العداء للمسلمين في بورما وسيريلانكا
السبت, 11-مايو-2013
الميثاق إنفو -

ليست الأعمال العدائية التي يتعرض لها المسلمون في بورما، وفي سريلانكا حوادث عابرة، بل أعمالاً منظمة - كما يقول مراقبون، تشارك الحكومة والرهبانية البوذية في بعضها، وكل ذلك لغايات سياسية .

في نشرة “ايراوادي” (“المستقلة التي تغطي أخبار بورما وجنوب شرق آسيا من منظور بورمي”)، (3-5-2013)، كتب بروس ماتيوس، (الأستاذ الفخري للأديان المقارَنة، في جامعة اكاديا في مقاطعة نوفا سكوتيا الكندية)، أن حوادث القومية الدينية المناوئة للمسلمين التي ارتكبت في سريلانكا وبورما في الآونة الأخيرة، دفاعاً في الظاهر عن العقيدة البوذية المحافظة، التي تدين بها الأغلبية، نكأت جراحاً لم تندمل .

ويُنذر العنف المتصاعد في بورما، بالخروج عن السيطرة تماماً، وآخره ما جرى في بلدة “اوكان” على مشارف العاصمة رانغون، حيث قام الغوغاء البوذيون بإحراق دزينة من المنازل، ونهبوا متجراً وهم يهتفون “لندمّرْ ممتلكات المسلمين” . وتم تدنيس مسجدين، وتمزيق المصاحف فيهما .

ويجري بعض هذه الأحداث العنيفة بدعم من الحكومة أو من الرهبان البوذيين، فيما يُقال . أمّا بعضها الآخر فهو تلقائي كما يبدو، وخارج عن سيطرة الدولة والرهبانية البوذية . ومهما يكن من أمر، فهي هدّامة، ومثيرة للقلق .

ويقول الكاتب إن البلدين، خارجان حديثاً من تجربتين سياسيتين مؤلمتين: التخلص من حكم استبدادي عسكري دام عقوداً (بالنسبة إلى بورما)، ومن دمار حرب أهلية شرسة (بالنسبة إلى سريلانكا) . ولا شك في أن كلا البلدين يعانيان ضرراً جسيماً جراء هذا الجيَشان الشوفيني الأخير، باسم عقيدة تبدو في كلتا الحالين، مستغلة لتلبية غايات سياسية .

ويبدأ الكاتب بتناول الوضع في بورما، ويقول إن هذه الدولة، لها سجل طويل من العلاقات بين الأغلبية البوذية (90%)، والأقليات الدينية، وأبرزها المسلمون (5%) والهندوس (3%) . وكان المسلمون من مجموعة متنوعة من الخلفيات الاثنية الشرق أوسطية والآسيوية الوسطى، يشكلون ذات يوم، جزءاً مقبولاً من الممالك البورمية التاريخية، تجاراً في أغلبيتهم، ولكن بعضاً منهم، يعملون حتى ضمن جُند مشاة الملك العظيم “ميندون مين” في منتصف القرن التاسع عشر .

وكان آخرون، وبخاصة الروهينغيا في ولاية أراكان، المتاخمة لبنغلاديش الحالية، قد تسللوا عبر الحدود غير المحكمة على مدى عقود . ولكن الأشد إثارة للخلاف، هم الألوف من المسلمين الهنود، الذين جلبهم مسؤولو الاستعمار البريطاني، لمهاراتهم التجارية، ودأبهم في العمل .

وكانت الفورات المناوئة للمسلمين المرتبطة بالامتعاض الاقتصادي البوذي البورمي، تحدث بين الفينة والأخرى قبل الاستقلال . ولكن ثروات المسلمين، تم تدميرها في نهاية الأمر، باستيلاء الجيش على السلطة عام 1962 . وتمّ تقييد الروهينغيا بوجه خاص، بقانون الجنسية عام ،1982 الذي اشترط عليهم تقديم دليل على تسلسل النسب في بورما منذ ثلاثة أجيال .

وفي مكان آخر، أثارت الحكومة عام ،1997 موجة شغب عنيفة مناوئة للمسلمين، لصرف الأنظار عن قيام جنرالات في الجيش، بسرقة مجوهرات من تمثال بوذا في مدينة مندلاي (حيث أشيع يومئذٍ أن مسلماً اغتصب فتاة بوذية، وتبيّن بعدما ذاق المسلمون الأمرّيْن، أن الفتاة المزعومة لم تُغتصَبْ أصلاً!) .

وكانت هجمات أخرى وقعت عام 2001 في مدينتيْ توانغو وبينمانا، بمثابة تمهيد للمذابح التي ارتكبت ضد مسلمي الروهينغيا عام ،2012 في ولاية اراكان الغربية . وقد ظهر في بعض الأنشطة رهبان بوذيون على رأسها، يتولون التنظيم والتحريض على طرد السكان المسلمين بالقوة . وفي مارس/ آذار من هذا العام، حدثت مشاجرة عادية في حانوت للذهب يملكه أحد المسلمين في مدينة ميختيلا الصغيرة في وسط البلاد، ولكنها تفاقمت مع مقتل راهب بوذي .

وقد أثار ذلك موجة من أعمال العنف استمرت أسبوعاً، ويعتقد بأن البرلمانيين العسكريين، الساخطين على الإصلاحات في حكومة الرئيس تين سين، كانوا وراء الأحداث، ربما في محاولة ملتوية للعودة إلى الحكم العسكري .

وعلى الرغم من أن المسلمين، لا يشكلون سوى جزء صغير من سكان بورما، فإن سيلاً عارماً من الشائعات، ينتشر عن تصاعد هيمنة المسلمين الاقتصادية والديموغرافية .

ويقول الكاتب، إن هذه الممارسات البغيضة، إذا تُركت دون حلّ، فسوف تؤدي إلى إخفاق تجربة بورما الإصلاحية والديمقراطية الدائرة منذ 3 سنوات .

وينتقل الكاتب للحديث عن الوضع في سريلانكا، فيقول إن هذا البلد، يشكل مثالاً على الكيفية التي يمكن للصراع الطائفي بها أن يدمر بلداً كان بإمكانه أن يكون سعيداً . فعلى الرغم من انتهاء الحرب الأهلية الطويلة عام ،2009 انهارت العلاقات بين فئات المجتمع بصورة حادة، وأصبحت الأقليات عرضة لخطر شديد .

وقد هيأ ذلك مجالاً لوجود صدع اثني مناوئ للمسلمين . ويضيف الكاتب، أن مسلمي سريلانكا يشكلون 9% فقط من عدد السكان، ويربطهم نسب تاريخي قديم مع الشرق الأوسط منذ قرون . وقد فاجأ الانعطاف الأخير في الأحداث كثيراً من المسلمين، إذ كانوا يعتبرون أنفسهم مندمجين جيداً، وموالين للدولة أثناء الحرب الأهلية، ويشغلون مناصب عليا في الحكومة منذ زمن طويل .

ويقول الكاتب، إن النزاع الديني الاثني أصبح من سمات الأمة، وإن البوذية لعبت دوراً حاسماً في تعزيز عقيدة فظة، عنيدة تتمحور حول الأصل الاثني .

ويذكر الكاتب أن الأعمال المناوئة للمسلمين تضمنت هجمات على المساجد، من دون تدخل من الشرطة، أو بتدخل ضئيل، وادعاءات بأن نتائج الامتحانات الوطنية مزورة لمصلحة المسلمين، ومطالبات بإلغاء شهادة الحلال الإسلامية، على الأطعمة، مع الادعاء بأن رسومها تذهب لبناء المساجد، ونظريات مؤامرة كثيرة (ومنها على سبيل المثال، أن حفاظات صحية معينة تباع في متاجر المسلمين للنساء البوذيات، تؤدي إلى العقم)، والادعاء بأن العائلات المسلمة كبيرة جداً، ونشر الشائعات المغرضة بقيام المسلمين بالاغتصاب والإكراه . وقد وقعت خلال السنة الماضية هجمات على مساجد المسلمين ومصالحهم التجارية في العديد من المناطق، وشارك رهبان بوذيون في بعضها بقذف الحجارة .

وترافق ذلك مع صعود “قوة السلطة البوذية”، وهي تعبير جديد نسبياً عن النزعة الشوفينية السنهالية المفرطة . وتستخدم هذه المنظمة لغة فجة، في وصف الأئمة المسلمين مثلاً، كما أنها ناشطة ضد المسيحيين .

وهي تحظى بدعم على أعلى مستوى، حيث تم افتتاح أكاديمية القيادة التابعة لها في غالي، على يد وزير الدفاع، غوتابايا راجاباكسا، الذي قال مؤخراً، “إن الرهبان هم الذين يحمون بلادنا، وديننا وعرقنا . ولا ينبغي لأحد أن يشكك في رجال الدين هؤلاء” .

ويقول الكاتب، إن البوذية، ليست منظمة موحدة في سيريلانكا . ويتكون مجمع الرهبان من نحو 30 ألف راهب، ينتمون إلى ثلاث مجموعات رئيسة، مقسمة بدورها إلى العديد من المجموعات الصغرى . ويشكل كل دير وحدة مستقلة في واقع الأمر . ويدل ذلك على انعدام وجود سلطة مركزية تضبط نظام الرهبان .

ومما يفاقم أثر ذلك وجود جوّ من الخوف وانعدام الحيلة، حيث يلوذ الناس بالصمت أو لا يقدرون على الشكوى من الظلم المتفشي، والترويع والعنف . وتبدو الحكومة غير مبالية بالآراء البديلة ومغرمة بقرار الأغلبية، وهي ليست مع الوحدة من خلال التنوع، أو المساواة والعدل في دولة تعددية .

ويعجز المعتدلون السريلانكيون، الذين يوجد الكثير منهم، عن الحفاظ على المودّة بين الأديان، أو التأثير عليها، والتكلم من دون خوف وحماية بعضهم البعض . ولا يوجد ضغط داخلي من جمهور الناخبين، لتحدي التردي في مستنقع الفئوية، على الرغم من الفظائع التي جرها هذا الموقف على سريلانكا منذ الاستقلال عام 1948 .

ويقول الكاتب إن زعماء المسلمين لا يميلون إلى المواجهة، ويظلون تصالحيين بدرجة كبيرة . ولكن ذلك ينطوي على خطر فقدان سيري لانكا لأي علاقات ودية قد تكون الحكومة أقامتها مع دول الشرق الأوسط، التي يشكل كثير منها مصادر ضخمة لتوظيف السيريلانكيين، وحوالاتهم الاقتصادية المهمة .

ويقول الكاتب، إنه لا ينبغي لأي حكومة تمثل أغلبية بوذية أن تتسامح مع مثل هذا النشاط المناوئ للمسلمين . ولا يعلم أحد بعدُ، حجم العواقب الوخيمة التي تخلفها هذه الأحداث على الدولتين 

إعداد : عمر عدس

*. تقرير منشور في صحيفة الخليج الاماراتية.