معضلة تعريف الإرهاب وأثرها على العلاقات الدولية
الأربعاء, 01-مايو-2013
الميثاق إنفو -
تعريف مصطلح “الإرهاب” يظل من أكبر المعضلات التي تحاول بعض الدول التوصل إليه، بينما تقف الدول التي يخدم هذا المصطلح مصالحها، ضد كل مشروع للتوصل إلى تعريف محدد له.

أصدر الباحث الإسرائيلي إيغور بريموراتس أستاذ الفلسفة بالجامعة العبرية في القدس المحتلة كتابا بعنوان “الإرهاب: تحقيق فلسفي” يرى فيه أن معضلة الإرهاب الكبرى في المجتمعات التقليدية تكمن في السؤال: هل من الممكن تبرير الإرهاب من الناحية الأخلاقية؟

يدور الكتاب في مجمله حول طبيعة الإرهاب، وإن كان من الجائز الدفاع عن الهجمات الإرهابية كل على حدى. ويرى الباحث أن وصف الإرهاب لا يجب أن يقتصر على هؤلاء الذين يقدمون على ارتكاب أعمال إرهابية، وإنما ينبغي أن يمتد ليشمل “إرهاب الدول” أيضا. كما يطرح الكاتب وجهة نظر مغايرة لأغلب النظريات التي تتحدث عن الإرهاب في العالم، ويبرر تلك النظرة المختلفة بأنه “صحيح أن الإرهاب هو تصرف مرفوض من الناحية الأخلاقية، ولكنني أعتقد أن هذا التصرف (الإرهابي) في بعض الأحيان، وفي ظروف معينة من الممكن أن يستحق أن ندافع عنه إذا كان الهدف منه هو منع حدوث كارثة أخلاقية من قبل هؤلاء، الذين يتشدقون بالأخلاق كل يوم”.

ويشير بريموراتس إلى أن النقاشات التي تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة حول الإرهاب، كإحدى الظواهر العالمية التي لا يجب تجاهلها، انحصرت فقط بين أوساط الباحثين ذوي الخلفيات المرتبطة بالعلوم السياسية أو العلاقات الدولية، أو القانون أو السياسات العامة، أو السياسيين أو حتى المواطنين العاديين.

الإرهاب والفلسفة

ويعتقد أن جميع هذه النقاشات لم تتوصل إلى نتيجة ناجعة نتيجة لسيطرة المشاعر، والتوجهات الأخلاقية والمصالح السياسية، وإزدواجية المعايير أيضاً.

ويؤكد الباحث في كتابه على أن “علم الفلسفة من الممكن أن يساهم بدرجة كبيرة في حل مشكلة الجدل الدائر الآن عن الإرهاب من الناحيتين: الواقعية والأخلاقية”. ويضيف “أن الفلاسفة يستطيعون أن يجلوا الالتباس، وأن يكشفوا الازدواجية بأقل مجهود. كذلك يستطيع الفلاسفة أن يتجنبوا الخلط بين الحقائق الواقعية والأخلاقية في النقاش، ويعتمدون في أغلب تحليلاتهم على النسبية، وبالتالي فإنهم قد يتمكنون من التوصل إلى تعريف لا ينجم عنه صراع أخلاقي – واقعي للإرهاب”.

وتطرق الباحث إلى كيفية وضع تعريف متوازن للإرهاب، في الوقت الذي تروج قوى عديدة بالعالم لتعريف واحد يخدم مصالحها فيقول “عندما نريد وضع تعريف محدد للإرهاب، في إطار مقبول من الناحية الأخلاقية، وفي نفس الوقت يكون مفيدا للخروج بنتيجة واضحة من النقاشات السياسية، يجب علينا أن نضع جانبا هوية من يقومون بتلك الأفعال التي تصلح أن نطلق عليها (أفعال إرهابية)، وكذلك توجهاتهم السياسية أو الأيديولوجية أو الدينية. يجب علينا فقط أن نحدد ماذا حدث، وما هي الدوافع المباشرة لحدوث ذلك”.

ويضيف “إذن فالإرهاب هو (ممارسة أو التهديد بممارسة العنف بشكل متعمد، تجاه المواطنين الأبرياء، بهدف الضغط على من بيدهم القرار للانحياز إلى مواقف، أو اتخاذ قرارات لم يكونوا ليقدموا على اتخاذها في الظروف العادية). وحتى أكون محايدا وموضوعيا، فإنني أعتقد أن التعريف لم يشمل مصطلح (إرهاب الدولة) وهو المصطلح الذي يتم تجاهله عمدا الآن، ولكنه سوف يصبح ظاهرة تستحق الدراسة في التاريخ الحديث.

ولكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن الكيان الذي يعرف بالدولة قد تحول مؤخراً إلى (الإرهابي الأكبر في العالم)”. فاﻹرهاب هو أﺣﺪ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺼﺮاع اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻴﻪ اﻟﻘﻮى اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻪ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﺪاﻟﺔ، واﺳﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﺜﻮار اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻮن ﻓﻲ روﺳﻴﺎ أﺛﻨﺎ اﻟﺤﺮب اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ هناك، وكذلك ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺜﻮرة اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻬﺎ.

اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ

إن ﻣﻦ أهم اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﻌﺮﻳﻒ الإرهاب ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺪوﻟﻲ أو اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻮﻃﻨﻲ الآن هي ﻣﺎ ﻳﻠﻲ:

أ- إرﺟﺎء ﺑﻠﻮرة اﻟﺠﻬﻮد اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﻟﻮﺿﻊ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺮاﺋﻢ.

ب- اﺧﺘﻼط الأمور وﺗﺒﺮﻳﺮ أﻋﻤﺎل الإرهاب ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرها إرهاباً ﻣﻀﺎدا أو كفاحا ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ الإرهاب.

ج- الانتقائية واﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ ﻓﻲ وﺻﻒ اﻷﻓﺮاد واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت واﻟﺪول ﺑﺎﻹرهاب، وﻓﻘﺎ للأهواء واﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻃﺮف.

د- ﺷﻴﻮع اﻟﻘﻮل ﺑﺄن الإرهابي (ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﺒﻌﺾ) ﻣﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ في نظر البعض الآخر.

هـ- اﺧﺘﻼط الإرهاب ﺑﺼﻮر اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻷﺧﺮى كالجرائم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺤﺮوب ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ، ﺳﻮاء كانت ﺣﺮوﺑﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أو ﺣﺮوب ﺗﺤﺮﻳﺮ أو ﻋﺼﺎﺑﺎت، وكذلك ﻣﻊ ﺻﻮر اﻹﺟﺮام اﻟﻤﻨﻈﻢ واﻟﻌﺎﺑﺮ ﻟﻠﺤﺪود، وﻣﻊ اﻟﻌﺼﻴﺎن واﻻﻧﻘﻼﺑﺎت.

يظل الإرهاب ﻣﻔﻬﻮما ﻗﺎﻧﻮﻧيا ذا ﺑﻌﺪ ﺳﻴﺎﺳﻲ، ويظل اﻧﻌﺪام اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻣﻮﺣﺪ ﻳﻌﻜﺲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻟﺪول اﻟﺼﻐﻴﺮة أن ﺗﺤﻘﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻧﻈﺎم عالمي متعدد اﻷﻗﻄﺎب كتعريف اﻟﻌﺪوان ﻣﺜﻼ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ أﻣﺮا ﻳﺼﻌﺐ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﻮاﺣﺪ، وﺗﻈﻬﺮ الأزمة اﻷﻣيرﻜﻴﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﺧﺎﺻﺔ أﺣﺪاث اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2001، ﻣﺪى ﺻﺤﺔ هذا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج، ﻓﺎﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﺪى الولايات اﻟﻤﺘﺤﺪة هي ﻓﻘﻂ إﻧﺸﺎء ﺗﺤﺎﻟﻒ دوﻟﻲ يمكنها من قيادة اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ، كانت ﺗﺨﻄﻂ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ، ﻣﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ أﻋﻤﺎل إرهابية ﻟﻢ ﻳﻘﻢ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻘﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ارﺗﻜﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻟﺘﺸﻦ ﺣﺮﺑﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺿﺪ ﺷﻌﺐ (العراق) ﺳﺤﻘﺘﻪ ﺣﺮوب ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻨﺬ أكثر ﻣﻦ ﻋﻘﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ.

ﻟﺬﻟﻚ فإن اﺗﻬﺎم اﻟﻨﺎزﻳﻴﻦ ﻟﻠﻤﻘﺎﺗﻠﻴﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ إﺑﺎن اﻻﺣﺘﻼل اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ ﺧﻼل اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ إرهاﺑﻴﻮن ﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﻦ أن هؤﻻء كانوا وﻻزاﻟﻮا ﺑﻨﻈﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻘﺎﺗﻠﻲ ﺣﺮﻳﺔ، وﻳﻨﺴﺤﺐ اﻟﻮﺿﻊ ﺑﺼﻮرة أكثر وﺿﻮﺣﺎ، ﻧﻈﺮا ﻟﻠتآمر اﻟﺪوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎضلي اﻟﺤﺮﻳﺔ، داﺧﻞ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻟﺒﻨﺎن، اﻟﻌﺮاق واﻟﺼﻮﻣﺎل وﻏﻴﺮها ﻣﻦ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ الثالث، وكما كان اﺗﻬﺎم اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ ﻟﻠﻴﻬﻮد ﻳﻮﻣﺎ ﺑﺄﻧﻬﻢ إرهاﺑﻴﻮن ﻟﻢ ﺗﺘﺮدد ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻋﻦ إﻣﺪادهم ﻋﺴﻜﺮﻳﺎ وﺑﺸﺮﻳﺎ ﺑآلاف اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ سمحت ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻗﺘﺮاﻓﻬﻢ ﻟﻜﻞ ﺻﻮر اﻹرهاب، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺜﻨﻬﻢ ﻳﻮﻣﺎ هذا اﻹرهاب ﻋﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ، ﻓﺬهبوا ﻳﻌﻴﺜﻮن ﻓﻲ اﻷرض ﻓﺴﺎدا ﺣﺘﻰ أﺳﺴﻮا دوﻟﺔ كياﻧﻬﻢ اﻟﻐﺎﺻﺐ ﻓﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، واﺣﺘﻠﻮا اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻦ أراﺿﻴﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أراضٍ ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﺠﻮﻻن اﻟﺴﻮرﻳﺔ وﺻﺤﺮاء ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، وﺑﺎﺗﻮا ﻳﻘﺘﺮﻓﻮن ﻳﻮﻣﻴﺎ وﻓﻲ كل اﻷراﺿﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ جميع أﻧﻮاع اﻟﺠﺮاﺋﻢ اﻟﺪوﻟﻴﺔ في القلب منها “الإرهاب”، دون ﺣﺴﻴﺐ أو رﻗﻴﺐ.

إن اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﻘﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻣﻦ أﺟﻞ ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ دوﻟﻲ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ وضع تعريف للإرهاب، ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﺁذاﻧﺎ ﺻﺎﻏﻴﺔ، وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻻﻳﻤﻨﻊ، اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ أن ﺗﻠﻌﺐ دورا ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة أن تواصل الأمم المتحدة ﺟﻬﻮدها ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺪول، إن أﻣﻜﻨﻬﺎ ذﻟﻚ، ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺸﺮوع ﺗﻌﺮﻳﻒ، وﻳﺪﻓﻊ اﻟﺪول ﻏﻴﺮ اﻟﺮاﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻹرهاب إﻟﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻣﻠﻴﺎ ﻗﺒﻞ رﻓﺾ ﻣﺜﻞ هذا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ.

*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.