المكسب الأهم: سقوط "أسطورة الإخوان"
السبت, 26-يناير-2013
عبد الله كمال -

يدفع الرئيس محمد مرسي يوميا ثمن إصراره على أن يشيع عن نفسه (صورة براقة) من دون أن يجتهد في تحقيق إنجاز وتوفير حلول للمشكلات التي تواجه المواطنين يوميا. وحتى هذه اللحظة فإن الرئيس والجماعة التي ينتمي إليها يعتقدان أن المصريين سيغيرون مواقفهم بتكثيف الدعاية وتطوير أنماطها.. وأن ترديد الشعار سوف يؤجل الانفجار. إن الحقيقة الواضحة هي أن المواطن لا يريد رئيسا رسمت صورته (العلاقات العامة) بل قائدا قادرا على خوض غمار الواقع.
بالأمس، فقط، واجهت جماهير محافظة الإسماعيلية زيارة الرئيس لها بالاحتجاج وتمزيق لافتات ترحيب علقها حزب الحرية والعدالة الحاكم. وامتد الاعتراض إلى قطع السكك الحديدية وبعض الطرق في محافظة هي بطبيعتها هادئة، وتقول الأرقام المعلنة رسميا إنها صوتت انتخابيا لصالح الرئيس مرسي. وقبل أيام وزع ألوف المصريين على الشبكات الاجتماعية صورة للرئيس وقد خرج من أحد المساجد (حافيا).. إذ لم يتمكن من انتعال حذائه بعد أن لاحقته هتافات المصلين المعترضة.. إن توزيع الصورة مثل ردا حادا من الرأي العام على صورة (العلاقات العامة) التي يصر على ترويجها باعتباره رئيسا يصلي ويصوم ويعتمر.. هو كل ذلك لكنه لا يجد حلا لانهيار الجنيه.

هذا الواقع يثبت حقيقة مهمة.. هي: بغض النظر عن الإحباط العام، وانهيار الاستقرار، والمشكلات الاقتصادية المعقدة، فإن (الموجة الثورية العارمة) التي تفجرت يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011 حققت مكاسب عديدة. وإن أهم مكسب على الإطلاق هو أن غالبية المصريين عرفوا الحقيقة التي بنى الإخوان جدارا من الغموض حولها في ربع القرن الأخير. لقد انكشفت أسطورة الجماعة.

ربما كانت تلك هي أطول (حملة علاقات عامة) نفذتها مجموعة سياسية في الشرق الأوسط، إذ بدأت في عام 1984، حين تحالف حزب الوفد مع الجماعة التي تأسست سنه 1928. وقتها كانت (الجماعة) قد استهلكت نفسها بضع سنوات كأداة في يد الرئيس الراحل أنور السادات.. مواجها بها خصومه من اليساريين والناصريين.. قبل أن تنقلب عليه وينقلب عليها.

كان هدف التحالف مع الوفد هو عبور الطريق السياسي والقانوني إلى مجلس الشعب.. وبدء إعادة رسم صورة جديدة لتنظيم متطرف عنيف في سجله مجموعة من الاغتيالات والتفجيرات والمؤامرات. لقد كان الوفد وسيلة أولية مؤقتة لغسيل التاريخ.

تجدد الإخوان في سبعينات القرن الماضي بأن ضموا إليهم شباب الجماعات الدينية المتطرفة في الجامعات، وواصلوا التعاون مع هذه التنظيمات لسنوات، بينما كان المصريون يواجهون الآثار التالية لموجة الإرهاب التي تفجرت باغتيال السادات. وفي حين كانت موجة العنف تتصاعد مجددا في التسعينات طرح الإخوان أنفسهم بديلا دينيا سياسيا.. وحاولوا إقناع الآخرين بأنه يمكن أن يكونوا شركاء في عملية ديمقراطية.. بينما كانت معسكراتهم ما تزال قائمة في أفغانستان.. تتعاون مع مختلف الأطراف.

في بدايات العقد الأول من القرن الحالي، وبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، تطورت حملة العلاقات العامة السياسية، واتسعت من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي.. وعلى أرضية الافتراض الذي طرحته بيوت التفكير الأميركية بأنه يمكن توظيف الإسلام السياسي ديمقراطيا لنزع شرعية تبرير الإرهاب من تنظيم القاعدة وروافده.. كان أن قدمت الجماعة نفسها على أنها هذا البديل الديمقراطي، القادر على الحكم، وفق قواعد مدنية، وبما في ذلك احترام معاهدة السلام مع إسرائيل. لقد كان هذا المعنى يقال هناك.. في واشنطن وغيرها.. لكنهم في مصر كانوا يتهمون نظام حكم الرئيس السابق مبارك بالخيانة لأنه يواصل السلام مع إسرائيل.

لا يمكن القول إن الولايات المتحدة قد غُرر بها، فهي تعرف مصالحها ولديها متطلبات محددة من الإخوان.. يمضون في تنفيذها.. لكن الذين خُدعوا حقا بالجماعة هم كل من ساندوها وتحالفوا معها وزكوها داخليا وخارجيا على أنها كيان مسالم يقبل بالديمقراطية. الأحزاب والجماعات التي توحدت ضد حكم مبارك قبل وبعد 25 يناير.. والناخبون الذين ظنوا أن الجماعة قادرة على أن تدير دولة باعتدال، وأن تحقق ما رددته لسنوات في شعارات براقة.

وصل الإخوان إلى الحكم، بعد فترة انتقالية مضطربة، أعقبت الموجة الثورية ومغادرة مبارك لحكمه.. وصار لهم رئيس.. وأصبحوا هم الرابح الأول. والأهم من التغيير الذي جرى بمصر في فبراير (شباط) 2011. وانتظر المصريون أن يتم تنفيذ ما كانوا قد اقتنعوا به في حملة العلاقات العامة الممتدة.. ثم تبين بعد أشهر طويلة من بدء حكم الرئيس الإخواني الأول محمد مرسي أن هذا كله كان (كلام ليل) لم يصمد أمام شمس الواقع ونهار التحديات.

تأكد المصريون أن الجماعة لا تريد شركاء.. وأنها لا تملك رؤية.. وليست لديها كفاءات.. وأنها مستعدة لأن تلاحق خصومها عنفا واضطهادا.. وأنها لا تفي بتعهد أعلنته.. وتلتف حول كل تصريح.. وليس لديها مانع على الإطلاق من أن تطعن استقلال القضاء.. وتخالف القانون.. وفوق كل هذا لا تتمكن من توفير الاحتياجات الأساسية لحياة المواطن الأساسية.

لقد أدت الموجة الثورية إلى تغيير نظام الحكم، وقد ظنت الجماعات والأحزاب السياسية أن نهاية نظام تعفيها من أن تعي دروس 25 يناير، فلم تطور نفسها، واعتقدت جماعة الإخوان أن هذا التغيير الذي طالب به المصريون لا يشملها.. وأنها يمكن أن تواصل حملة العلاقات العامة إلى الأبد.. دون أن تبذل جهدا أو تنفذ وعدا قطعته.. بل ظنت أنها يمكن أن تدير المجتمع بذات قواعد الحكم الذي ذهب.. وحتى هذا فشلت فيه.

نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"