النُّخب السعودية الحائِرة بين الإرث التقليدي والبريق الحضاري
الخميس, 03-يناير-2008
سقاف عمر السقاف -  يُركز كتاب "النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات" الصادر في العام 2004 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه، للدكتور محمد بن صنيتان، على أهمية ومركزية دور النخبة في إحداث التنمية والتقدم الاجتماعي والسياسي عموماً. يُقيِّم الكتاب النخب السعودية من هذا المنظور، وما إذا كانت قد نجحت في دورها المفترض أم لا، ولكن قبل كل ذلك يستعرض الكاتب مفهوم النخبة من الناحية النظرية، حيث تعود البدايات الأولى لمفهوم النخبة، كما يقول بن صنيتان، إلى أعمال الفيلسوف اليوناني أفلاطون، عندما تكلم عن ضرورة حكم المجتمع من خلال جماعة من الأفراد النابهين؛ وقد سادت عبر مراحل التاريخ المختلفة مذاهب ومعتقدات دينية عبَّرت بشكل أو بآخر عن فكرة النخبة، وكان لها تأثير بعيد في النظريات الاجتماعية؛ غير أن التصور الاجتماعي والسياسي الحديث للنخبة يرجع إلى دفاع "سان سيمون" عن حكم العلماء ورجال الصناعة، إلا أن النخبة اتخذت معاني ومضامين متنوعة وبالذات عندما أقر سيمون مسألة الفوارق الطبقية وأكد التفاوت بين الفقراء والأغنياء، ما حدا أتباعه فيما بعد على دفع الفكرة باتجاه الاشتراكية. وفي القرن السابع عشر اتخذت كلمة نخبة (Elite) دلالة مغايرة لمعناها الحالي، فقد استخدمت لوصف السلع ذات النوعية الممتازة، وما لبث هذا الاستخدام أن اتسع للإشارة إلى الفئات الاجتماعية العليا.
أما "موسكا" فيفسر النخبة من خلال محاولة إثبات أن في كل مجتمع سواء كان متقدم أو غير متقدم تتشكل طبقتان متمايزتان من الناس: طبقة تحكم وأخرى لا تحكم. الطبقة الأولى عادة ما تكون أقل عدداً وأقوى سيطرة على الوظائف السياسية، وأشد احتكاراً للقوة والسلطة. أما الطبقة الثانية فهي الأكثر عدداً والخاضعة لتوجيه الطبقة الأولى التي تحكمها.
وعن انغلاق النخبة وانفتاحها فإن موسكا يرى أن الدول الديمقراطية تتميز نخبها بالانفتاح، لأن الحركة بين المستويات الاجتماعية تمثل أعظم خاصية للمجتمعات الرأسمالية الحديثة.
وبالعودة إلى النخب السعودية، يرى الكاتب أن "النهضة" التعليمية التي شهدتها المملكة العربية السعودية والتي مولتها "السيولة النفطية" – وربما كانت نتيجة لها- فتحت المجال لتشكيل نخبٍ "حديثة" لم يسبق للمجتمع السعودي أن عرفها. وقد اصطفت هذه النخب جنباً إلى جنب مع النخبة التقليدية، وخصوصاً المشايخية، فالأفواج العديدة التي ابتعثتها المملكة إلى الخارج لمواصلة التعليم العالي وربما كانت المملكة أكثر من أي دولة عربية، ضخت دماء جديدة إلى المجتمع السعودي في جميع القطاعات والمجالات، وبالرغم من ذلك - بحسب الكاتب - لم تتمكن هذه النخب من إحداث نقلة نوعية تحديثية في بنية المجتمع التقليدية، ويعزو المؤلف ذلك إلى وطأة المواريث الاجتماعية التي تتميز بها الجزيرة العربية، وخصوصاً في السعودية؛ فالنخب السعودية محكومة إلى حدٍ ما بموروثها، ما جعلها تحمل العديد من خصائصه وسماته. فالتعليم حتى وإن كان ساهم بقوة في ميلاد النخب السعودية التي غذت الجهاز السياسي والإداري للدولة إلا أنه لم يستطع تغيير المفاهيم التي ظلت مشدودة إلى تلك الثنائية التي تحكمت لا في تاريخ الجزيرة العربية كما يقول الكاتب فحسب، بل في تاريخ العرب قاطبة. إنها ثنائية: بدو/ حضر.
إن ثنائية البدو والحضر هي من أهم الخصائص والسمات التي تميز المجتمع السعودي، حسب بن صنيتان، والدليل على ذلك استحواذ المثلث النجدي (الرياض، القصيم، حائل) والمثلث الحجازي (مكة، المدينة، جدة) على الوضع النخبوي في المملكة.
ويضيف الكاتب أن النخب في المجتمع السعودي كانت في نشأتها وتكوينها، شديدة الخصوصية في مزجها بين عميق التراث وحداثة الحاضر دون أن تقع تحت تأثير ميراث ثقافي استعماري، كما حدث في أقطار عربية أخرى. لقد استطاعت هذه النخب أن تجمع ما يعده البعض "نقيضين" في ضرب من التوظيف المتبادل؛ فهي قد وظفت العلم والمعرفة والإدارة لتشد أزر العائلة والإقليم، وربما مثل ذلك أحد مصادر قوتها وفاعليتها. فالنخب السعودية على اختلاف مكوناتها الفرعية هي بلا شك أحد نتاجات المشروع التحديثي للدولة السعودية التي سعت إلى تطبيقه من خلال المخططات الإنمائية المتتالية.
وتنقسم النخب السعودية، في رأي المؤلف، إلى التالي:
النخبة الوزارية: "مجلس الوزراء"، وهو أعلى جهاز تنظيمي تنفيذي إداري في المملكة العربية السعودية، أنشئ في عهد الملك عبد العزيز، وقد بدأ بست وزارات هي: الخارجية، والداخلية، والمالية، والدفاع، والطيران، والصحة، وانتهى بثلاث وعشرين وزارة، ورئيس المجلس هو الملك، ويشترط في الوزير أن يكون سعودي الأصل والمنشأ، ويتولى الملك اختيار الوزير وتعيينه وعزله.
النخبة الاستشارية: تعد مهام مجلس الشورى استشارية من خلال إعطاء مشورته للأنظمة التي تحال إليه، فهو لا يراقب أعضاء الحكومة بل يُستمع إلى رأيه في القوانين المطروحة من قبل الحكومة ذاتها.
النخبة المشايخية: يمكن تعريف العلماء "المشايخ" من خلال امتلاكهم لوجاهة تستند إلى المعارف الدقيقة والواسعة في مجال مسائل الشريعة والعقيدة وأيضاً من خلال التبليغ الذي يمارس فيه الشيخ نشاطه، من خلال الخطب وشرح العقيدة للناس وتعليم الناشئة العلم الشرعي،والعلماء والمشايخ مؤهلون لتفسير كتاب الله، ومقصودون للفتوى. ويمكن تصنيف المشايخ، وفقاً للهرم الإداري، إلى دار الإفتاء ويرأسها المفتي العام، وهيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى ومحاكم التمييز، ورؤساء المحاكم، والقضاة في المحاكم وديوان المظالم، وأئمة المساجد، والمؤذنون وخدم المساجد.
النخبة المثقفة (الانتلجنسيا): يمكن تعريف المثقف السعودي باعتباره الشخص الذي حاز على درجة عليا من العلوم المعاصرة وغير المعاصرة، وعلى أن يكون له اهتمام بالشأن الوطني وقضايا المجتمع، ويتجسد هذا الاهتمام فيما يكتبه من آراء عبر وسائل التعبير المتاحة كالكتب والدوريات ووسائل الإعلام، والمتتبع لإنتاج المثقفين السعوديين يدرك أن بعضهم حاول أن يكون له دور في مسار التنمية وإدارة الشأن العام، ولو على المستوى النظري.
النخبة البيروقراطية: مرت الإدارة في المملكة وتطورت عبر مراحل، من مرحلة إعلان الدولة واستكمال تكوينها السياسي 1343هـ، وفيها كان التكليف الرسمي يتم بشكل مهمات، ولا يوجد مسميات وظيفية ما عدا القاضي والمؤذن والخراص برواتب شهرية، تليها مرحلة الاستقرار عام 1347هـ، التي أُصدرت فيها الأنظمة وما صاحبها من قوانين، وابتدأ الملك عبد العزيز بمنطقة الحجاز، ومن ثم مرحلة التنظيم بين عامي 1347- 1390هـ وتميزت هذه المرحلة باعتناء خاص بالوظيفة، وكان فيها مراجعة للتشريعات المدنية والتشريعات الدقيقة، وأخيراً المرحلة الحديثة من عام 1391 هـ إلى عام 1420هـ ، التي شهدت هيكلة ديوان الموظفين، كما شهدت هذه المرحلة ولادة البيروقراطية السعودية وتزامنت هذه الحقبة مع السيولة النفطية والمالية.
في ختام هذا العرض الموجز، لا بد من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية ببعدها الاستراتيجي والجغرافي والحضاري والسكاني والسياسي قادرة على استيعاب واحتضان الكثير من الحراك السياسي والاجتماعي الجاري في البلد، وهذا ما انعكس بدوره نسبياً على حالة الأمن والاستقرار الذي تعيشه المملكة، بالإضافة إلى أن متطلبات التحديث والعصرنة على الصعيد الداخلي في نمو دائم وهي تحاول التواؤم مع المتغيرات الخارجية والدولية وبصورة لا تخل بالعادات الأصيلة وبالقيم الراسخة. وهذا ما أوجد نخباً سياسية واجتماعية واقتصادية تسعى مع النخبة الحاكمة إلى الدفع بعملية التحديث والتطوير والإنماء التي تخوضها السعودية منذ عقود مضت.

الكتاب: النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات
تأليف: محمد بن صنيتان
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 
سنة النشر: 2004