في اليوم العالمي للمياه: إنذار بتفاقم الأزمة
الجمعة, 22-مارس-2013
أحمد أبودوح -


كان من المتوقّع أن يتقبل العالم فكرة نقص موارد الوقود الطبيعية (البترول والغاز الطبيعي) وكذلك المعادن التي تلعب دورا هاما في النهوض باقتصاديات الدول، وتفاوت معدلات الاحتياطي منها بين مناطق جغرافية عن غيرها، ولكنه لم يتوقع أن يتكرر الأمر بالنسبة للمياه التي تعد المصدر الرئيسي لاستمرار الحياة على وجه الأرض.

مع بداية الشهر الجاري عقدت بعض المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة مؤتمرا عالميا في جنيف للبحث في كيفية التعامل مع تداعيات مشكلة الجفاف التي تسيطر على مساحات كبيرة من العالم. ويعد الجفاف الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة في العالم، إذ يؤدي إلى خسائر تتراوح قيمتها بين 6 و8 مليارات دولار سنويا.

وعلى الرغم من هذه الحقائق، إلا أن عددا قليلا من الدول يعتمد سياسات خاصة بمكافحة الجفاف وبعد خمسة أيام من المداولات في المؤتمر العالمي الأول حول الجفاف، أصدر الحضور بيانا غير ملزم يحث الدول على وضع سياسات وطنية لمكافحة الجفاف والسعي لتنفيذها.

ومنذ عام 1993، تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 مارس/ آذار باليوم العالمي للمياه للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب.

ويحتفل العالم الجمعة باليوم العالمي للمياه لعام 2013 تحت شعار “التعاون في مجال المياه”. ويأتي الاحتفال هذا العام متزامنا مع الاحتفال بالسنة الدولية للتعاون في مجال المياه حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر-كانون الأول 2010 اعتبار عام 2013 سنة دولية للمياه.

صراعات المياه

حروب المياه ليست مصطلحا جديدا لتفسير وضع خطير يهدد بتحول في مسار العلاقات الدولية في منطقة معينة أو عدة مناطق من العالم، ولكن تصاعدت حدة التوترات المرتبطة بالصراعات المسلحة من أجل المياه في السنوات الأخيرة مركزة على الاحتمالات القوية لوقوعها في عدة أنحاء متفرقة من الكرة الأرضية، خاصة في المنطقة العربية، أو الجزء الأعظم من الشرق الأوسط الكبير، الذي يمتد من أفغانستان مرورا بالبوابة الشرقية للأمة العربية وسوريا وفلسطين وعبر مصر وشمال أفريقيا حتى سواحل المغرب على المحيط الأطلسي. وتمثل الأنهار العذبة أشهر الموارد المائية التي قد تؤدي إلى خلق التنافس الدولي للاستحواذ عليها.

ومن المتوقع أن تتأجج الصراعات من جراء إصرار الدول المنتجة (دول المنبع) على احتكار أكبر قدر من المياه النابعة من أراضيها أو احتكارها كليا الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد الاحتقان لدى الدول المستهلكة وكذلك دول المصب. تتركز المشكلة في منطقة الشرق الأوسط بمعدل أكبر من غيرها، حيث أنها تستحوذ على 85.7 ٪ من الأزمة العالمية، بينما تتركز 14.3 ٪ فقط من المشكلة على الموارد المائية النهرية في أوروبا الشرقية، وتتمحور خاصة حول حقوق الانتفاع من مياه نهر الدانوب بين المجر وسلوفاكيا، وبين صربيا وتركيا نتيجة نقص الماء وتحويلات التلوث في نهري “الدانوب” و”الساف”.

أما على صعيد الشرق الأوسط فهناك أزمة تنذر بالاشتعال على المدى القريب بين تركيا والعراق وسوريا نتيجة إصرار تركيا على اعتبار الماء النابع من أراضيها ثروة طبيعية تركية، بصرف النظر عن أية اعتبارات ومواثيق دولية تنظم عملية اقتسام المياه بين الدول الواقعة على حوض النهر، ومن هذا المنطلق باتت تتصرف بوصفها المالك الوحيد لمياه النهرين (دجلة والفرات) وأعطت نفسها الحق في إقامة عدد كبير من السدود ومحطات الطاقة الكهربائية يفوق حاجة تركيا من المياه والطاقة الكهربائية (طبقا لتقدير باحثين متخصصين في شؤون المياه).

أما أكثر المشكلات المائية حساسية، وأقربها في احتمالية الاشتعال هي أزمة مياه حوض النيل التي قد تؤدي إلى اندلاع نزاع مسلح بين كل من مصر والسودان من جهة (باعتبارهما دولتي المصب للنهر) وأثيوبيا وحلفائها الأفريقيين من جهة أخرى (باعتبارها دولة المنبع لأحد فرعي النهر)، كرد فعل على إصرار أثيوبيا على بناء سد النهضة على مياه النيل، وكذلك تصميمها على المضي قدما في تنفيذ بنود الاتفاقية الإطارية لمياه النيل، المعروفة بـ”اتفاقية عنتيبي” دون النظر إلى اعتراض مصر والسودان على بنود الاتفاقية لما لها من خصم جائر من حقوقهما التاريخية في مياه النهر، وهو ما دفع النظام السياسي السابق في مصر إلى التهديد بتوجيه ضربة عسكرية استباقية لإثيوبيا، أو تقوم بتخريب السد (تحت الإنشاء) بحيث لا يصبح قادراً على القيام بدوره في توليد الكهرباء وتخزين المياه.

وفي تقرير سابق صادر عن الاتحاد الأوروبي أوضح أن عدد سكان العالم العربي سييزداد بحلول عام 2050 بنحو 40 ٪ أي أنه سيبلغ 437 مليون نسمة، وأن نسبة الأرض الصحراوية التي يعيش عليها سكان الوطن العربي هي 87 ٪ مرشحة للازدياد نتيجة ارتفاع معدل الاحتباس الحراري وندرة الأمطار، وأنه سوف يحدث نقص في المياه في الشرق الأوسط بمعدل النصف خلال الربع الثاني من القرن الحالي إذا لم تتخذ الحكومات العربية التدابير اللازمة لتنمية موارد المياه، بالتوازي مع الزيادة المطردة في عدد السكان. ويعد أحد أسباب حروب المياه بحسب تقرير صدر مؤخرا عن مركز أبحاث فرنسي متخصص في شؤون المياه فإن 15 ٪ من دول العالم تعتمد بنسبة 50 ٪ على الدول الأخرى في الحصول على مياهها. وهناك أكثر من 300 نهر (أي نهران من كل ثلاثة أنهر ) يجري اقتسامها بين عدة دول، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمياه الجوفية. وأن 50 ٪ من سكان العالم سيجدون أنفسهم متورطين في نزاعات سياسية وعسكرية بسبب المياه بحلول عام العام 2050.

النفط والماء

اعتبر تقرير متخصص صادر عن “هافارد بوليتيكول ريفيو” أن الماء سيكون “سلعة” نادرة في المستقبل القريب وأن قيمته قد تزيد كلما قلت مصادره، ولا نستبعد إذا ساد الجفاف في السنوات المقبلة أن يصبح الماء في مصاف السلع الثمينة مثله مثل النفط والذهب. ومن المتوقع أن تؤدي ندرة المياه إلى ارتفاع سعر الماء ليتخطى سعر البرميل سعر برميل النفط، وأن يتم إنشاء بورصة للمياه على غرار بورصة النفط الموجودة الاّن. ويرى مراقبون أن أكبر الدول التي تعاني من نقص في المياه هي الدول المنتجة للنفط بالأساس، وخاصة في منطقة الخليج العربي، التي تصل حصتها مجتمعة من المياه العذبة في العالم إلى 0.5 ٪ فقط، وهو ما يجعلها من أفقر المناطق المائية في العالم.

المياه والتنمية المستدامة

أشار الأمين العام للأمم المتحدة بن كي مون، بمناسبة حلول اليوم العالمي للمياه، إلى أن المياه تكتسي أهمية مركزية في تحقيق رفاه الناس والكوكب، ونحن نحتاج إليها حرصا على الصحة والأمن الغذائي والتقدم الاقتصادي. وأكد مون أن المياه هي مفتاح للتنمية المستدامة، وشدّد على ضرورة توحيد العمل والجهود العالمية من أجل حماية هذا المورد الهش والمحدود وإدارته بعناية.

ولفت إلى أن ثلث سكان العالم أصبحوا يعيشون في دول تشهد إجهادا مائيا متوسطا أو شديدا، ونتيجة لذلك ازدادت المنافسة بين المزارعين والرعاة، وبين الصناعة والزراعة، وبين المدن والأرياف وبين الدول الغنية والدول الفقيرة.

وقال مون في كلمته “قد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2013 السنة الدولية للتعاون في مجال المياه، فلنسخر أفضل التكنولوجيات ولنتبادل أفضل الممارسات لتحقيق محصول أكبر مقابل كل قطرة ماء، كما ينبغي لنا التعاون في المرحلة التمهيدية والمرحلة التنفيذية من الإنتاج، وعبر الحدود الوطنية لفائدة الجميع حاضرا ومستقبلا” وأضاف مون “دعونا نستثمر في المياه، فالمياه هي الحياة”.

الدول التي يتوقع حصول النزاع بينها وسبب النزاع

تركيا – سوريا – العراق: مياه نهري دجلة والفرات

العراق – إيران: المجرى المائي لشط العرب

أثيوبيا – السودان: مصر مياه نهر النيل

مصر – السودان – ليبيا – تشاد – النيجر: مستودع الحجر الرملي النوبي

زامبيا- بوتسوانا- زيمبابوي- موزمبيق: مياه نهر السنيغال

الهند – باكستان: مياه نهر الإندوس

الهند – بنغلادش: دلتا نهري الغانج وبراهما بوتري

أوزبكستان- كازخستان- قرغيستان- طاجكستان: نهرا آموداريا وسيرداريا وبحر آرال

المجر – سلوفاكيا: محطة غابسيكوفو على نهر الدانوب

صربيا – كرواتيا: نقص الماء وتحويلات التلوث في نهري

الدانوب والساف

السعودية – الأردن: خزان الديسي الجوفي

سوريا – لبنان: خزان البازلت الجوفي

الأردن – إسرائيل: نهر الأردن

لبنان – إسرائيل: نهر الحاصباني والوزاني


*. نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية.