الناتو يتخذ وجهة عالمية
الجمعة, 05-أكتوبر-2012
منصف الخروبي -
كيف يمكن للمجتمع الأطلسي الحفاظ على قوة الجذب والتأثير على الساحة العالمية؟ وفي ظل تغيّر العالم، كيف لهم احتضان ذلك التغيير والمساهمة في تشكيله؟، وغيرها كثير من الأسئلة التي طرحت على أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف الناتو، خلال محاضرة حول الحفاظ على الأمن في القرن الواحد والعشرين ألقاها في لندن، بدعوة من المعهد الملكي البريطاني "شاتام هاوس". قدّم خلالها راسموسن وجهة نظره بخصوص مستقبل الناتو التي تقوم على أهمية التعاون مع شركاء دوليين من أجل ضمان الاستقرار والأمن.

استهلّ أندرس فوغ راسموسن كلامه بملاحظة أنه ليس من السهل اليوم أن تكون متفائلا فالدنيا الآن مليئة بالمتشائمين 'المحترفين' في الجرائد وعلى شاشة التلفاز وفي المدونات على الانترنت. ويقول نرى تخمينات أن اليورو سينحل وأوروبا ستتحطم بعد أن يتجاوزها العالم ويستغني عنها شركاؤها ويستبدلونها بغيرها. كما نرى الاضطرابات والغموض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونشهد صعود قوى جديدة في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري، حتى أن بعضهم يتوقع انهيار الغرب تماما.

ويعلق المحاضر بأنه يعارض بشدة هذه النظرة المتشائمة ولا يعدو الأمر أن يكون مظهرا من مظاهر التغيير السريع في زمن يصعب تكهنه ويتميز بالتعقيد والتشابك. فأوروبا وأميركا حسب رأيه ما زالتا تكتسبان موارد وأفكار وعزيمة هائلة تمكن من خلق قوة كبيرة للتغيير الايجابي.

جزء جوهري

الرسالة التي سعى المحاضر إلى تقديمها من خلال الإجابة الأسئلة المطروحة هي أن الناتو هو جزء جوهري من الحل، فالحلف عندما يكون قويا يكون مصدرا للثقة بالنفس ومساهما أساسيا في الأمن والاستقرار العالميين.

ويضيف قائلا إنه على مدى أكثر من 60 عاما ضمن الناتو الأمن والاستقرار اللذين مكّنا القارة الأوروبية من الازدهار وذلك بفضل قدرته على شن عمليات مشتركة معقدة بشكل لا تقدر عليه أية جهة أخرى. ويبرر أهمية ذلك بقوله بأنه في عالم مليء بالمخاطر والتهديدات يتحتم التعاون والتآزر من أجل تحقيق الأمن وهذا يعني أنه يتوجب على الناتو أن يعزّز علاقاته مع البلدان والمنظمات الأخرى في كافة أرجاء العالم خاصة وأن له القدرة على دمج مساهمات البلدان الأخرى في عمليات متعددة الجنسيات مثلما لا تقدر عليه أية منظمة أخرى. فمن أفغانستان إلى البلقان ثم ليبيا السنة الماضية لعب الشركاء دورا حيويا في تنفيذ العمليات وإعطاء مشروعية سياسية لمهمات الناتو وبذلك ساهموا حسب رأي المحاضر في جعل العالم ينعم بالسلم بدرجة أكبر. ويضيف قائلا إن التحديات الأمنية لا تقتصر على حدود أوروبا بل تمتد إلى كافة أنحاء العالم حيثما تعلق الأمر بأمن دول الحلف.

ويشرح المتحدث مساهمة الناتو في الإصلاح السياسي والازدهار الاقتصادي بقوله إن عضوية دول أوروبا الشرقية في السنوات الأخيرة كانت حافزا لها للقيام بإصلاحات سياسية وتعزيز الديمقراطية وحكم القانون. كما أعطت العضوية في حلف الناتو الثقة للمستثمرين مما شجع على النمو وبعث الحيوية في الاقتصاد. ومن ثم ليس من الغريب أن تكون الدول التي انضمت إلى الناتو قد انضمت كذلك إلى الاتحاد الأوروبي أو تستعد لذلك.

غير أن المحاضر ينبه إلى أنه لا توجد طرق مختصرة أمام الدول التي ترغب في الانضمام إلى الحلف، إذ عليها أن تعمل جاهدة من أجل إدخال الإصلاحات اللازمة وحل الخلافات القديمة. ويقول وإن كان الباب مفتوحا أمام البلدان الجديدة للدخول فإن دخولها لا يكون إلا في الوقت المناسب.

'الباب المفتوح'

الفكرة المثيرة للانتباه التي أوردها المحاضر هو أن انفتاح أوروبا واستقرارها -طبعا بمساهمة الناتو- قد جلب الخير والمنفعة إلى بلدان الحلف ومحيطه الواسع بما في ذلك روسيا. والدليل على ذلك هو ارتفاع المبادلات التجارية بين روسيا والأعضاء الجدد في الناتو وذلك نتيجة للاستقرار المتوفر على حدودها الغربية. في حين أن روسيا تنظر إلى سياسة 'الباب المفتوح' لدى الناتو بريبة وعدم ارتياح لذلك – يقول المتحدث – إنه يجب مساعدة روسيا على تغيير أفكارها الخاطئة وإقناعها أنها يمكن أن تتعاون مع الناتو لبسط الأمن معا، عوضا عن مواجهته.

ويضيف موضحا أن الحلف لا يمثل تهديدا لروسيا كما أن روسيا ليست تهديدا له، ويوجه دعوته للجهتين بإيقاف النظر لبعضهما البعض عبر أعين الماضي والبحث عوضا عن ذلك عن فرص عمل مشترك في المستقبل. وتكمن إحدى الفرص الهامة للتعاون في موضوع الدفاع الصاروخي نظرا لخطورة انتشار الأسلحة الصاروخية.

غير أن عمل الحلف لا ينحصر في حدوده الجغرافية ومحيطه القريب فقط بل يتعداه إلى مناطق أخرى قاصية مثل أستراليا التي عقد معها الحلف مؤخرا إعلانا سياسيا مشتركا يرسم كيفية تطوير مقاربات مشتركة لمواجهة تحديات مشتركة. فرغم البعد الجغرافي، يشترك الحلف مع أستراليا في نفس القيم ويقفان في جهة واحدة فيما يتعلق بالأمن. ويورد مثالا على ذلك هو أفغانستان حيث تشارك أستراليا في ائتلاف يتكون من 50 بلدا بقيادة الناتو حتى لا تكون أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا "للإرهابيين". وذكر أن المهمة القتالية لحلف الناتو في أفغانستان ستنتهي في آخر 2014 لكن سيواصل الحلف تمرين قوات الأمن الأفغانية ومواجهة تحديات أمنية معقدة أخرى.

واستدرك ليوضح أن كل ذلك لا يعني تعويض الناتو لشركائه الحاليين بغيرهم أو التوسع الجغرافي في أنحاء أخرى من العالم، بل كل ما في الأمر أن الحلف يتخذ وجهة عالمية ويقوم بدوره على الصعيد العالمي بتظافر المجهودات المتناغمة مع شركاء من كافة أنحاء العالم. ويتجلى التعاون مثلا في توفير الناتو للتعليم والتدريب العسكري لكثير من البلدان، ولكن يلاحظ أن طريقة العمل قديمة وتبقى هناك حاجة لصياغة مقاربة أشد صلابة لكيفية التعاون وتشريك أكبر عدد ممكن من البلدان. والمثال على ذلك هو التعاون بين القوات الخاصة لتوفير إمكانية أكبر للتعلم من الخبرات سواء للحلف أو لشركائه.

كما أن هناك مجالا للتعاون أكثر فيما يخص الأمن البحري والطاقي وأمن شبكة المعلومات، وهي مجالات تتميز بالتعقيد ولذلك تتطلب المواجهة التي تفرضها بنجاح درجة عالية من التشاور والتعاون. فمثلا ستجني القوات البحرية للحلف أو الشركاء فوائد جمة من العمل معا في مجالات محددة كمكافحة القرصنة. أما المجال الثالث للتعاون فيتعلق بالدفاع الذكي إذ يمكن العمل المشترك على مشروعات متعددة الجنسيات للاستفادة من مختلف المبادرات.

كما يقترح المتحدث توسيع قائمة البلدان التي يمكن التعاون معها لتشمل الصين والهند على سبيل المثال وذلك لتزايد أهمية دور هذين البلدين على الصعيد الدولي فيمكن التعاون معهما لضمان الاستقرار والسلام.

ويحوصل المحاضر مداخلته بالتأكيد مجددا على أهمية الشراكة التي يتوجب على الناتو القيام بها مع أطراف أخرى ودورها الأساسي في تلبية الاحتياجات الأمنية الحاضرة والمستقبلية سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية. لكن كل هذا يجب ألا يجعلنا نتغاضى عن حقيقة أن الرابط بين ضفتي الأطلسي هو في قلب حلف الناتو فهو يمثل إيمان الأطراف المعنية بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون، ويمثل قيادة مشتركة بين شمال أميركا وأوروبا. ويقول إن دعم الشراكة مع بلدان أخرى مثل روسيا وغيرها يجب أن يتمحور حول هذا الرابط الأساسي لأننا في القرن الواحد والعشرين -أحببنا أم كرهنا- نعيش كلنا مترابطين. وترابطنا الايجابي هذا ومواصلة العمل مع الشركاء يمثل شفاء من التشاؤم ومدعاة للتفاؤل ومفتاحا للأمن الذي ننشد.


* نقلاً عن صحيفة العرب إونلاين