من يموِّل القاعدة في مالي: قطر في قفص الاتهام
الأربعاء, 01-مايو-2013
الميثاق إنفو -


راجت مؤخرا عدة تقارير تفيد بأن قطر تدعم المجموعات الإرهابية في مالي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك بعد أن أكدت نفوذها في باقي منطقة شمال أفريقيا.

ليست الادعاءات بأن قطر تقوم بمساندة بعض المجموعات المنتمية إلى تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي جديدة، ففي شهر يونيو- حزيران 2012 نقلت المجلة الفرنسية الساخرة «كنار أنشنيه» عن مصادر استخباراتية عسكرية أن قطر تقدم الدعم المالي لعدة مجموعات مختلفة مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والمجموعة المنفصلة عنها المسماة حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا. التقارير غامضة، لكنها عادة ما تشير إلى الدعم المالي من قطر، بينما يشير بعضها إلى طائرات قطرية تهبط في غاو وتقوم بتفريغ حمولة من الأسلحة وكما تشير إلى دخول قوات قطرية خاصة المعمعة.

التناقض القطري

قطر صندوق مليء بالمتناقضات، فالمشروبات الكحولية ولحم الخنزير سلع متوفرة بسهولة، ويمكن للنساء قيادة السيارات ولدى قطر منظمات نسائية هي الأكثر نشاطا وتأثيرا في تاريخ العالم العربي.

كما أن الأنظمة التعليمية الغربية توجد في قلب الدولة، ولا يوجد مسجد رسمي واحد في كامل مركّب «المدينة التعليمية» متعددة الاختصاصات الذي يضم ست جامعات أميركية إلى جانب جامعة لندن.

قد تبدو سياسات قطر من الخارج مضطربة، فمساندة أميركا بفعل القاعدتين الأميركيتين الضخمتين في قطر، والعلاقة مع إسرائيل (غير المرحب بها عادة) في السنوات الأخيرة تتناقض في الظاهر مع العلاقات الودية مع إيران ومساندة حماس وحزب الله.

وفي الفترة الأخيرة، تتباين استثمارات ضخمة في لندن وباريس مع دعم متزايد للإخوان المسلمين على امتداد الشرق الأوسط ومساندة غامضة لمجموعات في منطقة الساحل.

فضلا عن ذلك، عبرت قطر عن مساندتها شبه الرسمية لعدة مجموعات في المنطقة المجاورة لمالي في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة. وهناك رواية تقول إن قطر، بفضل تنامي ثقتها بنفسها، بدأت في مساندة مجموعة من الإسلاميين الأكثر تشددا على امتداد المنطقة.

الوقائع على الأرض

من الصعب التدقيق فيما تفعل قطر في مالي، فهي لا تُعلم أي أحد باستراتيجياتها أو تكتيكاتها فيما يخص سياستها الخارجية، كما لا توجد مصادر معلومات كافية وذات مصداقية في مالي والمناطق المحيطة بها. وأقصى ما يستطيع المرء قوله إنه بالإضافة إلى تاريخ طويل من تفاعل جمعية الهلال الأحمر القطري في المنطقة، قامت هذه الجمعية بتنمية قدراتها في مالي سنة 2012 لتقييم الحالة المتأزمة ورد الفعل الممكن. وتطلب ذلك في بعض الأحيان دخول مالي عن طريق النيجر للوصول إلى مدينة غاو ذات الأهمية البالغة، وحسب مقال لوكالة أي – أف – بي، تطلب ذلك في حد ذاته البحث عن ممر آمن من حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وهي فرع من فروع القاعدة.

وكون التنظيمين توصلا إلى هذا الاتفاق الذي ينص على منح ممر آمن قد يكون السبب الجذري لما تفترضه بعض لأطراف بأن اتفاق العبور ما هو إلا إشارة لارتباطات أعمق بكثير.

الرواية

بيد أن هذا هو الشيء بعينه الذي يفعله الصليب / الهلال الأحمر، إذ يتمسك بمبدئه المركزي المتمثل في الحياد بالنسبة إلى الصراع ويتعامل مع الوقائع على الأرض عبر عقد صفقات تكتيكية للحصول على إمكانية الدخول عند المستطاع.

لا يوجد أي دليل من مصدر مفتوح مهما كان نوعه يمكن أن يدعم أقوال رونالد مارشال الخبير المختص في منطقة أفريقيا ما وراء الصحراء بمجلة ‘ساينس بو’، إذ يدعي هذا الخبير أن القوات الخاصة القطرية دخلت شمال مالي لتدريب مجندين في حركة أنصار الدين التابعة لحركة القاعدة هناك.

معظم الغلو المتعلق بقطر ينبع من مقولة مفادها أنه «لا يوجد دخان دون نار». وليس مفاجئا أن يتهم عمدة مدينة غاو القطريين بدعم «الإرهاب»، فمن وجهة نظره فهو يوجه دعوة للتدخل الفرنسي ويشاهد جمعية الهلال الحمر القطري تتمكن من الدخول إلى أراض تحت سيطرة حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.

كما يتبع مارشال المنطق نفسه: كانت قطر نشيطة في السودان ثم في شمال أفريقيا وأعانت الإسلاميين بالدعم المالي والقوات الخاصة، ومن ثم تنشط قطر في مالي وتفعل الشيء نفسه.

وفي حين أن بعض ما سبق ذكره هو مجرد دق نواقيس الخطر من أناس لا يعرفون الكثير عن قطر، يبقى بعضه كلاما معقولا.

فمن المنطقي القول إن قطر بعد أن تبينت نجاعة دعمها لمختلف المجموعات الإسلامية في ليبيا، سعت تبعا لذلك إلى إعادة استعمال مثل هذه التكتيكات في مالي. ويمكن للمرء أيضا أن يلاحظ أن الحصول على المساندة في منطقة غنية بالمحروقات والفلاحة هو في الواقع عامل محفز معقول وتفسيري.

الواقع

توجد أسباب أخرى تفسر لماذا يمكن أن تتعامل قطر مع مجموعات القاعدة في منطقة الساحل الغربي. بالرغم من أنها تعرف بأنها بلد داعم للإخوان المسلمين، نجد أن أهم حلفائها هم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. وتجد قطر نفسها محدودة القدرة على حماية نفسها وهي موجودة في منطقة شهدت ثلاث حروب في فترة وجيزة، كما أنها محاصرة بين عملاقين إقليميين وهما إيران والمملكة السعودية. لذا تعرف القيادة القطرية أن عليها التعويل على الغرب في حفظ أمنها.

وقد يذهب الرأي المخالف إلى أن القيادة القطرية تشعر بأنه يمكنها فعل ما تشاء بحكم أهمية البلد بالنسبة للدول الكبرى. لكنّ جزءا كبيرا من المشروع القطري مهتم بشكل عميق بسمعتها على الصعيد الدولي، فهي تراهن على جعل نفسها جذابة دوليا عبر التظاهرات الثقافية، والاستثمار في التعليم، والتظاهرات الرياضية، فضلا عن القيام بمبادرات أخرى لبناء القوة الناعمة. ومن أجل دفع الاستثمار والتنويع الاقتصادي وسمعة البلد عموما، تريد قطر أن تُعرف على أنها ‘المكان الذي سيستضيف كأس العالم 2022′، لا ‘المكان الذي ساند القاعدة في شمال أفريقيا’.

وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن المجموعة الصغيرة من الأشخاص الذين يتخذون القرارات المرتبطة بالشؤون الخارجية في قطر (الأمير وولي العهد ورئيس الوزراء / وزير الخارجية) لم يظهروا أي اهتمام بمساندة العناصر السلفية المتشددة مثل القاعدة في العقود الأخيرة. ومن المحتمل أن تكون الأموال القطرية تجد طريقها إلى دعم عناصر متورطة في منطقة الساحل الأفريقي عبر سوء التصرف في الأموال، لكن إمكانية أن يكون عضو من النخبة الحاكمة في قطر ‘يأمر’ بمثل هذه الخطة أمر يصعب تصديقه.

وعموما ليس هناك دليل على أن قطر تقوم بتدريب مجموعات منفصلة عن القاعدة أو تمويلها، فهذه الفكرة لا تعارض مبادئ السياسة الخارجية القطرية على مدى عقود من الزمن إلى حد الآن فحسب، بل ليس واضحا الفائدة التي ستجنيها قطر من مصادقة مجموعة متعصبة للشريعة في شمال مالي. وحتى قبل قيام فرنسا بمطاردة هذه المجموعة كانت أبعد ما تكون عن تنظيم ذي بنية متماسكة بإمكانه منح قطر وعودا أو ضمانات ذات معنى.


*. تقرير منشور في صحيف العرب اللندنية.