هل ستنتهي الحقبة النفطية الشرق أوسطية؟
الأحد, 12-مايو-2013
الميثاق إنفو -

دعمت هذه الأنباء دراسة لشركة(bp) البريطانية التي أشارت إلى أن التوسع الحاصل في إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الصخري وبمعدل 1 .2% سنوياً، وبتكاليف منخفضة سيقلل من وارداتها النفطية إلى مستويات تعود لأكثر من ربع قرن، معلنة بزوغ حقبة “الاكتفاء الذاتي” الأمريكي . كما يشير تقرير “آفاق الطاقة العالمية 2012” الذي تصدره منظمة الطاقة الدولية إلى أن الولايات المتحدة ستتفوق على روسيا في إنتاج النفط في عام ،2015 كما ستتجاوز السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم قبل عام 2020 .

وتذهب مصادر أخرى إلى أبعد من ذلك، حيث تؤكد أن نصف الكرة الأرضية الغربي لن يستورد قط من نصف الكرة الأرضية الشرقي بحلول عام ،2030 وستتحول جهة الطلب على النفط إلى عملاقي آسيا - الصين والهند- اللتين ستزداد وارداتهما النفطية - لاسيما في ظل ارتفاع مستوى دخول الطبقة الوسطى فيهما - على نحو تكادا تعوضان النقص المتوقع في طلب شمال أمريكا على الطاقة . ويصف أحد خبراء منظمة الطاقة الدولية هذه التغيرات في صناعة الطاقة العالمية بأنها “الأكبر” منذ الحرب العالمية الثانية .

وعلى نحو أدق، وطبقاً للتقارير الدولية، فرغم توقع استمرار الطلب العالمي على النفط خلال السنوات المقبلة، إلاّ أن المهم هو معدل نمو هذا الطلب، حيث يتوقع أن يشهد انخفاضاً عما كان عليه خلال العقد الماضي، ويقدر معدل استيراد النفط المكافىء العالمي ب6 ملايين برميل يومياً مقارنة ب12 مليون برميل في نهاية عام ،2008 أي سينخفض بمقدار النصف . من هنا، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: ما الأثر الصافي لتغيرات قوى الطلب العالمي في النفط الخليجي؟

والواقع أن الإجابة الشافية عن هذا التساؤل المركزي لاترتبط بالتغيرات “الكمية” التي ستطرأ على الصادرات النفطية الخليجية فحسب، بل في التحول الدرامي في خريطة صناعة الطاقة العالمية، خاصة في شمال أمريكا، لاسيما في ظل التطور الهائل التي تشهدها هذه المنطقة من العالم في مجال ترشيد الطاقة . ومن يدري، فلربما تنتقل حمى تكنولوجيا إنتاج “النفط غير التقليدي” إلى مناطق أخرى من العالم المستوردة الصافية للطاقة .

وعلى أية حال، يبدو لنا أن هذه الأخبار لم تأخذ استحقاقاتها من قبل وسائل الاعلام في الدول النفطية العربية بعامة، ودول مجلس التعاون الخليجي بخاصة في وقت لاتزال الولايات المتحدة تشكل أكبر مستورد للنفط في العالم متجاوزة كل من الصين واليابان .

ولا حاجة للتوقف طويلاً لتحليل آثار التغير الحاصل في صناعة الطاقة العالمية على مستقبل الاقتصادات الخليجية . فرغم التطور النسبي الذي شهدته دول المجلس على صعيد التنويع الاقتصادي (وكما هو الحال قطاعات التجارة والسياحة والخدمات المالية بالنسبة للإمارات، والصناعة بالنسبة للسعودية، والاستثمارات القطرية الضخمة في الخارج)، فلاتزال الطاقة تستأثر بنحو نصف النواتج المحلية الإجمالية لهذه الدول، كما أنها تشكل مكوناً أساسياً في موازناتها العامة وفي برامجها التنموية . فباستثناء الإمارات التي استطاعت بالفعل تقليل اعتمادها على النفط إلى حدود 29% في السنوات الأخيرة فإن سجل أداء بقية دول المجموعة في هذا المجال كان مخيباً للآمال .

ولعل من المناسب منطقياً أن يجري التساؤل الآن عما إذا كانت الحقبة النفطية السابقة (إبان سبعينات القرن العشرين) والحالية (العقدين الماضي والحالي)، قد أثمرت عن تحول دول الخليج إلى اقتصادات قادرة على الاعتماد على نفسها، ووصلت إلى مرحلة الانطلاق في مضمار تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي، وأن شركاتها أصبحت مدرجة ضمن قائمة أكبر 500 شركة في العالم؟

أما الوجه الآخر للقضية فهو “سياسي”، حيث إن لهذا التغير - في صناعة النفط العالمية - مضامين سياسية لا يمكن اختزالها أو إهمالها . فالاستغناء الأمريكي عن النفط الخليجي خلال السنوات المقبلة قد يقترن باستغناء نسبي عن استراتيجيتها الأمنية في منطقة الخليج .

في ضوء ذلك كله، من الضروري بمكان أن تتخذ دول المجلس وعلى وجه السرعة استراتيجية “بديلة” طويلة الأمد تمتد إلى عام 2030 وما بعده، تضع في الحسبان تداعيات مثل هذه التطورات الحاصلة في الإنتاج النفطي (الأمريكي) على مستقبل اقتصاداتها، والشروع بتأهيل وتقوية قطاعات استراتيجية لايعتمد نموها على قطاع الطاقة .



*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاقتصادية.