عن أميركا الجديدة... السمراء!
الخميس, 10-يناير-2013
راجح الخوري -

الغليان في اميركا بعد التعيينات التي اختارها باراك اوباما لقيادة الخارجية والدفاع والاستخبارات لن يؤدي الى شيء يريح الجمهوريين واليمينيين الجدد ممن لم يدركوا بعد ان رياح التغيير لم تدخل الى البيت الابيض عام 2008 مع اول رئيس اسود لكنها سبقته الى إحداث ما يشبه الانقلاب في سيكولوجيا المجتمع الاميركي.
اوباما لم يصنع التغيير في اميركا لكنه اول من يقطف ثماره الكثيرة، التي لها مذاقها الحلو عند الكثيرين ممن ظلمتهم "كولونيالية الامبراطورية" ومذاقها المر عند الكثيرين ممن ناموا طويلاً على اوهام حرير هذه الامبراطورية. في كلام اوضح يمكن القول ان على العالم ان يستعد لتغيير تصاعدي في قواعد اللعبة الدولية، ليس لأن السياسة الخارجية الاميركية تتغير بل لأن اميركا نفسها تغيرت وإلا لم يكن اوباما ليدخل الى البيت الابيض مرتين!
ليست المسألة ان يتولى جون كيري الخارجية وتشاك هيغل الدفاع وجون برينان "السي آي اي" في ظل رئاسة اوباما، بما يخلق الآن ذعراً في صفوف الذين طالما نظروا الى اميركا على انها "إسبارطة العالم" وإلهة حروبه الكاسحة. المسألة اعمق من ذلك بكثير لأن سيكولوجيا المجتمع الاميركي تغيرت واختيارات الاميركيين تتغير، ولهذا يمكنني القول تكراراً ان اميركا تتجه الى نزع "الوجه البشع" كما كان يقال واعتماد "الوجه المريح".
واذا كانت مواقف كيري وهيغل وبرينان تبرز موقفاً صريحاً ضد الحرب وضد الإنحياز الى اسرائيل وتتفهم أحقية الوضع الفلسطيني وتريد معالجة المشكلة الايرانية بالتفاوض قبل الخنق والحصار، فان ذلك لا يعكس اتجاهات السياسة كما يريدها اوباما المبشر بالتغيير وبهدم السلوك البوشي، بل يعكس الاتجاهات الاعمق التي رسمتها الانتخابات الاميركية في دورتيها الاخيرتين.
فبعد هزيمة ميت رومني امام اوباما تأكد الكثيرون ان وجه اميركا تغير وبات اكثر سمرة واقل اندفاعاً في محاولة تشكيل العالم وفق "دفتر الشروط" التي يعبر عنها "حزب الشاي" في تعصّبه اليميني ضد الاقليات والمهاجرين، ولم يعد الجمهوريون وارثو التشدد الجنوبي والمسيحيون الجدد يستأثرون بالقرار في واشنطن، بما يعني استطراداً ان الشرائح السمراء التي تستند الى منطلقات سيكولوجية اكثر قبولاً للآخر واكثر تفهماً لحاجاته، هي التي تضع بصمتها على السياسة الخارجية سواء كانت في السلطة أم خارجها.
وعندما يرتفع عدد الاصوات السمراء في الانتخابات من 2 الى 10% وينخفض عد الناخبين البيض الى 72% فذلك يعني ان سياسة اميركا المتحدرة من نسل المهاجرين لن تلبث ان تنزع، ولو بعد حين، قناع الوجه الكولونيالي البشع لتطل بوجه جديد مريح للآخرين... لكن هذا لا يقلق اسرائيل وحدها بل الكثيرين في الحضانة الاميركية لأنه يغير قواعد اللعبة وينسف الاحادية التي سادت بعد انهيار الشيوعية!



*نقلاً عن "النهار" اللبنانية