الطبقة الوسطى والأسهم العربية
السبت, 22-ديسمبر-2012
زياد الدباس -

الطبقة الوسطى تلعب دوراً مهماً في المجتمعات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاستثماري أو السياسي أو المالي، باعتبارها الطبقة المنتجة والمستهلكة والعاملة والمحرك الرئيس للتنمية ومصدر الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ومن المؤشرات المهمة لقياس نمو أي مجتمع وتقدمه وتطوره هو قوة هذه الطبقة ونسبتها في المجتمع.

وتشكل الطبقة الوسطى 90 في المئة من المجتمع في الدول الصناعية والمتقدمة ومنها، مثلاً، اليابان والسويد والدنمارك وفنلندا. وتشير الإحصاءات إلى أن الطبقة الوسطى تشكل نحو 11 في المئة من إجمالي عدد سكان العالم.
وتتكون الطبقة الوسطى عادة من كبار موظفي الإدارة الوسطى في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، إضافة إلى الأطباء والصيادلة والمثقفين وأصحاب المهن الحرة وأصحاب المهارات العالية وصغار التجار وغيرهم. ومن المتعارف عليه أن من هذه الطبقة يخرج القادة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

أما فترة الطفرة التي شهدتها أسواق الأسهم في المنطقة بين عام 2004 ونهاية الربع الثالث من عام 2008، فساهم في تعزيزها دخول أعداد كبيرة من أفراد الطبقة الوسطى على خط الاستثمار في هذه الأسواق، ما انعكس ارتفاعاً قياسياً في قيمة التداولات اليومية وفي أسعار الأسهم المتداولة. وصاحب ذلك نشاط كبير في سوق الإصدارات الأولية إذ طرِح عدد كبير من الشركات المساهمة. واستقطب هذا الطرح أعداداً ضخمة من أفراد الطبقة الوسطى أيضاً.

ومن اللافت أن نسبة مهمة من المضاربين في أسواق المنطقة في تلك الفترة ضمت أفراداً من هذه الطبقة، بينما ركز معظم أفراد الطبقة الغنية على الاستثمار البعيد الأجل. وكان ينقص نسبة مهمة من أفراد الطبقة الوسطى الذين دخلوا الأسواق في تلك الفترة، الوعي الاستثماري والتنبه إلى أخطار الاستثمار في أسواق المال، سواء الأخطار النظامية أو غير النظامية وأخطار الاعتماد على القروض المصرفية من أجل الاستثمار في الأسواق المالية، إضافة إلى أخطار المضاربة في الأسواق غير الكفوءة في ظل محدودية الاستثمار المؤسـسي وغياب أدوات وتـطورات «صـانعة» للأسواق.

وبسبب موجات التصحيح التي تعرضت لها أسواق المنطقة، إضافة إلى الخسائر الكبيرة نتيجة التأثيرات السلبية لأزمة المال العالمية وما تبعها من أزمات، وتأثر الأسواق سلباً بالأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني في العديد من دولها، خسرت نسبة مهمة من أفراد الطبقة الوسطى في المنطقة أجزاءً كبيرة من مدخراتها. أما البعض ممن أفرط في الاستثمار واعتمد على قروض المصارف أو قروض شركات الوساطة، للمضاربة في الأسواق، فخسر مدخراته كلها وتراكمت ديونه للمصارف وشركات الوساطة.

هذه الخسائر التي تعرضت لها نسبة مهمة من أفراد الطبقة الوسطى أدت إلى انحسار هذه الطبقة ما انعكس في صوره سلبية على أداء الاقتصادات الوطنية نتيجة تراجع حجم الاستهلاك والإنفاق والادخار والاستثمار، إضافة إلى تأثيرها السلبي في الاستقرار السياسي والاقتصادي في العديد من دول المنطقة، ما ينبئ بمشكلات لن تأتي حلولها سريعاً.

*نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية.
* مستشار لأسواق المال في بنك أبو ظبي الوطني.