الدبلوماسية في العصر الرقمي
الأحد, 21-أكتوبر-2012
روزماري ديفيس -

عندما نفكر بمصطلح في الدبلوماسية يخطر على بال الكثير قلم الريشة والمداد، أو المراسلات الدبلوماسية من خلال الحمام الزاجل، إلا أن اليوم بات هناك مصطلح جديد بتنا نُوليه أهمية كبيرة، ألا وهو الدبلوماسية الرقمية.

والحقيقة أن الدبلوماسية الرقمية ليست بمصطلح أو توجّه جديد لوزارة الخارجية البريطانية، فتواجدنا كوزارة وكسفارات على المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك وتويتر" تخطى الآن أربعة أعوام.
وبشكل رئيسي، يهدف تواجدنا على الساحة الرقمية إلى الاستفادة من الإنترنت كوسيلة لزيادة تفهما وإدراكنا المتبادل وتسليط الضوء على سياساتنا الخارجية وتفسيرها لمستخدمي هذه الشبكات، خصوصاً في ضوء الأهمية المتنامية للإعلام الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والنمو الهائل في أعداد المستخدمين في المنطقة، بالإضافة إلى التغييرات السياسية والاجتماعية التي أصبح تنسيقها ممكناً بفضل شبكات التواصل الاجتماعي؛ لذا أصبح مهماً بالنسبة للمؤسسات الحكومية والوزارات أكثر مما مضى أن يكون لها تواجد فعال على هذه الشبكات، لا لقمع هذه الأصوات، وإنما للاستماع إليها ولهمومها وتقييم ردود الأفعال وبناء فكرة أفضل عن آمال الشعوب لتتوافق أفعالنا مع توقعاتهم.

والحقيقة أن الدبلوماسية الرقمية لا تختلف كثيراً عن الدبلوماسية التقليدية المتعارف عليها، إلا أننا بتنا نستخدم شبكات التواصل الاجتماعي للاستماع إلى مشاكل وهموم الشعوب وفهمها، وأصبحنا نستخدم المدونات وفيسبوك وتويتر لكتابة المقالات ومشاركة أفكارنا وإشراك المستخدمين بنقاشاتنا وتقييم أدائنا بشكل جديد وفعال، واليوتيوب لتحميل المحتوى المصوّر. لكن الأهم من ذلك بالنسبة للدبلوماسيين البريطانيين في المنطقة أننا استفدنا من هذه المنصة الرقمية الضخمة للتواصل المباشر مع الأعداد الهائلة من المستخدمين العرب.

فوفقاً لتقرير نشرته كلية دبي للإدارة الحكومية، وصلت أعداد مستخدمي فيسبوك في الوطن العربي في يونيو 2012 إلى أكثر من 45 مليون مستخدم، ومستخدمو تويتر النشطين فاقوا مليوني مستخدم.

ولتسليط الضوء على أهمية الإعلام الاجتماعي في المنطقة استضافت السفارة البريطانية في لبنان مؤخراً المؤتمر الرقمي لوزارة الخارجية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحضره ممثلون عن معظم السفارات البريطانية في المنطقة، واستمعنا إلى سفير بريطانيا لدى لُبنان توم فليتشر، الذي يُعد "نجم" الدبلوماسية الرقمية البريطانية في المنطقة، والذي استمعنا إلى كلمته الافتتاحية حول الإعلام الاجتماعي والدبلوماسية الرقمية.

إلا أن المشهد الرقمي يختلف من دولة إلى دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فعلى سبيل المثال في الوقت الذي يشهد تويتر نمواً كبيراً في أعداد المستخدمين الكويتيين مقارنة بفيسبوك، يختلف الحال تماماً في الجزائر التي يعتمد أغلب سكانها من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي على فيسبوك. لكن العامل المشترك ما بين زملائي وزميلاتي في المنطقة هو تقديرهم لإمكانيات الإعلام الاجتماعي وشغفهم به.

ولذلك أقوم أنا والعشرات من الدبلوماسيين البريطانيين بالتدوين على مدونات وزارة الخارجية البريطانية، كما أن معظم سفاراتنا الآن متواجدة على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصبح لدى سفاراتنا ودبلوماسيينا الآن أكثر من 35 صفحة على فيسبوك وتويتر يتفاعلون من خلالها مع مئات الآلاف من متابعيهم، بالإضافة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تحظى بنصيب كبير من مشاركات وزير خارجيتنا ويليام هيغ الذي يقوم شخصياً بالتفاعل مع متابعيه والإجابة عن أسئلتهم متى ما سمح له وقته بذلك. هذا بالطبع لا يعني أن دبلوماسيتنا التقليدية قد ذهبت مع الريح، فنحن سنظل مستمرين بذلك طالما هناك شرائح اجتماعية وسياسية من الناس يجب أن نظل على تواصل دائم معهم لكننا دائماً نسعى لبناء علاقات أوسع مع فئات جماهيرية أكبر.

وفي الختام، لا يمكنني إلا أن اتفق مع زميلي توم، سفير بريطانيا لدى لبنان الذي قال: "الدبلوماسي الأكثر فعالية في هذا العصر الرقمي هو من يحمل بيده الآيباد بدلاً من أوراق اعتماده".

* الناطقة الرسمية باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا


*. نقلاً عن موقع العربية نت