سيادة القانون ودوره في الاستقرار السياسي
الخميس, 20-ديسمبر-2007
طارق المجاهد
طارق المجاهد - د. طارق المجاهد

تمهيد
الدولة بمفهومها الحديث: عبارة عن ظاهرة سياسية وقانونية، فهي تعني جماعة من الناس يقطنون أرضاً محدده ويخضعون لنظام وسلطة سياسية معينه.
وعلى ضوء هذا التعريف فأن للدولة أركان ثلاثة هي: الشعب والإقليم والسلطة السياسية.
وتصف الدولة بكونها "دولة قانون" بمدى تمسكها بمبدأ سيادة القانون هذا المبدأ الذي أصبح أحد سمات الدولة القانونية الحديثة، ويقاس بموجه درجة تطور الدولة، ومستوى رقي نظامها السياسي والقانوني.
وكما هو معلوم أن الهدف من القواعد القانونية هو إقامة التوازن بين الحريات والمصالح المتقابله، فيتحقق بذلك النظام والأمن والعدل، ومن هذه القواعد يتكون القانون. وهو عبارة عن مجموعة قواعد تنظم نشاط الأشخاص في المجتمع، وتقوم على احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من يخالفها، فالقاعدة القانونية قاعدة سلوك ونظام يجب الخضوع لها.
وبناء عليه فإن المقصود بمبدأ سيادة القانون: خضوع جميع أفراد المجتمع حكاماً ومحكومين للقانون.
وللوصول إلى هدف هذه الدراسة سوف نتناولها من خلال المحاور الاتية:
المحور الأول: البناء القانوني للدولة.
المحور الثاني: وظيفة القانون.
المحور الثالث: وجوب السلطة وضرورة الخضوع لها والتزامها بكفالة سيادة القانون "في الفقه الإسلامي".
المحور الرابع: خصائص السلطة، وأساس مشروعيتها في القانون اليمني.
المحور الخامس: كفالة مبدأ سيادة القانون في القانون اليمني.

المحور الأول: البناء القانوي للدولة
يراد بالبناء القانوني للدولة: القانون بمعناه العام، أي مجموعة القواعد القانونية الملزمة، سوى كانت القاعدة دستورية أو قانونية أو لائحية، وسواء كانت هذه القاعدة مدونه أو غير مدونه.
وهذه القواعد ليست في مرتبة واحدة، وإنما هي متدرجة فيما بينها تبعاً لقيمها القانونية ودرجة الإلزام فيها، ويترتب على تدرج القاعدة القانوية أن القاعدة الدستورية تعبر أساساً لكل قاعدة قانونية أدى في المرتبة، أي أنها تعلو على القانون العادي واللوائح.
وعليه فإن مبدأ سيادة القانون لا يكون مقصوراً على القانون الصادر عن السلطة التشريعية، وأنما يشمل في المقام الأول القواعد الدستورية.
ونتيجة لاتساع النشاط العام في الدولة الحديثة وعدم الاكتفاء بالقانون الصادر عن السلطة التشريعية، بأعتابرها المصدر الوحيد للقانون، وضرورة الاعتراف للإدارة بحق التشريع التنظيمي في مجالات اختصاصها، وباعتبارها أدرى بذلك من غيرها، فإن المشرع قد منحها سلطة إصدار تشريعات عن طريق ما يسمى باللوائح والأنظمة والقرارات الإدارية.
بيد أن هذه اللوائح والأنظمة تعد في مرتبة أدنى في القيمة وقوة الإلزام إلا أنها تشكل جزء من البناء القانوني للدولة ، الأمر الذي أصبح بموجبة مبدأ سيادة القانون أكثر اتساعاً وشمولاً في الدولة.
وبناء عليه فأن مبدأ سيادة القانون بمفهوم الواسع يشمل خضوع الجميع الأشخاص والسلطات لحكم القانون بمفهومه العام وحتماً يندرج في أطار هذا المفهوم كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت علها اليمن بوصفها جزء من التشريع.
الأساس الذي استمد منه المٍشرع اليمني القواعد القانونية
جاء دستور الجمهورية اليمنية متفقاً ومؤكداً إيمان الشعب اليمني وتمسكه بالعقيدة الإسلامية ،فنص في المادة الثانية على أن " الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية" والتأكيد بأن الإسلام عقيدة وشريعة قررت المادة الثانية أن " الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات".
ووفقاً لهذا النص هناك التزام دستوري صريح على عاتق السلطة التشريعية بأن تأتي جميع القوانين مستقاة من أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية الغراء.
وعلى هذا النحو يمكن رد أي قانون أو قاعدة قانونية أو لائحة إذ ثبت مخالفتها لأحكام الشرعية الإسلامية .
ومن الجديد بالملاحظة أن مفهوم الشريعة الإسلامية، التي هي مصدر جميع التشريعات في اليمن، لا يقتصر على الادله المتفق عليها " القران الكريم ،السنة النبوية ، الإجماع ،القياس"
وإنما تشمل أيضا الأدلة الأخرى مثل " الاستحسان، المصالح المرسلة، سد الذرائع، أقوال الصحابي، شرع من قبلنا، والاستصحاب.." مع مراعات أن المشرع لا يجوز له الانتقال إلى مصدر فرعي إلا بعد استقرا جميع الادله الأصلية المتفق عليها .
ووفقاً لما سبق فإن مبدأ سيادة القانون يحُتم الطعن بالقانون أو اللائحة بعدم الدستورية إذا تعارض أي منها مع قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية.

المحور الثاني: وظيفة القانون
توصف القاعدة القانونية بانها قاعدة سلوك تنظم سلوك كافة الأشخاص والحكام داخل الدولة، وكذا علاقات السلطات مع بعضها ، كما أن من صفات القاعدة الثانوية أنها لا تنصح أو تفتي أو ترجو، بل تأمر وتنهي، بحسب أنها مظهر من مظاهر سيادة الدولة وأن على الجميع أفراد وسلطات أن يأتمروا بأوامرها وينتهو بنواهيها، فالنصيحة لا تحقق التنظيم الاجتماعي المرجو، ولو ترك المجال لاختيار الأفراد لاختاروا عدم الانصياع للنصيحة، لذا فأن مقتضى التنظيم للسلوك الاجتماعي، هو الأمر والنهي والالتزام. ولا يقتصر القانون على تنظيم سلوك الأفراد، بل أنه يلزم الحكام بأن تكون تصرفاتهم وإعمالهم مقيدة به، وأن التزام الحكام بتطبيق القانون يعد الأساس لاحترام الأفراد وإطاعتهم له.
وطبقاً لذلك فأن القانون لا يعد هدفاً قائماَ ، بذاتة، بل أنه وسيله لتحقيق غاية، وتلك الغاية تتحدد في تنظيم سلوك المجتمع من حكام ومحكومين، وتسعى قواعده إلى تحقيق الوظائف الآتية:
1- حماية الفرد وكفالة حريته: من أولى وظائف القانون حماية الفرد في نفسه وماله، وكفالة حقوقه وحرياته، وذلك عن طريق إقرار الحقوق والحريات الأساسية ، وضمان كفالتها، وإقرار الوسائل التي تمنع الاعتداء بين أفراد المجتمع، والوسائل الكفيلة بجبر الضرر ، وإقرار المسئولية بكافة أشكالها.
وتعد حماية الفرد من الوظائف الحيوية لأي نظام قانوني لأن هذه الحماية تعد السمة المميزة للنظام الديمقراطي والحياة المدنية الحديثة. ومن خلال هذه الحماية يتحقق للإنسان أحد مقومات حقوقة المشروعة، وبدون هذه الوظيفة ينعدم وجود القانون.
2- تحقيق المصلحة العامة: تتحقق المصلحة العامة أو الصالح العام للمجتمع أولاً: بكفالة الدولة للخدمات العامة التي يتطلبها أي تنظيم اجتماعي، أي إقامة مؤسسات عامة تهدف إلى إشباع حاجات عامة بصورة دائمة ومتكاملة، فوجود هذه المؤسسات يعد ضرورة لوجود مجتمع مدني منظم وقابل للتطور والتقدم، ويعد أحد الالتزامات القانونية تجاه الدولة تضمن تحققها وتنظيمها.
وبالمقابل فأن تحقق المصلحة العامة تقضي أن يضحي الفرد بجزء من حقوقه للوصول إلى تحقيق ذلك ، كالاتزان بدفع الضرائب والرسوم ، والأتعاب العامة ، وأداء الخدمة الوطنية، ولا التزام بالأعباء والواجبات المطلوبة منه لخدمة المجتمع.
كما تتحقق المصلحة العامة ثانياً :- بوجود قواعد قانونية تنظم سلطات الدولة وتحدد مهام واختصاصات كل سلطة من سلطات الدولة، وتضع على ممارساتها لها قيوداً وضمانات تحول دون مخالفاتها للقانون أو الانحراف في استعمال السلطة عن المصلحة العامة للمجتمع .أو إساءة استخدامها، لذا أوجد القانون الدستور قواعد تكفل ذلك، وتمثل ضمانات تحقق المصلحة العامة . منها على سبيل المثال الرقابة المتبادلة بين السلطات، وإقرار مبدأ المسئولية.
وبهذا تظهر وظيفة القانون في هذا المجال بالموازنة بين المصلحة العامة ومصلحة الفرد, ويوازن بين الالتزامات والحقوق داخل مجتمع الدولة.
3- تحقيق العدل: إذا كان مفهوم العدل في ذاته نسبي ومتغير، إلا أن الغابة الأساسية من القاعدة القانوية هو الوصول إلى تحقيق العدالة المطلوبة، لذا نجد أن القانون منذ نشوئه قد ارتبط بتحقيق العدل المطلوب، فالمشرع الوطني عند وضعة للقاعدة القانونية يراعي مسألة تحقيق العدل من جزا تطبق هذه القاعدة ، وفقاً لمفهوم العدل أو العدالة في المجتمع ، وعلى نحو يتفق مع مقتضيات العقل والمنطق السديد، فالقانون يسعى إلى الاقتراب من تحقيق العدالة، ويحرص على قدر من التوازن بين المصالح المختلفة لأشخاص النظام القانوني.
وتبقى العدالة هي الغاية الأولى للقانون، ومن القواعد التي تحقق العدالة: تطبيق القانون على الجميع مبدأ سيادة القانون، المساواة أمام القانون في الحقوق الواجبات، إزالة الضرر، التعويض العادل، معاقبة من ارتكب فعلاً يحرمه القانون، الأصل في الأشياء الاباحه، لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص...الخ
4- تحقيق الاستقرار: لا يمكن الوصول إلى كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، وتحقيق المصلحة العامة، وتحقيق العدل والأمان القانوني ، دون أن يتحقق الاستقرار في مجتمع الدولة.
لذا فأن من أولى وظائف القانون تحقيق استقرار النظام والأمن في المجتمع، فيوفق بين المصالح والمتقابلة ويوازن بينها ، فيجرم الأفعال التي تقلق أمن وسكينة المجتمع، ومعاقبة مرتكبيها أو إصلاحهم، وتحديد حقوق كل فرد ومنعه من التجاوز إلى حقوق الآخرين، ومنع التعسف في استعمال الحق إذا قصد به الأضرار بالغير، او تحقيق منافع لا تنسجم مع الضرر الذي يصيب الغير، ووضع كافة الأحكام الخاصة بالتصرفات القانونية.
إن ضمان الاستقرار والأمن لا يمكن أن يتحقق ما لم يضع القانون الوسائل الكفيلة التي تضمن تطبيقه، لذا نظم القانون مهام واختصاصات سلطات الدولة التي تكفل ضمان تحقيق الاستقرار المطلوب . فنظم السلطة المختصة بفض وحسم المنازعات " السلطة القضائية " وبين حدود مهام الأجهزة المختصة بمتابعة المخالفين وملاحقتهم ومنع وقوع المخالفة أو الجريمة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع حدوثها، كما نظم القانون السلطة المختصة بسن التشريعات والقوانين التي تنظم العلاقات في المجتمع "السلطة التشريعية" كل ذلك على نحو يكفل ضمان استقرار النظام القانوني في الدولة.

المحور الثالث: وجود السلطة وضرورة الخضوع لها، والتزامها بكفالة سيادة القانون في الفقه الإسلامي
يقرر أبن خلدون في "المقدمة": "أن الاجتماع الإنساني ضرورة لكون الإنسان بدني بالطبع لأن الله عز وجل ركب الإنسان على نحو لا يتسنى له الحياة دون توافر حاجات ضرورية.. والتماس تحقق هذه الضرورات عن طريق القدرة الفردية فوق طاقته, فيتحتم أن يستعين بغيره في تحقيقها ، وإذا تم ذلك الإجماع تحقق العمران البشري، وإذا تحقق هذا الأخير، فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض، لما في طباعهم من العدوان والظلم".
ورأي أبن خلدون، على هذا النحو، سبق أن أكده جمهور الفقهاء من المذاهب الإسلامية المختلفة، بضرورة وحتمية السلطة العامة والخضوع لها ، لتحقيق مقاصد الشارع فيما شرع، ولحفظ المصالح العامة التي استهدف الشارع تحقيقها، فإذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي قانون ألهي لا يهتم فقط بمصالح الدنيا،وإنما أول ما يستهدف الشارع ويبغية هو تحقق سعاة الإنسان في الحياة الأخرى، وتحقيق هذه السعادة، يتوقف على سعادة الإنسان في الحياة الأخرى، وتحقيق هذه السعادة ، يتوقف على أداء الواجبات الدينية، والامتثال لأوامر الشارع، وهذا لا يتحقق أيضاً إلا بسلامه الإنسان وتوفير الحماية والأمن والحاجات الضرورية، وكل ذلك يتوقف على وجود سلطان، ومن ثم فأن المقاصد الشرعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوجود السلطة العامة وضرورة الخضوع لها.
أو كما يقرر الأمام الغزالي في كتابة "الاقتصاد في الاعتقاد" بأن الدين والسلطة توأمان ويضيف أن "شواهد العقل تثبت أنه لو ترك الخلق طبقاً لأهوائهم ورغباتهم ولم توجد السلطة العامة لأدى ذلك إلى هلاكهم جميعاً ولا علاج لذلك ألا بوجود سلطان مطاع ، فالسلطان ضروري لنظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري لتحقيق مقاصد الشارع الدينية، فالأولى مرحلة للثانية، ولا تتحقق لها الوجود الفعال الا بتوفرها".
وللتأكد على ضرورة إقامة سلطة عامة تنظم الناس وتفرض الواجبات الحتمية التي يلتزم بها المسلمون، وكونها مسألة وجوب، يسوق جمود الفقهاء العديد من الأدلة المستمدة من الكتاب الكريم والسنية النبوية والإجماع، وأخرى مستمدة من القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية. نستشهد ببعضاً منها:
أولاً: الأدلة من القران الكريم
قوله تعالي (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) الآية 59 من سورة النساء. ويرى جمهور الفقه إن طاعة أولي الأمر الواردة في الآية الكريمة لم تقصد لذاتها،أو لمجرد أظهار الخضوع ولولاء لأولي الأمر, أنما استهدف الشارع من ورائها تحقيق حقائق عامة للأمة ألا سلامية, بإقامة العدل بين الناس ودفع الظلم عنهم وتمكينهم من تدبير شؤون الأمة ومصالحها وفق ما يقض به الشارع لذلك فإن الأمر بطاعة أولي الأمر تنبيهاً منه عز وجل بأنها السبيل إلى تحقيق المقاصد الأساسية التي استهدف الشارع تحقيقها وأوجب كفالتها [ابن حزم, الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 4، ص 87].
ثانياً: لأدلة من السنة النبوية
قوله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته , فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ..." [صحيح البخاري ج 9، ص 77].
قوله صلى الله عليه وسلم "من رأى من أميرة شيئاً يكرهه فليصبر عليه , فإنه من خرج من السلطان - وفي رواية أخرى من فارق الجماعة - شبراً فمات، مات ميتة جاهلية" [صحيح البخاري ج9, ص59].
قوله صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره , ما لم يؤمر بمعصية , فان أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" [صحيح البخاري ج9, ص78].

ثالثاً: دليل الإجماع
استدل الجمهور بالإجماع الذي حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قام سيدنا أبو بكر خطيباً في الناس قائلاً "أن محمد قد مات ولابد لهذا الدين ممن يقوم به..." فبادر الكل إلى قبول هذه الدعوة ولم يخالفها أحد "كان ذلك قبل اجتماع السقيفة".

رابعاً: كما استدل الجمهور بنصوص أخرى مستمدة من القواعد الكلية مثل قاعدة، (الضرر يجب إزالته)، وقاعدة (ما لم يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدوراً فهوا واجب).

خامساً: استدلالهم بالعقل
الذي يقضي إن الشريعة الإسلامية تستهدف في المقام الأول أن يكون أساس تطبيقها والامتثال لما قررته من أحكام هو الوازع الشخصي للمكلفين إلا إن استقرار أفراد المجتمع والتعامل والتعاون وفق تعاليم الإسلام وإحكامه يظل أمرا نظرياً ما لم يكن هناك سلطه عامه مسؤولة عن كفالة تطبيق أحكام الشارع, وبهذا قيل (ما يزع بالسلطان أكثر مما يزع القران) ومن جانباً - تأكيداً لما سبق- نرى وجوب السلطة العامة وضرورة الخضوع لها إسناداً إلى أساس قانوني وأخرى عقلي الأول : يستند إلى مصادر الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة الثاني: مستمد مما ينتهي إليه العقل, وطبيعة الأشياء وضرورة وجود سلطة عامه تحول بين الناس وتمنع الفوضى في المجتمع.
وضرورة الخضوع لها طوعاً أوجبراً , ولها في حالة القوة القاهره أو الفتنة, وبما تملكه من وسائل القوة والجبر , أن تحافظ على أمن وسلامه المجتمع ووحدته, بل أن ذلك واجباً وإلزاماً عليها تتحمل مسئولية عدم القيام بواجباتها حياله.

المحور الرابع: خصائص السلطة وأساس مشروعيتها في القانون اليمني
أسلفنا القول أنه لكن توصف الجماعة السياسية بأنها دوله فان ذلك يتطلب توافر ثلاثة أركان ( الشعب, والإقليم, والسلطة السياسية). وكقاعدة عامة تعد السلطة السياسية من الظواهر الملازمة للجماعات السياسية وقيام الدولة , ومن الظواهر الحتمية الملازمة لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع حكاماً ومحكومين . بل ان لزومها من شأنه تحقيق الأهداف والغايات والمصالح العامة . كما أن هذه السلطة تتكفل بالدفاع عن إقليم الدولة من أي اعتداء وهي ملزمة بإشباع الحاجات العامة وهي التي تمارس مظاهر السيادة والسلطان في الدولة.
وبناء علية فان السلطة السياسية في الدولة الحديثة تتميز بعدد من الخصائص لعل أهمها:
1- السلطة السياسية في الدولة هي سلطة أصلية. بمعنى أنها لا تتبع أي سلطة أخرى.
2- السلطة السياسية ذات اختصاص عام.
بمعني ان الدولة يجب ان تمد نفوذ سلطانها على إقليم الدولة كاملاً وعلى جميع القاطنين فيه .
3- أن السلطة السياسية هي وحدها التى تملك القوة واستخدامها للدفع عن الشعب والإقليم وتحقيق الأمن والسكينه والاستقرار وتطبيق مبدأ سيادة القانون.
4- السلطة السياسية سلطة دائمة.
لا ترتبط بأشخاص الحكام ولا تتأثر بوجودهم أو زوالهم.
5- أن سلطة الدولة حق لا يقبل التصرف فيه أو تنازل عنه ولا يسقط بالتقادم. إذ تتميز سلطة الدولة بأنها من الحقوق الخالصة للدولة مصدرها الشعب ولا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها كون التصرف أو التنازل عن السيادة يتناقض مع العلة من وجودها.
6- سلطة الدولة سلطة ذات سيادة. بمعنى أنها أعلى السلطات بالنظر إلى مصدرها وهو الشعب وتتمتع باختصاصات وسلطات دون الحاجة إلى أجازه سلطة أخرى. وسيادة الدولة لها صورتين سيادة داخلية وسيادة خارجية.

أساس مشروعية السلطة السياسية في اليمن:
يوصف النظام الديمقراطي بأنه ذلك النظام الذي يجعل الشعب مالك السيادة وصاحب السلطة السياسية في الدولة , والذي يضمن كافة حقوق وحريات الأفراد وحمايتها.
وللتحقق من توافر مقومات النظام الديمقراطي لأي دولة يتعين النظر إلى المبادى المقررة في دستورها . والمتمثلة في "السيادة الشعبية جوهرها، والحرية والمساواة هدفها والمشاركة وسيلتها".
وبالعودة إلى دستور الجمهورية اليمنية نجد أنة قرر القواعد الديمقراطية سالفة الذكر .
- فالمادة (4) من الدستور قررت الأساس العام للنظام السياسي في اليمن عندما أكدت بأنه "الشعب مالك السلطة ومصدرها".
- وأكدت المادة (5) بان "النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية الحزبية وذلك بهدف التداول السلمي للسلطة".
- كما كفل الدستور الوصول إلى الهدف من المشاركة الشعبية وقيام النظام الديمقراطي من خلال ضمان وكفالة كافة الحقوق والحريات وضمان المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وإمام القانون وذلك في المواد 32,31,29,27, كما خصص باب مستقل هو الباب الثاني المقرر لحقوق وواجبات المواطنين الأساسية.
- أما وسيلة الوصول إلى تحقيق فكرة الديمقراطية الحقيقة عن طريق المشاركة الجماعية فقد نص عليها الدستور في المواد (42,41,26,25,24,5) التى تناولت حق المشاركة وتكافئ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحق لاسهام في كافة مجالات الحياة، كما كفل الدستور حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي لكل المواطنين بقية المشاركة وبهدف التداول السلمي للسلطة.
وبذلك يمكن القول أن النظام السياسي للجمهورية اليمنية قد مثل أنموذجاً للديمقراطية الحديثة في الحكم.

المحور الخامس: كفالة مبدأ سيادة القانون في القانون اليمني
سوف نتناول هذا المحور من خلال :
1- مضمون مبدأ سيادة القانون.
2- كفالة سيادة القانون بوصفة سمة للدولة القانونية.

أولاً : مضمون مبدأ سيادة القانون
مبدأ سيادة القانون من أهم واخطر عناصر الدولة القانونية الحديثة ويراد به خضوع جميع أفراد المجتمع حاكم ومحكومين للقانون وبعبارة أدق : أن يكون نشاط المحكومين والحاكم (أفراد أو جماعات أو هيئات خاصة أو عامه أو كافة السلطات) أي كان نوع هذا النشاط أو الغرض منه، أن يكون في أطار القواعد القانونية المطبقة أيا كان موضوع هذه القواعد وآيا كان مصدرها ومستواها في التدرج الهرمي للقواعد القانونية.
ومفهوم ما تقدم أنه لكي يتحقق مبدأ سيادة القانون في الواقع العملي لابد من توقيع الجزاء على كل من تسول له نفسه الخروج على اطار القانون.
وبناء عليه:
1- يجب أن تخضع السلطة التشريعية للمبادئ والقواعد الدستورية وان تمارس وظيفتها التشريعية في ضوء أحكام الدستور وفي الحدود التي رسمها كما يتعين عليها إن تحترم القوانين العادية التي أصدرتها طالما بقيت دون إلغاء أو تعديل وفي حالة عدم التزام السلطة التشريعية بمبدأ سيادة لدستور عند سنها للقوانين فإنها ستخضع للرقابة وسوف يطبق ما يعرف بالرقابة على دستورية القوانين وهذا يمكن إن يتم بطريقتين وفقاً للمادة 153/1 من الدستور:
الأولى: طريق الدعوى المستقلة التي ترفع أمام المحكمة العليا بطلب الحكم بإلغاء القانون غير الدستوري.
الثانية: عن طريق دفع يقدم خلال دعوى منظورة أمام القضاء ويستهدف الحكم بالامتناع عن تطبيق هذا القانون وليس بإلغاءه.
- وما يجب ملاحظة: أن المادة 135/1 من الدستور جعلت دور المحكمة العليا بالفصل في الدعاوى والدفوع بعد صدور القانون الأمر الذي يعني عدم وجود رقابة سابقة على صدور القانون.
2- يجب على السلطة القضائية انزال حكم القانون على كافة المنازعات التى تعرض عليها ويتم التحقق من ذلك عن طريق تنظيم أساليب النطق في الأحكام وذلك أمام نفس المحكمة التي إصدارات الحكم أو أمام محكمة أعلى درجة.
3- يجب على السلطة التنفيذية أن تحترم تلك القوانين وان تعمل في أطار أحكامها. كما بتعين عليها عدم إصدار أية لوائح أو قرارات إدارية تتعارض مع قاعدة قانونية أو دستورية وألا كانت عرضة للإلغاء.
4- وأخيرا يجب على الأشخاص (الطبيعية أو المعنوية) الامتثال لاحكام القانون, واللجوء إلى القضاء لا نزال حكم القانون على المنازعات التي يمكن إن تحدث.

ثانياً: كفالة سيادة القانون يعد سمة للدولة القانونية
يمكن القول أن دولة القانون هي الدولة التي يسود فيها القانون بمعناه العام ويمكن التأكيد بان هناك هيمنة فعلية للقانون في الدولة حتى توصف بأنها بحق دولة قانون من خلال الأتي:
1- وجود قواعد دستورية تحدد اختصاصات هيئات وسلطات الدولة وتكفل الحقوق والحريات العامة.
2- خضوع الإدارة للقانون أي خضوع إعمال الإدارة وتصرفاتها وقرارتها للقانون وتفعيل وسائل مشروعه الرقابة على أداءها.
3- إقرار مبدأ الفصل بين السلطات والمدلول الحقيقي لهذا المبدأ هو أن تكون السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية متساوية ومستقلة ,بحيث لا تستطيع إحداها أن تعزل الأخرى أو تهيمن عليها، مع وجود نوع من التعاون والرقابة بين السلطات بالقدر اللازم لكي تدافع كل منها عن استقلالها.
4- احترام تدرج القواعد القانونية واحترام التدرج العضوي لهيئات ومؤسسات الدولة.
5- تنظيم وسائل الرقابة على أعمال الإدارة .
6- عدم جواز الاعتذار بالجهل بقانون وهذا يتطلب التوعية والاهتمام بالثقافة القانونية وضرورة العلم بالقانون عن طريق النشر والإعلان.
7- أن يتضمن القانون جزأت فاعله وحقيقة عادلة توقع على من يخالف قواعده والجزاء ليس غاية بذاها بل وسيلة لتحقيق غاية عملية وهى عدم خروج الأفراد بسلوكهم عن القانون.
والجزاء في القانون يقوم على وسيلة من وسائل القهر التي تباشرها السلطة العامة في الدولة فالجزاء المصاحب للقاعدة القانونية من شأنه أن يكفل حمل الجميع على احترامها.
وهذا لا يعنى إن يكون تنفيذ القانون دائماً مصحوباً بالقوة وإنماء يتم اللجو إلى القوه والجبر والجزاء عن المخالفة ويشترط لكل ذلك أن تكون الدولة وحدها هي الجهة المختصة بتحديد العمل المخالف للقانون عن طريق السلطة القضائية ويتم تنفيذ الجزاء بواسطة السلطة التنفيذية.
والجزاءات تختلف باختلاف طبيعة العمل والفعل المخالف للقانون ونوعه وجسامته ويتحدد الجزاء الصور الآتية: (جزاء جنائي, جزاء مدني, جزاء إداري, جزاء مهني, وأخيراً بطلان التصرف أو الأجراء المخالف).