مُبادرة الرئيس .. لماذا هي مُهِمّة؟
الثلاثاء, 01-يناير-2008
معهد الميثاق - معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث

1. مدخل
الذين يعرفون الرئيس علي عبدالله صالح، السياسي ورجل الدولة، حقّ المعرفة، لم يفاجئهم – بلا شك - اعلانه عشية الاحتفال بالعيد الخامس والأربعين لثورة 26 سبتمبر وقيام النظام الجمهوري، عن مشروعٍ موسع لتعديلات دستورية مهمة تمس جوهر النظام السياسي القائم وتركيبته الحالية. فالرجل منسجمٌ تماماً مع نفسه، ومخلصٌ لموقعه ودوره التاريخي، كما أنه مؤمن بحق شعبه، الذي اختاره، في مستقبلٍ أفضل وغدٍ أجمل. والواضح أن فخامة الرئيس قد تعمّد الإعلان عن مشروعه في مناسبة ذكرى قيام النظام الجمهوري، ليثبت أن التعديلات الدستورية المقترحة هي خطوة جديدة في ترسيخ جذور النظام الجمهوري في اليمن، بل لا يجاوز البعض الحقيقة عندما رأوا فيها معالم "ثورة جديدة"، نسبة إلى حجم التغيير والتطوير الذي تضمنته هذه التعديلات على كل الصعد السياسية، سواء في شكل النظام السياسي وجوهره أو في تطوير السلطة التشريعية، أو في ما يتعلق بالسلطة المحلية، أو حتى في ما يخص الحقوق السياسية للمرأة. وبلا شك فإن هذه التعديلات لو تمّت كما هو مقترح لها، فإنها تعد تطوراً سياسياً غير مسبوق.
وإذا ما رجعنا قليلاً إلى التاريخ، الذي لا يهُمنا هنا إلا بالقدر الذي يسمح لنا بفهم ما قد تولّد عنه، فإننا سنلحظ أنه في وقت المحن والأزمات وفي اللحظات التاريخية المفصلية التي مرّت بها اليمن كان الرئيس علي عبدالله صالح دوماً حاضراً ومؤثراً بل صانعا للأحداث والتحولات التي رسمت صورة وملامح اليمن الحديث. جميعنا نتذكر كيف دفع الرئيس في أواخر الثمانينات من القرن العشرين باتجاه الوحدة اليمنية، وكيف استثمر بكل حكمة وذكاء الظروف والمتغيرات المحلية والدولية خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من أجل تحقيق حلم اليمن الكبير وصنع وحدته وذلك نزولاً عند الرغبة الجماهيرية العارمة في كلا الشطرين آنذاك، وكلنا نعلم أن الرئيس في طريقه الى إنجاز أهم حدث في تاريخ اليمن واجه العديد من التحديات واختلف مع بعض القوى السياسية التي نظرت وقتها إلى الوحدة بعين الشك والريبة، ولكنه مضى بكل ثقة واقتدار صوب تحقيق الوحدة اليمنية عن قناعة وإيمان تامين بها، ومتسلحاً بإرادة الشعب ودعمه اللامحدود. وبالفعل مضى الرئيس في ذلك قدماً وتحققت الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990، وبعدها رعى الرئيس وتبنى من خلال دستور دولة الوحدة، الديمقراطية كنهج لا حياد عنه والتعددية السياسية والحزبية كممارسة تُنظم وتؤطر الحياة السياسية والإجتماعية في اليمن الموحد، وأطلق حرية الرأي والتعبير وعمل من أجل تكريس مفهوم المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة المؤسسات والقانون.
وفي العام 1994 عندما تعرض اليمن ووحدته لمؤامرة الانفصال، كان الرئيس حاضراً وحازماً في التصدي لتلك المؤامرة التي هدفت إلى تقسيم اليمن والعودة به الى ما قبل الـ 22 من مايو 1990، وكادت أن تعصف باليمن وتحطم كل المنجزات والمكتسبات التي ناضل من أجلها الشعب اليمني ودفع في سبيلها ما لا يقدر بثمن. وعلى الرغم من الصعوبات والمعوقات الجمة التي صاحبت مسيرة الوحدة اليمنية وما خلفته حرب صيف 94 من آثار سلبية على عملية التنمية والتطوير والتحديث، وعلى الرغم من المراهنات من قبل أعداء الوطن بإنتكاس وتقويض التجربة الديمقراطية إلا أن العملية الديمقراطية استمرت بكل ثبات واجريت الانتخابات النيابية في العام 1997، وبعدها بعامين وفي قفزة نوعية غير مسبوقة في المنطقة ولأول مرة في تاريخ اليمن أجريت الإنتخابات الرئاسية بشكل حر ومباشر من قبل الشعب وفيها جدد الشعب ثقته بالرئيس علي عبدالله صالح ومنحه الفوز بأغلبية ساحقة تجاوزت الـ 95%، وفي العام 2001 وسعت المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار وذلك عبر انتخابات المجالس المحلية، وبعدها تمت الإنتخابات النيابية في 2003، وفي العام 2006 تواصلت المسيرة الديمقراطية برعاية فخامة الرئيس وتوجت بالإنتحابات الرئاسية والمحلية التي أسفرت عن فوز الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام بفارق كبير عن باقي الخصوم السياسين.
إن نتيجة الإنتخابات الرئاسية والمحلية في العام الماضي أثبتت وبما لا يدع مجالاً للشك أن الرئيس يحظى بثقة غالبية أبناء الشعب اليمني الذي بات لديه من الوعي الكفاية للتمييز بين الغث والسمين ومعرفة أين تكمن مصلحته ومصلحة الوطن. واليوم، وفي ظل الآوضاع السياسية الراهنة التي تطغى عليها أجواء من التوتر والمشاحنات السياسية والحزبية المفتعلة في معظمها من قبل بعض القوى السياسية التي تحاول المزايدة علي المساعي والجهود الحقيقية المبذولة من قبل المؤتمر الشعبي العام وقيادته الحكيمة التي وضعت خطط مستقبلية وبرامج حقيقية وفق دراسات ورؤى علمية وموضوعية لمعالجة كافة القضايا والإشكاليات سواء أكانت سياسية أم إقتصادية أو إجتماعية وكل هذه المعالجات جاءت في البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية في العام الماضي والذي نال رضى وثقة الجماهير.
إن المبادرة التي طرحها فخامة رئيس الجمهورية وهو الذي عودنا دوماً على أن يكون سباقاً في طرح هكذا مبادرات، جاءت لتخرج البلد من حالة التوتر والمشاحنات غير المسؤولة التي سادت في الفترة الماضية؛ فالمبادرة كانت بمثابة الحجر الكبير الذي قذف في بركة الفكر السياسي اليمني الراكد الذي لم يستطِع عملياً تقديم رؤية أو تصور من شأنه الإسهام بالدفع بالحياة السياسية والإجتماعية نحو الأمام. إن القوى السياسية والأحزاب المعارضة دائماً ما تحاول التقليل من شأن المبادرات الرئاسية والرؤى الإصلاحية التي يطرحها فخامة الرئيس والتشكيك في غاياتها دون النظر والتمعن في مضموناتها والمحاور الإيجابية التي تحملها. والمشكلة أن هذه القوى في الوقت الذي تسعى فيه الى تهميش المبادرة الرئاسية تعجز عن تقديم أي مبادرات أوحلول للأزمات التي يعاني منها البلد. إن النظام السياسي الرسمي وعلى رأسه فخامة رئيس الجمهورية يتقدم بخطوات على القوى السياسية المعارضة من حيث مواقفه وتصوراته تجاه الديمقراطية والإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية
.


2. مبادرة جريئة في وقت مناسب
المبادرة الإصلاحية التي قدّمها رئيس الجمهورية تكتسب، في اعتقادنا، أهميةً كبيرة خصوصاً فيما يتعلق بشكل النظام السياسي، وذلك لأسباب عدة؛ فمن ناحية، يعد مشروع التعديلات الدستورية خطوة هامة وضرورية لمواكبة روح العصر وتحولاته، سيما وأن النظم السياسية ليست صيغاً جامدة وإنما هي متغيرة بحسب متطلبات كل مرحلة. إن الأفكار الخلاقة والمُبدعة هي التي تستمد حيويتها من ايقاع عصرها وتلبيةً لمتطلباته، وهي – بالضرورة - تتناغم وظروف اللحظة التي انبثقت فيها، وقد لوحظ، في هذا الصدد، "أن المرحلة التاريخية التي تستقبل فيها الأفكار هي التي تعطيها وزناً تفاعلياً وتواصلياً"، ولا شك لدينا أن المبادرة الرئاسية من الأمثلة البارزة على مصداقية هذه الملاحظة.
ومن ناحية ثانية، يقدم مفهوم الإصلاح الذي تهدف إليه المبادرة رؤيةً موضوعية لتشخيص الإختلالات الموجودة بعيداً عن الإنتقائية والمناكفات السياسية، كما أن الإصلاحات المقترحة ضرورية لتكريس "مسؤولية الرئيس أمام الشعب"، ولتوحيد سلطة القرار في البلاد، وتعزيز حضور الدولة الوطني. فمبادرة فخامة الرئيس أقرت أن النظام السائد الآن ليس هو الأنسب لليمن، وهذه قضية بالغة الأهمية لمستقبل التجربة الديمقراطية في اليمن، كما أنها أتت انعكاساً واضحاً لما جاء في البرنامج الإنتخابي لمرشح المؤتمر الشعبي العام في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر من العام الماضي 2006، ناهيك عن كونها طُرحت كاجتهاد ومبادرة ولم تطرح بموجب الصلاحيات التي يمتلكها رئيس الجمهورية الذي كان من حقه أن يعرضها على مجلس النواب لمناقشتها واتخاذ الاجراءات الدستورية بشأنها، ولكنه طرحها كـ "مبادرة"، بمعنى أنها قابلة للأخذ والرد، والنقاش والتعديل، والحذف والإضافة. على أنه من الخطأ بمكان الاعتقاد أن هذه المبادرة عادية، يمكن أن تأتي غيرها في أي وقت. إن الذي يعتقد ذلك لا يدرك – بحق - أن السياسة هي فن الممكن، وهي أيضاً القدرة على التقاط اللحظة المؤثرة وانتهاز الفرصة الملائمة، وهذه المبادرة هي فرصة ثمينة لا يجب اضاعتها تحت أي مبرر؛ فمن الصعب حدوث تغييرات حقيقية في بنية أي نظام سياسي في إحدى دول العالم النامي بطريقة سلمية. إن ما يطرحه الرئيس هو تغيير جوهري من خلال حوار وطني جاد ومسؤول.

الإطار رقم (1) نص مبادرة الرئيس بمقترحات التعديلات الدستورية

1. النظام السياسي للحكم يكون رئاسيا كاملا.
2. مدة رئاسة الجمهورية خمس سنوات.
3. تتكون السلطة التشريعية من غرفتين تشريعيتين، هما مجلس النواب ومجلس الشورى.
4. انتخاب مجلس النواب كل أربع سنوات.
5. انتخاب مجلس الشورى كل أربع سنوات.
6. يستبدل مسمى السلطة المحلية ويعدل إلى الحكم المحلي. ويكون رئيس الحكم المحلي منتخبا من هيئة الناخبين وِفقا للقانون، ويكون لمجلس الحكم المحلي صلاحيات يحدّدها القانون ويصدر قرار من رئيس الجمهورية لتسمية رؤسائها المنتخبين.. وينعكس ذلك الوضع على المديريات ووِفقا لما يحدده القانون.
7. تنشأ شرطة محلية في المحافظات ويكون هناك أمن عام مركزي يمثل كافة المحافظات، مثله مثل الجيش الذي يكون سياديا ويمثل الوطن كله وينظم ذلك القانون.
8. الضرائب والموارد المحلية تكون من اختصاص المجالس المحلية، التي تقوم بتخصيصها في تنفيذ المشاريع وتسيير الأعمال في الإطار المحلي وِفقا للقانون واتجاهات الخطط العامة، ويحدد القانون ما يعد ضرائب سيادية مركزية وكذلك الواردات والثروات النفطية والمعدنية والغازية وغيرها من الثروات.
9. تشكل اللجنة العليا للانتخابات، بناء على ترشيح مجلس القضاء الأعلى، لعدد 14 شخصا من القضاة من ذوي الكفاءة والنزاهة ويتم اختيار سبعة منهم من رئيس الجمهورية ويصدر بهم قرار من قِـبله وتكون اللجنة في ممارستها لمهامها، محايدة ومستقلة وفقا للدستور.
10. يتم تخصيص نسبة 15% للمرأة في الانتخابات لعضوية مجلس النواب وينص على ذلك في قانون الانتخابات.


3. المبادرة في سياقها الموضوعي
في حال نجحت مبادرة الرئيس في الحصول على اجماع وكما هو مقترح لها، سيخوض الشعب اليمني غمار تحديات التعديل الدستوري الثالث منذ عام 1990. فالتعديل الأول جرى بعد حرب صيف 1994 وعقب حوار موسع بين الكتل النيابية الممثلة في مجلس النواب بما فيها من تبقى من كتلة الحزب الاشتراكي، لينتهي الحوار في نهاية شهر سبتمبر من العام نفسه باتفاق بين تلك الكتل على أكبر عملية تعديل للدستور شملت أكثر من نصف مواده وحسمت النصوص الغامضة والتوفيقية بنصوص واضحة فقد أصبحت الشريعة الإسلامية مصدر جميع القوانين، وأصبح النص واضحاً؛ فالنظام السياسي يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، أما النظام الاقتصادي فيرتكز على مبدأ الحرية الاقتصادية، وتم إلغاء مجلس الرئاسة ليصبح رئيسا للجمهورية بدلاً عنه ينتخب مباشرة من الشعب في انتخابات تنافسية بدءاً من عام 1999، وهو ما جعل شكل النظام اقرب الى النظام المركب والذي تأخذ به بعض الدول الديمقراطية كفرنسا، وشدد هذا التعديل على أنه لا يحق للرئيس تولي أكثر من دورتين رئاسيتين فقط. كما أكد النص على وجود مجالس محلية في المحافظات والمديريات المنبثقة عنها، وكذا ضرورة الاستفتاء الشعبي على أي تعديلات قادمة وبالذات في البابين الأول والثاني من الدستور، إضافة إلى مواد بعينها موزعة على بقية أبوابه. وباختصار فقد جاءت تلك التعديلات كضرورة أجمعت عليها مختلف القوى السياسية بهدف وجود دستور تكون نصوصه حاسمة وجازمة وليست محل تأويل أو خلاف.
وطوال السنوات السبع التي تلت ذلك التعديل، برز عدد من القضايا الملحة في ضوء تجربة تطبيق الدستور، ومنها تطوير نظام المحليات إلى أن يصبح أكثر من إدارة محلية وأقل من حكم محلي، كما برزت الحاجة إلى غرفة تشريعية ثانية بتطوير المجلس الاستشاري إلى مجلس للشورى، إضافة إلى تمديد مدة مجلس النواب من أربع سنوات إلى ست سنوات بغرض التخفيف من التوتر السياسي الذي ينجم عن الانتخابات وكذا التقليل من الإنفاق المادي على العملية الانتخابية.. وبالفعل فقد بادر الرئيس علي عبد الله صالح إلى طرح مشروع التعديلات على مجلس النواب في أواسط عام 2000 والذي بدوره بدأ حواراً في إطار الكتل النيابية قبل الاستفتاء عليه. وفيما أعطت التعديلات صلاحيات كبيرة للسلطات المحلية، فإن النواب تحفظوا على جعل مجلس الشورى غرفة ثانية وفضلوا إبقاءه كسلطة استشارية يحق لها عقد اجتماعات مشتركة مع مجلس النواب للبت في قضايا محددة كاختيار المرشحين لرئاسة الجمهورية وإقرار الاتفاقيات الحدودية والخطط التنموية. وفيما قام النواب بالتمديد لمجلسهم ست سنوات بدلاً عن أربع، فإنهم قاموا، في الوقت ذاته، بالتمديد لمدة رئيس الجمهورية من خمس سنوات إلى سبع رغم اعتراض الرئيس ورفضه. وجرى الاستفتاء على ثاني عملية تعديل للدستور في فبراير2001 لتحظى بالأغلبية المطلوبة، ثم لم يلبث الرئيس علي عبدالله صالح أن فاجأ الرأي العام اليمني أواخر شهر سبتمبر 2005 بإعلانه مبادرة سياسية تتضمن بعض مطالب المعارضة وتتمثل في الدعوة لتطوير نظام السلطة المحلية بانتخاب محافظي المحافظات ومديري المديريات، وتطوير النظام البرلماني بانتخاب جزء أو كل أعضاء مجلس الشورى المعين بالكامل والذي يتبع رئيس الجمهورية من الناحية الدستورية، بحيث يؤدي انتخابه بالكامل أو جزء منه إلى أن يصبح الغرفة التشريعية الثانية إلى جانب مجلس النواب ومن ثمّ تطوير اختصاصات المجلس عما هو عليه، وكان هذا تطور سياسي مهم إلا أنه لم يترجم من خلال تعديل دستوري؛ لينتقل النظام السياسي بعدها إلى مرحلة جديدة أكثر تطورا من سابقتها، لكنها بدت كما لو أنها انتقالية لأنها كانت تمهيداً بشكل أو بآخر لمشروع التعديلات الأكثر خطورة وأهمية الذي أعلن عنه فخامة الرئيس في أواخر سبتمبر الماضي.

4. مميزات المبادرة
أ‌. نظام سياسي مستقر
لعل أهم مايميز مبادرة فخامة الرئيس ذلك البند المتعلق بشكل نظام الحكم؛ إذ تقترح المبادرة أن يكون نظام الحكم رئاسياً كاملاً، بحيث يكون الرئيس هو المسؤول الأول أمام الشعب الذي انتخبه، وهذا الأمر سوف يقضي على الازدواجية في الحكم والمسؤولية، فلن يكون هناك رئيس وزراء، وهذا تحديد مهم للغاية، فلا يمكن لأي رئيس إلا أن يتحمل نتائج كل القرارات التنفيذية، ولن يكون بمقدوره إلقاء المسؤولية على رئيس حكومة قد لا يكون له علاقة باتخاذها. والمؤكد أن هذه الخطوة – لو تمت - ستحقق نقلة مهمة في النظام السياسي اليمني؛ فبموجبها سينتقل النظام القائم من كونه نظاما مختلطاً بين الرئاسي والبرلماني على النمط الفرنسي إلى النظام الرئاسي بالكامل على النمط الأمريكي، وهذا سيعني أن رئيس الجمهورية سيصبح مسؤولاً بشكل مباشر أمام الدستور والشعب، بعكس النظام المختلط والمعمول به في أغلبية النظم الجمهورية العربية، حيث يكون هناك رئيس للدولة بعيد في الغالب عن المساءلة البرلمانية، وهناك حكومة تتشكل بموجب نتائج الانتخابات البرلمانية تخضع لمثل هذه المساءلة.
لقد أثبت النظام المختلط المطبّق في اليمن وكثير من البلدان العربية أنه ليس وعاءً ملائماً للتطورالمؤسسي ولا للتطور الديمقراطي، ولا يساعد كثيراً على الاستقرار السياسي، ولذلك فلا بد من إصلاح هذه الوضعية بأسرع ما يمكن. وقد أدرك فخامة الرئيس ذلك، ولهذا أعلن ضمن مشروع تعديلاته تبنيه للنظام الرئاسي بالكامل، معتبراً أن ذلك ناتج عن خبرته الطويلة في الحكم. وفيما كانت المعارضة، ولا تزال حتى اللحظة، تطالب بنظام برلماني يجعل الحكومة المسؤول الأول أمام البرلمان بحجة أن الرئيس كان دوماً حتى بموجب الدستور فوق المساءلة، فإن فكرة النظام الرئاسي ستسبب لها – بالتأكيد - حرجاً بالغاً إن أصرت على التمسك بالنظام البرلماني، لأن مبدأ النظام الرئاسي يبدو أكثر ديمقراطية من البرلماني باعتبار أنه يحقق فصلاً كاملاً بين السلطات من ناحية، ولأنه يقصر ولاية الرئيس المنتخب على دورتين انتخابيتين فقط (مدة كل واحدة منهما خمس سنوات بحسب مبادرة الرئيس) لا يحقّ له التجديد بعدهما.
وعلى الرغم من بعض جوانب القصور التي تعتري النظام الرئاسي غير أنه كما يبدو أكثر ملاءمة لليمن في الزمن المنظور، فبقدر الحاجة إلى توسيع قاعدة المشاركة والحراك السياسي الدائم والدائب والحيوية البرلمانية الذي يتّسم به النظام البرلماني، غير أنه سيجعل البلاد أقل أتزاناً وربما حتى أكثر اضطراباً، وبالتالي أقل استقراراً، بما ينعكس على معيشة الناس وأمنهم واستقرارهم ويؤدي إلى زعزعة ثقتهم بالسياسة والسياسين والحكومة والإنتخابات والأحزاب، الأمر الذي قد يقود إلى الإضطرابات، سياسية ومجتمعية، وربما العودة إلى زمن الشمولية من جديد.

الإطار رقم (2) النظام الرئاسي .. لماذا؟

النظام الرئاسي هو نوع من أنظمة الحكم يضع الهيئة التنفيذية بيد رئيس الدولة، وهو رئيس الصفوة الحاكمة يعاونه مجموعة وزراء يعدون بمثابة مستشارين. و رئيس الدولة هو رئيس الحكومة في الوقت نفسه، وهو غير مسؤول سياسياً أمام السلطة التشريعية، ويختار رئيس الدولة/ الحكومة من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر.
أسس ومتطلبات النظام الرئاسي
يقوم النظام الرئاسي على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن الإشارة إلى هذه الأسس والمتطلبات كالتالي:
1- وجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
2- الفصل شبه المطلق بين السلطات.
3- يكون اختيار الوزراء (الحكومة) بيد رئيس الدولة دون تدخل من السلطات الأخرى، ويكونون مسؤولون أمامه فقط.
4- توافر درجة عالية من المرونة الحزبية، أي عدم التصويت ككتلة حزبية واحدة.
مزايا النظام الرئاسي
للنظام الرئاسي العديد من المزايا، لعل من أهمها:
1- وضع سلطات واسعة في يد الرئيس تكون ذات قيمة عالية في وقت الأزمات والحروب.
2- يتميز بالنشاط والفاعبية والقوة لأنه يتخلص من التردد وعدم التوافق اللذين يصاحبان النظم الأخرى.
3- توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة.
4- تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
5- يوفر فرصة أفضل لعمل الحكومة وحرية الحكومة وفي المقابل يوفر للبرلمان حرية الحركة والمناقشة فللبرلمان سلطة مهمة لعل أبرزها يتركز في المسائل المالية.
6- إن الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الأمة بشكل مباشر وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة.

ب. حكم محلي فاعل
أما العنصر المهم الثاني في المبادرة، كما نرى، فهو ذلك المتعلق بالحكم المحلي وتوسيع المشاركة الشعبية. فقد نصّت المبادرة (في نقاطها السادسة والسابعة والثامنة) على الانتقال من السلطة المحلية بصيغتها الحالية إلى الحكم المحلي بحيث يكون رئيس المجلس المحلي منتخباً، ويكون لمجلس الحكم صلاحيات سيكون من ضمنها الإشراف على الضرائب والموارد المحلية والأمن الداخلي من خلال إنشاء شرطة محلية، إذ "لا يجب إرسال شرطي من محافظة إلى أخرى لا يعرف خصوصيتها ولا يعرف طبيعتها ويكون فيها مثل الغريب" حسب الرئيس. إن صيغة الحكم المحلي إذا طُبقت بحذافيرها، وبحسب فقهاء القانون، هي صيغة فيدرالية في الأساس، لأن المحافظات تتحول بموجبها إلى ما يشبه الولايات التي تدير شؤونها بالكامل، بدءاً من انتخاب المحافظ ومروراً بانتخاب مجالسها المحلية واختيار شرطتها المحلية وانتهاء باعتمادها على مواردها المحلية إلى جانب ما يمكن أن تخصصه لها الحكومة المركزية.
وخلافاً لما قد يعتقده البعض من أن ذلك يعد تقسيماً، فإنه على العكس فيه تقوية للنظام السياسي وسوف يجعله في منأى عن كثير من المشاكل والتفاصيل اليومية التي تأخذ من وقته واهتماماته والتي سوف تكون من اختصاص هذه المجالس، مثل مسألة ارتفاع الأسعار، ونستطيع القول أن هذه المجالس باستطاعتها تقديم حلول في هذا الشأن أكثر من الحكومة. هناك قضايا أخرى تبدو بسيطة لكنها بالنسبة للمواطن العادي أكثر من مهمة، ولذلك فإن هذه المجالس ستكون الأقدر على التجاوب معها من الحكومة التي سوف تتحول حسب المبادرة إلى إدارة تتبع الرئيس وتهتم بالسياسات العليا والموضوعات الكبرى.
والحقيقة إن وجود نظام حكم محلي واسع الصلاحيات يتوافق ويتكامل مع جوهر النظام الرئاسي، وذلك لأنه لا يمكن لأي رئيس جمهورية أن يتحمل كل مسؤوليات رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في ظل وضع كالوضع الحالي الذي تتولى فيه السلطة المركزية مسؤولية الاشراف على معظم مناحي الحياة، ومن هنا تأتي أهمية قيام نظام حكم محلي واسع الصلاحيات ويتولى كل شؤون الحياة، بحيث تبقى السلطات المركزية مهتمة بالقضايا الاستراتيجية، ومن دون ذلك قد يكتنف تطبيق النظام الرئاسي الكثير من الصعوبات، بل وقد يتعثر تماماً!

الإطار رقم (3) "الحكم المحلي" بحسب الأمم المتحدة

يمكن لتحويل الحكومات إلى حكومات لا مركزية تحسين إدارة الحكم عبر تعزيز المساءلة والمشاركة والشفافية. وتحولت حكومات الدول النامية في جميع أنحاء العالم إلى اللامركزية في سبيل بناء قدرتها الإدارية والمؤسسية. ومن بين الـ 75 دولة النامية التي يزيد تعداد سكانها على خمسة ملايين نسمة، لم تتبن إلا 12 دولة شكلا من أشكال اللامركزية خلال العقدين الماضيين. ولكن اللامركزية بحد ذاتها لا تضمن إدارة أفضل للحكم. ففي الواقع تخلق اللامركزية غير الفاعلة أو غير الملائمة من المشكلات أكثر مما تحل. ولذا فانه لأمر أساسي أن يتم تطبيق اللامركزية بعناية من أجل ضمان فاعلية المؤسسات المحلية.
يشير مفهوم اللامركزية إلى العملية العامة التي تنقل بموجبها السلطة السياسية والعمليات التنفيذية إلى هيئات حكومية على المستوى المحلي. ولإدارة الحكم اللامركزي ثلاث فوائد أساسية. الفائدة الأولى: إن الإداريين المحليين يوفرون مجالا أفضل واكثر راحة ويضعون المؤسسات الحكومية مباشرة في متناول السكان الذين تخدمهم. الفائدة الثانية: إن إدارة الحكم اللامركزية تخلق فرصا اكثر لمشاركة الجمهور وإسهامه. الفائدة الثالثة: في استطاعة الحكومات المحلية أن تكون أكثر تجاوبا وتكيفا مع الأوضاع المحلية الأمر الذي يؤدي إلى فاعلية أكبر.
قسّم المنظرون اللامركزية إلى أربعة أشكال عامة وهي: التنازل، التفويض، عدم التركز، والتجريد. فالتنازل هو نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو شبه مستقلة ذاتيا. والتفويض يعني نقل المسؤوليات والخدمات والإدارة إلى الحكومات والمؤسسات المحلية. عدم التركز يعني توكيل تنفيذ البرامج الوطنية إلى الفروع الأدنى من الحكومة. والتجريد يعني نقل الخدمات والمؤسسات الحكومية إلى الشركات والمؤسسات الخاصة. وكانت معظم عمليات تطبيق اللامركزية في الدول العربية على شكل عدم التركز. ولم يقم إلا عدد قليل من الحكومات بالتفكير في أو بتنفيذ أي شكل من أشكال التنازل.
لا يمكن للحكومات وحدها أن تحقق اللامركزية. ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الإدارة الصالحة للحكم تتطلب مشاركة الدولة والمجتمع المدني والشركات الخاصة. فمن دون المشاركة من أدنى إلى أعلى لن تتمكن الحكومات المحلية من هيكلة أو إدارة الخدمات العامة بشكل دقيق. فالمشاركة الشعبية ضرورة لإيجاد المساءلة داخل المؤسسات المحلية وللتجاوب مع حاجات المجتمع المحلي. ويزيد الحوار والنقاش بين الشركات الخاصة ومسؤولي الحكومة المحلية درجة الشفافية والتنسيق بين القطاعين العام والخاص.

ج. إشراك نصف المجتمع
المحور الثالث المهم في مبادرة فخامة الرئيس، هو ذلك القاضي بتخصيص نسبة 15 في المائة للمرأة في الانتخابات لعضوية مجلس النواب، ما يعني أن 45 امرأة ستتواجد في البرلمان. وهذا الأمر خطوةٌ ايجابية بلا أدنى شك، إذ تشكل مؤشراً على تقدم مهم نحو رفع مستوى تمثيل النساء في المؤسسات العامة وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وتعمل أيضاً على ردم الفجوة القائمة بين مستوى تمثيلها الحاصل الآن ونسبتها في المجتمع. وإذا كان من غير الواضح بعد كيف سيتم تطبيق هذه المسألة، لكن المؤشرات تؤكد أن حصول المرأة على مثل هذا الرقم (أي الـ 45 مقعداً المشار إليها آنفاً) لا يمكن أن يتم إلا من خلال تطبيق نظام (الكوتا) النسوية. ويقصد بالكوتا النسوية تخصيص عدد من مقاعد البرلمان للنساء بغض النظر عن عدد الناخبين الذين تولوا انتخاب النساء، أي أن ذلك يعني أن تكون للنساء حصة في عضوية السلطة التشريعية على سبيل الوجوب والالزام بحيث لا تكتسب هذه الصفة الدستورية والمشروعية ما لم يكن بين أعضائها عدد من النساء. وعلى الرغم من أن البعض قد يرى في ذلك تمييزاً، لكنه تمييز إيجابي تشجعه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتأخذ به العديد من الدول الغربية والعربية.
والحال أن (الكوتا) تدبيرٌ مؤقت يستخدم لمعالجة وضع استثنائي قائم، وهو نظام يعمل بكفاءة على الغاء التفاوت الهائل بين الكتلة الكبيرة للنساء في المجتمع والحضور الضئيل لها في إدارة شؤونه، كما يتسق مع الالتزامات الدولية لليمن والتي تعهدت بموجبها بالغاء أشكال التمييز كافة تجاه النساء وتعزيز مشاركتهن في الحياة السياسية والعامة.
و لقد كان الأخذ بنظام (الكوتا) محل نقد وموضع تجريح لأنها، في نظر البعض، تعني الخروج على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة والمروق عن قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين بغض النظر عن الجنس. لقد قيل في التجريح في هذا المبدأ أن على المرأة أخذ مقعدها البرلماني عن طريق اقناع الناخبين بشخصيتها السياسية ودورها القيادي من خلال أفكارها السياسية وبرامجها الانتخابية في معركة انتخابية مفتوحة تكون الفرص فيها متكافئة ومتساوية بين الرجل والمرأة وليس عن طريق تشريعات وقوانين تمنحها امتيازات فوقية، بما تمثله تلك التشريعات من نقص سياسي وقصور انتخابي لدى المراة. وقد تبدو هذه الحجة وجيهة ومقنعة في بعض البلدان، لكن تحقيق هذا في بلدان محافظة أمرٌ مختلف ومن الصعوبة بمكان. وبهذا يمكن القول إن هذا البند من مبادرة الرئيس والخطوات العملية لتطبيقه، أن تمت، ستتجاوز وتتخطّى كل الشعارات والمزايدات الحزبية حول حقوق المرأة وتمثيلها السياسي التي ترفعها أحزاب المعارضة التي يشوب موقفها وسلوكها بشأن تمثيل المرأة في الببرلمان والمجالس المحلية الكثير من الغموض، نتيجة لدواعٍ تتصل بالقيم الاجتماعية والمصالح السياسية الحاكمة لبعض أطرافها الرئيسيين، الأمر الذي أدى إلى فقدانها الكثير من مصداقيتها.
إلا أنه، وعلى الرغم من هذه المواقف وتلك الانتقادات، فإن فكرة (كوتا) المرأة تلقى قبولاً لدى كثير من الدول. ولقد أخذت هذه الفكرة سُبلاً ومسالك متعددة، منها: تخصيص عدد من مقاعد البرلمان لتتنافس عليها النساء مباشرة. بحيث يتم احتساب الفوز على اساس ما حققته قوائم النساء فقط. وليس على أساس المنافسة مع قوائم الرجال. فمثلاً إذا كان العدد المطلوب لدخول الرجال الى البرلمان 30 ألف صوت يكون العدد المطلوب الى دخول المرأة في البرلمان أقل من ذلك بكثير بحيث لا يشترط هذا العدد لدخول المرأة بالمقعد البرلماني.

الإطار رقم (4) الكوتا..الماهية والمزايا والتجارب العالمية

الكوتا في الأصل كلمة لاتينية شاع استخدامها بلفظها الأصلي ومعناه في اللغة العربية حصة، وتستخدم الكوتا لتوفير فرصة للفئات الأقل حظاً في المجتمع في الوصول للفرص، مثل النساء والسود والأقليات. وهي كغيرها من الآليات لها ميزاتها ولها عيوبها، ويتوقف مدى الاستفادة منها على طريقة استخدامها وتوفر الشروط المكملة لها.
من مزايا الكوتا النسائية أنها توسع قاعدة المشاركة في التنافس على المقاعد المخصصة للنساء ولا يحصر التنافس والتمثيل في إطار النخبة من النساء. لأن وجود مقاعد مضمونة للنساء يشجع النساء على الترشيح من شرائح مختلفة، كما يشجع المواطنين على الإدلاء بأصواتهم لمرشحة أو أكثر من بين المرشحات طالما أن هنالك فرصة مضمونة للفوز. غير إن الميزة الأساسية للكوتا هي توفير فرصة للتنافس بين النساء المرشحات في ظل ظروف متكافئة نسبياً على المقاعد المخصصة للنساء، حيث يتم التنافس المفتوح بين المرشحات والمرشحين بشروط غير عادلة إذ يتمتع المرشحين الرجال بمراكز النفوذ الثلاث في المجتمع السياسية والاجتماعية (العائلية والعشائرية) والمادية التي تساعدهم على الفوز في حين تفتقر النساء المرشحات إلى هذه المصادر في القوة.

استخدم نظام الكوتا لأول مرة في البلاد العربية في مصر في عهد الرئيس عبد الناصر وبنص دستوري في تعديل عام 1964، إلا أنها ألغيت فيما بعد، وتحاول النساء المصريات استعادتها لأن نسبة تمثيل المرأة تدنت كثيراً بعد إلغاء نظام الحصص في مصر إلى 2,4 % ، لدرجة أن رئيس الجمهورية يقوم بعد كل انتخابات بتعيين مجموعة من النساء في البرلمان كنوع من التعويض عن الحصة. وقد لجأت دولتين عربيتين مؤخراً لاعتماد نظام الكوتا هما المغرب والأردن لضمان تمثيل للمرأة في برلماناتها، وتم اعتماد الكوتا في المغرب عبر مرسوم ملكي (إرادة سياسية) بتخصيص 30 مقعد للنساء كحد أدنى في انتخابات اكتوبر 2002 ، وفازت النساء بخمسة وثلاثين مقعدا في حين لم يزد تمثيل المرأة المغربية في انتخابات 1997 عن امرأتين فقط. وفي الأردن تم اعتماد نظام الكوتا عبر تعديل في قانون الانتخاب بإيحاء وموافقة ملكية، بتخصيص ستة مقاعد للنساء في البرلمان كحد أدنى، بعد أن لم تتمكن أي من النساء المرشحات (17 مرشحة) للانتخابات الأردنية عام 1997 من الوصول لمقعد في البرلمان، رغم الجهود الحثيثة التي قامت بها منظمات المرأة في الإعداد للانتخابات.

وتبين تجارب الدول التي تحقق للنساء فيها نسب مرتفعة نسبياً في المشاركة في المجالس التمثيلية، أن ذلك لم يتحقق إلا عن طريق تدابير خاصة أي باستخدام التدخل الإيجابي. وتوجد 81 دولة في العالم تستخدم مبدأ التدخل الايجابي عن طريق قوائم الاحزاب أو بنص في قانون الانتخاب او في الدستور بلغ معدل مشاركة النساء فيها 17%، من بينها 15 دولة فقط تجاوزت النسبة الحرجة 30% من الدول النامية روندا وجنوب افريقيا، ومن الدول المتقدمة السويد والدنمارك. وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة الـ20% وتستخدم الكوتا أيضاً في قانون الانتخاب او في قوائم الاحزاب من بينها ناميبيا25%، الباكستان21%، المكسيك 22%، تونس 22% وكوريا20%...الخ. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها عن 15% عن طريق قوائم الاحزاب بريطانيا 18%، السنغال 19%، اسرائيل15%. (تستخدم في اسرائيل كوتا عبر الاحزاب: حزب العمل 25%، الميرتس30%، الليكود 10% ). أما الدول العربية التي تجاوزت نسبة مشاركة المرأة فيها ال 10% عن طريق قوائم الاحزاب و بإرادة سياسية، عليا هي : تونس 22%، سوريا11.5%، المغرب 10%،السودان10%.


5. نحو حوار وطني جاد وبنّاء حول المبادرة
ماذا كان يمنع الرئيس من تمرير مبادرته عبر مجلس النواب الذي يحظى فيه المؤتمر الشعبي العام بأغلبية مطلقة؟ في الحقيقة أن الرئيس يدرك أن مبادرته ليست شخصية، برغم زعم المعارضة ذلك. إنها مبادرة وطنية تمسّ جوهر النظام السياسي للبلاد، وبالتالي فإن من الأفضل أن يتم التحاور على بنودها بين كل القوى الفاعلة في المجتمع اليمني، من أحزاب سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات اجتماعية.
إن المناكفات السياسية والإعلامية لن تجدي نفعاً، بل ستعمل على إلهاء الرأي العام عن العديد من الهموم والقضايا الحالية والمدرجة ضمن أهم أولويات الوطن وأجندته المستقبلية. إن المعارضة تتحمل مسؤولية ضرورة التعاطي بإيجابية وموضوعية كاملة مع المبادرة وتقديم الآراء والافكار التي من شأنها اثراؤها وجعلها حجر الزاوية في أمن واستقرار وتنمية وتقدم اليمن. وفي كل الأحوال، فإن قضية حيوية وهامة مثل موضوع التعديلات الدستورية المطروحة الآن تُلزم أن يشارك فيها الجميع، فمن المهم أن ننخرط جميعاً في حوار معمق حول مختلف محاور مبادرة فخامة الرئيس لاسيما محور إصلاح وتطوير نظام الحكم قبل أي شيء آخر وبعيداً عن إنفعالات اللحظة الراهنة وتفاعلاتها السلبية، وبعيداً عن تأثيرات الإنتخابات الماضية 2006 وكذلك انتخابات 2009 القادمة.