آسيا والشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أمريكا
الجمعة, 22-مارس-2013
يوريكو كويكي -

عندما يتم تقييم العواقب التي ترتبت على غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة قبل عشر سنوات بشكل كامل، فإن أهمية ما تلا ذلك الغزو من صعود الإسلام السياسي هناك وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط قد تبدو ضئيلة للغاية مقارنة بالتحول الجغرافي الاستراتيجي الذي لم يكن لأحد أن يتوقعه آنذاك . ولكن ذلك التحول أصبح الآن مرئياً . ومع اقتراب أمريكا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، فإن انفصال الولايات المتحدة استراتيجياً عن المنطقة قد يصبح حقيقة واقعة .

لقد شهد الشرق الأوسط بطبيعة الحال انسحاب قوة عظمى، أو قوى عظمى، مرات عديدة من قبل: تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى؛ وتنازع ولايات الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية بعد الحرب العالمية الثانية؛ ومؤخراً، الاختفاء شبه الكامل للنفوذ الروسي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991 . وفي كل مرة، سرعان ما تحدث تغيرات هائلة في سياسية المنطقة، وخاصة تحالفاتها . وإذا كانت أمريكا تحاول غسل يديها من الشرق الأوسط في السنوات المقبلة، فهل يؤدي هذا إلى انقطاع حتمي مماثل؟

رغم أن العديد من المراقبين يعتقدون أن التحالف الأمريكي “الإسرائيلي” يشكل الأساس للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد هو الذي دفعها إلى تأسيس وجود عسكري مهيمن في المنطقة بعد العام 1945 . والواقع أن الولايات المتحدة، قبل حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران ،1967 لم تكن المورد الرئيس للمعدات العسكرية إلى “إسرائيل” . وكان الغرض من الانتشار العسكري الأمربكي في المقام الأول، الحفاظ على الوضع الراهن في العالم العربي، وبالتالي حماية تدفق الطاقة من الخليج لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، والاقتصاد العالمي بالكامل .

بطبيعة الحال، لا ينبغي لأحد أن يتخيل أن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة (التي جعلتها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة)، تعني أن أسطولها الخامس قد يرفع مرساه في أي وقت قريب . ولكن الأساس المنطقي لالتزام أمريكا بالقوة العسكرية في المنطقة يتغير بسرعة؛ وعندما يحدث ذلك كما حدث في أوروبا على سبيل المثال منذ نهاية الحرب الباردة فإن توزيع الأصول العسكرية يميل إلى التغير أيضاً .

ويكاد يكون من المؤكد أن ينعكس هذا التغيير على علاقات أمريكا مع حلفائها وشركائها العرب .

ولكنْ، أياً كانت الشروط الجديدة، فإن درجة فك الارتباط بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط سوف تعتمد على كيفية الرد على سؤالين رئيسين . أولاً، هل يؤدي سحب القوات العسكرية ولو كان ذلك بشكل جزئي إلى خلق فراغ أمني من الممكن أن يشغله منافس، ولنقل الصين أو إيران؟ وثانياً، هل يؤدي الانتقاص من التزام أمريكا بالمنطقة إلى تحفيز نوع من عدم الاستقرار قد يفضي إلى توليد دول فاشلة وإنشاء ملاذ آمن للإرهابيين؟

إن الاستراتيجية الأمنية الحالية التي يتبناها الرئيس باراك أوباما في أفغانستان، واليمن، وأماكن أخرى، يشير إلى أن الولايات المتحدة سوف تسعى إلى تخفيف الخطر الأخير من خلال الاستمرار في تدخلاتها المستترة، وخاصة استخدامها طائرات من دون طيار . بيد أن منع المنافسين من اكتساب نفوذ مفرط في المنطقة سوف يتطلب نمطاً مختلفاً تمام الاختلاف من الاستجابة، وهو النمط الذي سيتطلب بدوره الدعم من قِبَل حلفاء قدامى مثل اليابان، وأصدقاء جدد مثل الهند .

والسبب وراء هذا واضح، ذلك أن اعتماد الصين على واردات الطاقة من الشرق الأوسط يعني أنها سوف تسعى بلا أدنى شك إلى شغل أي فراغ أمني إقليمي . ويبدو أن الصين توقعت لفترة طويلة التغيير المقبل في البنية الأمنية للمنطقة، وتبدو مستعدة بالفعل لاغتنام الفرصة إذا سُمِح لها بهذا . والواقع أن “عقد اللآلئ” الصيني الممتد عبر المحيط الهندي سلسلة من المحطات البحرية المحتملة التي تربط الصين بالشرق الأوسط وإفريقيا سوف يدعم البحرية الصينية القادرة على مراقبة الممرات البحرية في الخليج .

ولكن في محاولة إقامة صفقات جديدة مع منتجي النفط في الشرق الأوسط، فإن الصين عرضت نفسها للخطر بالفعل بسبب دعمها القوي لإيران التي تخوض الآن صراعاً على السلطة مع الدول الكبرى في المنطقة .

وفي غياب تحول كامل في علاقات الصين مع إيران، فقد يصبح من المستحيل إقامة شراكة استراتيجية مع دول الخليج، وحتى إذا حدث ذلك فإن القمع الداخلي في الصين لمسلمي مقاطعة تشين جيانغ، والذي أثار نزاعاً شرساً مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل أعوام، قد يحول دون نشوء الثقة الضرورية من الأساس .

ورغم هذا، فإن محاولات الصين المحتمة لفرض قدر أعظم من النفوذ في الشرق الأوسط تعني أن دولاً مثل الهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا وغيرها من الدول، سوف تكون في احتياج هي أيضاً إلى السبق في خلق بنية أمنية إقليمية كفيلة بحماية مصالحها الوطنية . ويتعين على هذه الدول أن تكون واضحة مع نفسها حول ما إذا كانت تملك السبل اللازمة لتحقيق غاياتها الأمنية الوطنية . على سبيل المثال، هل هي قادرة على توفير بعض الأمن الذي تولت أمريكا لفترة طويلة توفيره للدول العربية في المنطقة؟

إن إسقاط مثل هذا المنظور للقوة الآسيوية ولصراعات القوة في آسيا على الشرق الأوسط قد يبدو احتمالاً بعيداً اليوم . ولكن قبل عشر سنوات فقط كان نفس القول ينطبق أيضاً على احتمالات إقدام الولايات المتحدة على فك ارتباطها بالمنطقة .

* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي في اليابان سابقاً، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

*. نقلاً عن صحيفة الخليج الاماراتية.