“بي بي سي” تختار موالياً ل “إسرائيل” مديراً للأخبار
السبت, 04-مايو-2013
الميثاق إنفو -

في شهر إبريل/ نيسان، تم تعيين مدير عام جديد لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، وفي غضون أسبوعين، قام بتعيين عدد من المعروفين بانحيازهم لوجهة النظر “الإسرائيلية”، على رأس هذا الجهاز الإعلامي المهمّ، الذي يُدار بالمال العام .

في موقع “إلكترونيك انتفاضة”، (23/4/2013)، كتبت أمينة سليم، (الناشطة في حركة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، التي ترصد تغطية وسائل الإعلام البريطانية لشؤون فلسطين) . . أن توني هول، الذي بدأ ممارسة مهامه مديراً عاماً ل”بي بي سي”، في 2 إبريل/ نيسان، هو مدير سابق للأخبار في هذه المؤسسة، يفاخر بما يقرُب من 30 عاماً من العمل فيها . كما أنه على دراية تامة بقيم ال”بي بي سي”، ويعرف ما تريد .

وما كاد يتسلم زمام منصبه، حتى رشح جيمس هاردينغ، مديراً للأخبار والشؤون الحالية في ال”بي بي سي” . وكان هاردينغ، حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول، محرّراً في صحيفة “التايمز”، التي تصرّح بأنها يمينية، وموالية ل”إسرائيل”، وهي مملوكة لمجموعة روبرت مردوخ للأنباء العالمية .

وتذكّر الكاتبة، بأن هاردينغ، تحدّث عام 2011 في مناسبة إعلامية نظمتها مجلة “ذي جوش كرونيكل”، فقال لجمهور مستمعيه: “إني مُوالٍ ل”إسرائيل” . أومن بدولة “إسرائيل” . ولو كنت عملت في صحيفة ذات تاريخ مناوئ ل “إسرائيل” لكانت لديّ مشكلة . ولكن مردوخ، (الذي أعمل في صحيفته) موالٍ ل “إسرائيل” بطبيعة الحال” .

وقد أعادت مجلة “جويش كرونيكل” نشر هذه الكلمات، عندما شاع خبر تعيين هاردينغ في ال”بي بي سي” . كما انتهزت الفرصة لتذكير قرائها، بأن هاردينغ، أثناء المجزرة “الإسرائيلية” في غزة أواخر عام 2008 وأوائل ،2009 عندما تم ذبح أكثر من 1400 فلسطيني، كتب افتتاحية لصحيفة التايمز بعنوان “دفاعاً عن “إسرائيل”” .

والآن إذ يحمل هاردينغ تعصّبه ل “إسرائيل” معه إلى المراتب العليا في ال”بي بي سي”، فسوف يكون مسؤولاً عن أشهر برامجها الإخبارية، وبرامجها الخاصة بالشؤون الحالية (مثل توداي، نيوزنايت، وبانوراما) . . كما سيكون مسؤولاً عن النشرات الإخبارية اليومية في قنوات “بي بي سي” التلفزيونية ومحطاتها الإذاعية الرئيسة .

وحسبما ذكرت صحيفة “الغارديان”، يشغل هاردينغ الآن، “أهم منصب يتعلق بتحرير الأخبار في بريطانيا” .

ويأتي خبر تعيينه في المنصب الذي يتقاضى عنه 340 ألف جنيه (518 ألف دولار في العام)، بعد أسبوعين فقط من تسلم الوزير السابق في حزب العمال، جيمس بورنل زمام منصبه الجديد، مديراً للاستراتيجية والشؤون الرقمية في “بي بي سي” .

وقد عمل بورنل- الذي كان أحد أوائل مَن عيّنهم هول- مدة سنتين وهو في البرلمان، رئيساً لجماعة الضغط في وستمنستر التي تُدعى “أصدقاء “إسرائيل” في حزب العمال” . وتستمدّ هذه الجماعة، البالغة النفوذ، الدعم من شخصيات كبيرة داخل الحزب، من بينهم رئيسا الوزراء السابقان، توني بلير، وغوردن براون .

ومما لا يثير الاستغراب، أن بورنل يتفق مع وجهة النظر الصهيونية، التي تتبناها أخبار “بي بي سي” في الغالب، والتي ترى أن “إسرائيل” لا يمكن أن تكون على خطأ .

وبدلاً من أن يُظهر بورنل “إسرائيل” محتلة باغية، يصورها ضحية لجيران عرب إرهابيين معادين . فقد كتب في رسالة لمجلة “بروسبكت” في عام ،2004 عن مضاهاة “إسرائيل” بجنوب إفريقيا في عهدها العنصري: “ أرى من الصعب أن أطابق تلك الصورة مع الواقع على الأرض . إن “إسرائيل” دولة ديمقراطية، تعاني هجمات إرهابية، وهي محاطة بدول لا تعترف بوجودها، وهي ضحية منظمات إرهابية جيدة التمويل، تبشّر بحقدٍ معادٍ للسامية” .

وتقول الكاتبة، إن “إسرائيل” بقوانينها التي تميز ضدّ مواطنيها الفلسطينيين، والتي تربو على 60 قانوناً تشمل كل مجالات الحياة، بما فيها الحقوق السياسية والمدنية، يصعب وصفها بأنها ديمقراطية إذا كانت الدولة الديمقراطية دولة لكل شعوبها .

ولكن رأي بورنل ب”إسرائيل”، وهو رأي عارٍ عن الحقيقة، لن يكون غريباً عن “بي بي سي” . ولكنّ المفارقة الغريبة بطبيعة الحال، هي أن بي بي سي، بموجب ميثاقها الملكي، يُفترض أن تكون ملتزمة بالحياد في إذاعتها .

ولكننا نشهد عكس ذلك، في التعيين الثالث الذي أجراه هول- وهو ترقية المحرر السابق لبرنامج “توداي”، “سيري توماس” إلى منصب رئيس البرمجة في بي بي سي . ففي سنته الأخيرة من العمل متفرغاً لتحرير برنامج توداي، كان يشرف على برنامج، يجري مقابلات مع أحد كبار الساسة “الإسرائيليين”، أو مع سفير “إسرائيلي” بمعدل مرة كل شهرين . وكان من بين الذين قابلهم، داني ايالون، نائب وزير الخارجية “الإسرائيلية” يومئذٍ، وتسيبي ليفني، مهندسة مذبحة غزة 2008/ 2009 .

وفي الفترة ذاتها، لم تُمنح فرصة مشابهة لأي زعيم أو ناطق فلسطيني .

ولعل توماس كان يعتقد بأن وجهة النظر الفلسطينية لم تكن ضرورية في برنامج توداي- الذي يُعتبر على نطاق واسع في الإعلام البريطاني، برنامج الصباح، الذي يحدد أجندة الأخبار لبقية اليوم .

ولم تظهر فلسطين في أي من المقابلات المذكورة آنفاً، التي كان يجريها صحافيون في البي بي سي، من بينهم جيمز نوتي، وجون همفريز .

وكانت كل مقابلة تنصب على هاجس البي بي سي المسيطر، المغروس في نفسيْ هاردينغ وبورنل، والذي مارسه توماس في برنامج توداي، وهو هاجس “الخطر” على “إسرائيل” الذي يشكله جيرانها العرب وإيران . ولم يحدث استجواب لأي ممّن قابلتهم البي بي سي، حول احتلال “إسرائيل” للأرض الفلسطينية، وعنفها ضد المدنيين الفلسطينيين، أو ترسانة أسلحتها النووية التي تهدد الشرق الأوسط برمته .

وفي أعقاب كل مقابلة، كانت حملة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، تكتب إلى برنامج توداي، سائلة عن سبب التغاضي في المحادثة، عن احتلال “إسرائيل” المستمرّ للضفة الغربية وغزة، رغم الإدانة الدولية لذلك الاحتلال .

وفي كل مرة كان يأتي الجواب التالي: “ببساطة، لم يكن ممكناً مناقشة تعقيدات صراع الشرق الأوسط خلال مثل هذه المقابلة القصيرة” .

وثمة مثال آخر من عام ،2011 ففي 23 مارس/ آذار، قامت “إسرائيل” بقصف جوّي ومدفعي لغزة، فقتلت ثمانية فلسطينيين، بينهم طفلان وجدّهما . وتبع ذلك في الليل صاروخان أطلقا من غزة على داخل “إسرائيل”، لم يسفرا عن قتل أو جرح أحد .

وفي اليوم التالي، تحدثت نشرات الأنباء في برنامج توداي، عن الصاروخين اللذين أطلقا على “إسرائيل”، ولم يردْ أي ذكر على الإطلاق للقتل والتدمير اللذين حلاّ بغزة على يد القوات “الإسرائيلية” .

هذا إذاً، هو التاريخ الذي يحمله “سيري توماس” معه في دوره الجديد، رئيساً للبرمجة . بينما يحمل هاردينغ وبورنل، التزامها الصارم بالقضية الصهيونية .

إعداد: عمر عدس

*. تقرير منشور في صحيفة الخليج الاماراتية.