيد في سياق التعبير عن فقدان هذا التنظيم أعصابه. إذ يسعى الإخوان، وبعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في كسب شيء من التعاطف داخل الإمارات نفسها، أو حتى داخل دول الخليج العربي، إلى استعداء منظمات حقوق الإنسان الدولية ضدّ الإمارات، موظفين في ذلك شبكة الإخوانيين الممتدة في العديد من العواصم في محاولة مكشوفة لابتزاز دولة الإمارات، أو جرّها إلى ردود فعل انفعالية، وهو ما لم يتحقق بالطبع، مع تأكيد الإمارات الدائم أن هذه القضية هي بيد القضاء، والقضاء وحده.

إلا أنه، وعلى طريقة رموز الإخوان في كشف أنفسهم بأنفسهم، فإن هذا الفيلم الجديد يأتي في المقام الأول ليكشف هشاشة القائمين عليه والمشاركين فيه. فمعظم الشخصيات التي تتكلم فيه لا تتمتع بأيّ وزن يذكر في المجتمع الإماراتي، أو في أوساط النخبة الإماراتية، أما الكلام المكرور الذي يحاول الفيلم إثباته فإنه سرعان ما يرتد على أصحابه، ولاسيما كلّ ما يساق عن «تعذيب» المتهمين في السجون. وكانت جلسات المحاكمة نفسها، والتي تمت تغطيتها إعلامياً، وسمح للمتهمين فيها بقول ما يريدون، خير دليل على كذب هذه الادعاءات وزيفها، إذ أنه وعلى الرغم من تكرار معزوفة التعذيب أكثر من مرة خلال جلسات المحاكمة، سرعان ما تبين، وبشهادات المتهمين أنفسهم ومحاميهم، أن ما يسمى تعذيباً ليس إلا مطالب يريدها المتهمون، والتي كلّ مرة كان القاضي يستجيب لها ويحققها لهم. بالإضافة إلى ذلك فقد قامت جمعية الإمارات لحقوق الإنسان بزيارة المتهمين في السجون، ثم نشرت تقريراً تفصيلياً يؤكد عدم حدوث واقعة التعذيب ضدّ أيّ من المتهمين. ولكن، ما سرّ هذا التركيز على «التعذيب»؟

لعلّ الجواب يكمن في خيبة الأمل الأولى التي واجهها أعضاء التنظيم. فقد كان أولئك يراهنون بالفعل على «انتهاك حقوق الإنسان» في هذه القضية، وعلى أن يتخذ المتهمون وضعية «المعتقلين السياسيين»، معنوياً على الأقل، وهو ما راهنوا على أنه سيصبّ في النهاية في خدمة حملتهم ضدّ الإمارات. إلا أن الوقائع التي تلت ذلك، جاءت لتخيب أمل أولئك المراهنين، ولم ينجح الإخوان في تحويل قضية التنظيم السري من قضية أمنية جنائية إلى قضية رأي عام، بل انقلب السحر على الساحر، حين تكشفت لأهل الإمارات والعالم، خلال جلسات المحاكمة، أدلة مادية ملموسة تضع القضية في إطارها، وذلك بصرف النظر عما ستؤول إليه المحاكمة نفسها في النهاية.

أما خيبة الأمل الثانية فنتجت من أن الاستجابة مع عنوان «الاعتقال السياسي» بالكاد كان لها أيّ صدى يذكر، إلا في دوائر الإخوان أنفسهم. وكانت الصفعة الكبرى التي تعرض لها أولئك هو بدء إجراءات محاكمة التنظيم السري بالفعل، وبالتالي سقوط أولى الرهانات على أن تتحول القضية إلى قضية رأي عام.

هنا اتخذت الحملة منعطفاً آخر عنوانه «التعذيب»، حيث نشطت الماكينة الإخوانية، لاسيما في مخاطبة جمعيات حقوق الإنسان الدولية، وذلك خصوصاً من خلال إحدى واجهات التنظيم في هذا المجال، أي ما يسمى «منظمة الكرامة لحقوق الإنسان»، لترسيخ فكرة أن المتهمين يتعرضون للتعذيب. أخفقت هذه الحملة أيضاً في تحقيق أيّ من أهدافها، مع إصرار السلطات الإماراتية على النأي بنفسها تماماً عن المسار القضائي للقضية، وبالتالي لم ينجح التنظيم في استدراج الإمارات إلى ردود فعل انفعالية، سواء على مستوى الخطاب أم الممارسة.

وتمثلت الصفعة الأخيرة للتنظيم الدولي في الملف الذي قدمته الإمارات في جنيف والذي قدم سجلاً تفصيلياً بأوضاع حقوق الإنسان في الدولة، ونال احتراماً وتقديراً من جميع الدول المشاركة.

وهذا ما أفقد التنظيم الدولي للإخوان أعصابه، خاصة أن الرد جاء بطريقة علمية ومدروسة ومدعمة بالأرقام والوقائع، وبالتالي فقدت حملة الإخوان كلّ مغزاها، وهو ما وضع التنظيم الدولي في حالة جديدة من التخبط، عبّر عنها خطاب محمد مرسي بالغ التوتر مع اقتراب استحقاق 30 يونيو. هي شماعة الخارج مرة أخرى. وكما شهدنا في مرات سابقة حين حاول تنظيم الإخوان نقل المعركة من ساحات مصر إلى الخارج، فإن عصا المرشد التي تحاول تحريك الأوراق في الخارج، أخفقت هذه المرة، في تحويل الأنظار عما يجري في مصر.


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.