اتحاد بلا يورو
الثلاثاء, 18-ديسمبر-2012
باري آيكنجرين -

لقد دخلت الأزمة في أوروبا مرحلة هادئة، ولم يكن هذا من قبيل المصادفة. فقد تزامنت الفترة الحالية من الهدوء النسبي مع اقتراب الانتخابات الاتحادية في ألمانيا في عام 2013، حيث تخوض المستشارة الحالية أنجيلا ميركل السباق باعتبارها المرأة التي أنقذت اليورو.

ولكن الأزمة سوف تعود، وإن لم يكن قبل الانتخابات القادمة في ألمانيا، فبعدها. ذلك أن بلدان جنوب أوروبا لم تبذل القدر الكافي من الجهد لتعزيز قدرتها التنافسية، في حين لم تبذل بلدان شمال أوروبا القدر الكافي من الجهد لتعزيز الطلب. وتظل أعباء الديون ساحقة، ويظل اقتصاد أوروبا عاجزاً عن النمو. وفي مختلف أنحاء القارة تزداد الانقسامات السياسية عمقا. ولكل هذه الأسباب فإن شبح انهيار منطقة اليورو لم ينصرف.

ولن تكون العواقب المترتبة على الانهيار جميلة. وأياً كانت الدولة التي عجلت به ـــ ألمانيا بتهديدها بالتخلي عن اليورو، أو اليونان أو إسبانيا بالتخلي عن اليورو فعليا ـــ فإن هذا الانهيار من شأنه أن يحدث فوضى اقتصادية ويستفز غضب جاراتها. ولكي تحمي الحكومات نفسها من التداعيات المالية، فإنها قد تتذرع بفقرات غامضة في معاهدات الاتحاد الأوروبي من أجل فرض ضوابط مؤقتة على تدفقات رأس المال وإقامة سياج حول أنظمتها المصرفية، بل إنها قد تغلق حدودها لمنع فرار رأس المال، أي أن كل دولة سوف تتصرف كما يحلو لها.

ولكن هل ينجو الاتحاد الأوروبي؟ تتوقف الإجابة عما نعنيه عندما نقول الاتحاد الأوروبي. إذا كنا نعني أجهزته السياسية ـــ المفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية، فإن الإجابة هي نعم. ذلك أن هذه المؤسسات تبلغ من العمر الآن نصف قرن من الزمان؛ وهي لن تختفي.

أما عن السوق المشتركة أو الإنجاز التاريخي الرئيس الذي حققه الاتحاد الأوروبي، فمن دون شك أن تفكك منطقة اليورو من شأنه أن يعطل عملها بشدة في الأمد القريب. وسوف تتوقف الشاحنات على الحدود الوطنية، وتنقسم الأنظمة المصرفية والمالية إلى شيء أشبه بالدويلات، ويُمنَع العمال من الحركة بين البلدان المختلفة.

ويعترض أنصار العملة الموحدة بأنه إذا كان لدى أوروبا عملات وطنية منفصلة، فإن أنظمتها المصرفية سوف تكون منفصلة بالضرورة، ولكل منها مقرض الملاذ الأخير الخاص بها. أين إذن الحديث عن السوق المشتركة في الخدمات المالية، أو عن التوفيق بين التنظيمات وإزالة الحواجز التجارية وراء الحدود؟ ويحذرنا أنصار اليورو من أن التجارة الحرة في السلع والحركة الحرة لرؤوس الأموال والعمالة لن يكتب لها النجاة. وقد نعلم قريباً ما إذا كان تحذيرهم في محله.

الواقع أن التعاون المطلوب من أجل جعل ضغوط الأقران هذه فعّالة قد ينجو من انهيار اليورو، ولكن توجيه أصابع الاتهام حول الدولة التي كانت مسؤولة عن التعطل المالي الضار من شأنه أن يجعل من الصعب على البلدان الأعضاء الحفاظ على جبهة مشتركة. ويبدو من المرجح أن هذه المكتسبات سوف تفقد الكثير من قوتها.

وهناك طريقة ثالثة في النظر إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره "الاتحاد الدائم التقارب"، التي أشير إليها في معاهدة روما وتردد صداها في معاهدة ماستريخت. إن "الاتحاد الدائم التقارب" يعني الاتحاد الأوروبي الذي يتحرك حتماً من الاتحاد الاقتصادي والنقدي، إلى الاتحاد المصرفي، ثم إلى الاتحاد المالي الضريبي، وأخيراً إلى الاتحاد السياسي. وهذا هو ما تصوره زعماء أوروبا عن إنشاء اليورو. وكان أملهم أن يعمل إنشاء اتحاد نقدي على توليد ضغوط لا تقاوم نحو إنشاء اتحاد أوروبي يعمل في كل النواحي ككتلة اقتصادية وسياسية متماسكة.

كان زعماء أوروبا على حق بشأن الضغوط. فالاتحاد النقدي من جون الاتحاد المصرفي لا يصلح، والاتحاد المصرفي الناجح يتطلب على الأقل بعض عناصر الاتحاد المالي والسياسي. ولكنهم كانوا مخطئين بشأن كون هذه الضغوط لا تقاوم. فالآن ليس هناك أي قدر من الحتمية فيما يتصل بما قد يأتي بعد. فقد تتحرك أوروبا إلى الأمام، نحو قدر أعظم من التكامل، أو قد تتحرك إلى الخلف، نحو السيادة الوطنية. ويتعين على زعماء أوروبا، وشعوبها هذه المرة، أن يقرروا. وعلى قرارهم هذا فقط يتوقف مصير اليورو والاتحاد الأوروبي.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.