دور التنسيق في نجاح خطط مواجهة الكوارث
الأربعاء, 29-أكتوبر-2008
لواء د. فهد بن أحمد الشعلان -

الحقيقة التي يفترض أن نقف أمامها كثيراً كي نعيها وندركها هي عدم وجود دولة في العالم محصنة تماماً من الكوارث والأزمات، حتى وإن نجت من هذه المخاطر والأهوال لسنوات عديدة، فإنها تظل فوق بركان من الكوارث لا تعلم متى يثور.
لقد رافقت الأزمات والكوارث الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض وتعامل معها وفق إمكاناته المتاحة للحد من آثارها .. أو مارس فقط دور المتفرج إن تجاوزت الكارثة قدراته وإمكاناته المحدودة.
ورغم قدم هذه الكوارث عبر الحضارات المتعاقبة؛ إلا أن الاهتمام بعلم إدارة الأزمات والكوارث لم يبرز إلا حديثاً نتيجة تعدد الكوارث المدمرة من ناحية، وارتفاع الأصوات التي ما انفكت تنادي بأن شيئاً ما يجب أن يتخذ تجاه الأحداث الكبيرة والمفاجئة وذلك لمنعها أو الحد من آثارها.
"إن معظم المجتمعات إن لم يكن جميعها قاطبة دون استثناء تؤسس خططها وسياساتها على المتغيرات والمؤشرات المستقرة، والقليل منها فقط هو ما يسمح في خططه وسياساته بقدر من التعامل مع المتغيرات العارضة شبه المجهولة . وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمعات التي تفسح في تعاملها مكاناً للمجهول – وهي مجتمعات قليلة في عددها – هي التي تكتسب السيادة والتفوق على معظم المجتمعات التي ليس في سياساتها مكان إلا للمعلوم والواضح " . (حسين وآخرون 1994 ص 289). وللتصدي الفعال لهذه الكوارث والتعامل معها بمنهجية علمية؛ فإن التنسيق يبرز كأهم وظيفة إدارية يبني عليها نجاح خطط المواجهة.
ولاغرو في ذلك كون العمل الأمني والإداري يتطلب نوعاً من التكامل في الإمكانيات للوصول إلى الأهداف المحددة وهذا التكامل لا يمكن أن يتحقق دون إعمال لمبدأ التنسيق بين الوحدات.
والأجهزة الأمنية ما هي إلا منظمات إدارية يغلب عليها الطابع الأمني، ولا تختلف عن غيرها إلا في التخصص . وإذا كان التنسيق يحتل الصدارة بين الوظائف الإدارية في المنظمات المدنية، فمن الأولى أن يكون أكثر أهمية في المنظمات الأمنية؛ حيث أثبتت الدراسات الميدانية والتجارب العملية أن الأجهزة الأمنية ما هي إلا حلقات متكاملة في سلسلة واحدة تشد الواحدة منها الأخرى لإتمام العمل . (السعدان ، 1419، ص 28).
وحقيقة الأمر أن التنسيق لمواجهة الأزمات والكوارث لا يقتصر على الأجهزة الأمنية فيما بينها وإنما يتعداها على القطاع الأهلي بكافة تخصصاته وإلى المواطنين كأفراد وجماعات، بل وإلى الجمعيات الخيرية وكافة مؤسسات المجتمع المدني، هذا فضلاً عن التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية أو دول بعينها تبعاً لطبيعة الكارثة.
كل ذلك إنما يضيف أهمية مفصلية لوظيفة التنسيق لمواجهة الكوارث، وهذا بدوره يتطلب اتباع منهجية علمية سليمة لإتمام عملية التنسيق بعيداً عن الارتجال.
هذه الورقة العلمية هي محاولة لتسليط الضوء على دور التنسيق في إنجاح خطط مواجهة الكوارث، مقدمة إلى المؤتمر الحادي والعشرين لمديرية الدفاع المدني. وهي ليست بحثاً علمياً ينهج الأصول العلمية المعروفة في إجراء الأبحاث، وإنما ورقة علمية تحمل تصوراً لما يفترض أن يكون عليه التنسيق بين الإدارات لمواجهة الكوارث؛ وذلك للانطلاق من هذا التصور إلى تبني إجراءات عملية لتفعيل دور التنسيق أثناء التعامل مع الكوارث والأزمات.
لذلك تم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام رئيسية .. يبدأ أولها بإلقاء الضوء على الكوارث وإدارتها، ثم يأتي القسم الثاني للحديث عن التنسيق وأهم محاوره، ونختتم هذه الدراسة بطرح نموذج لتفعيل دور التنسيق في مواجهة الكوارث.

أولاً : الكارثة وإدارتها:
1-1 : ما هي الكارثة ؟
لغوياً: الكارثة من كرث، والكارث جمعه كوارث ، وهو الأمر المسبب للغم الشديد . كما عرف قاموس أكسفورد الكارثة Disaster بأنها حدث يسبب دماراً واسعاً ومعاناة عميقة، وهو سوء حظ عظيم . وكلمة "كارثة" حرفياً تعني النجم السيء أو سوء الطالع. (العربي 1997، ص2) . أما إصطلاحاً؛ فقد تعددت تعريفاتها من قبل العديد من الكتاب والباحثين وكذا المؤسسات الدولية ومنظمات الإغاثة. وفيما يلي بعض من هذه التعريفات : (الشعلان 1423، ص 27) .
أ‌- الكارثة هي: "حدث مفاجيء غالباً ما يكون بفعل الطبيعة يهدد المصالح القومية للبلاد ويخل بالتوازن الطبيعي للأمور وتشارك في مواجهته كافة أجهزة الدولة المختلفة".
ب‌- الكارثة هي: "حادثة محددة زمنياًً ومكانياً ينجم عنها تعرض مجتمعاً بأكمله أو جزءاً من مجتمع على أخطار شديدة مادية وخسائر في أفراده تؤثر على البناء الاجتماعي بإرباك حياته وتوقف توفير المستلزمات الضرورية لاستمرارها".
ت‌- وتقدم المنظمة الدولية للحماية المدنية تعريفاً دولياً للكارثة بأنها "حادثة كبيرة ينجم عنها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. وقد تكون طبيعية Natural Disasters مردها فعل الطبيعة "سيول-زلازل-عواصف.. إلخ"، وقد تكون كارثة فنيةTechnical Disasters أي: مردها فعل الإنسان سواء كان إرادياً" عمداً" أو لا إرادياً" بإهمال" وتتطلب لمواجهتها معونة الوطن أو على المستوى الدولي إذا كانت قدرة مواجهتها تفوق القدرات الوطنية.
ث‌- أما مكتب الولايات المتحدة للمساعدة الأجنبية للكوارث فإنه يستخدم مؤشرات أخرى في تعريفه للكارثة وذلك كالتالي:
- إذا أدى الزلزال أو البركان إلى قتل 6 أشخاص على الأقل.
- إذا كان إجمالي الوفيات والجرحى 25 حالة على الأقل.
- إذا وصل عدد المتضررين من هذا الحدث إلى ألف (1000) سواء شردوا أو تأثروا بما حدث.
- إذا بلغ إجمالي الخسائر إلى مليون دولار أمريكي (1.000.000$) على الأقل.
ج‌- أما نظام الدفاع المدني بالمملكة العربية السعودية؛ فقد عرف الكارثة في مادته الثامنة بأنها: "كل ما يحدث من حريق أو هدم أو سيل أو عاصفة أو زلزال أو أي حادث آخر من شأنه أن يلحق الضرر أو يهدد بالخطر حياة الأفراد أو الممتلكات العامة أو الخاصة".
ويتضح من استعراض هذه التعريفات للكوارث أن هناك عناصر مشتركة تضمنتها هذه التعريفات تشكل في مجموعها ملامح الكارثة . ومن هذه العناصر:
• فجائية الحدوث.
• تحدث الكارثة خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
• الكارثة قد تكون طبيعية وقد تكون بفعل الإنسان عمداً أو إهمالاً.
• تتطلب الكارثة دعماً وطنياً أو إقليمياً وأحياناً مساعدات دولية.

1-2 : أوجه الاختلاف بين الأزمة والكارثة:
درج الكثير من الكتاب والباحثين والمهتمين بهذا المجال علمياً وعملياً على استخدام كلمة الأزمة والكارثة على أنهما كلمتان مترادفتان، على الرغم من محاولاتهم الإشارة إلى بعض الفروق بينهما. فبعض العلماء يرى أن الأزمة من الممكن التنبؤ بها ، بينما تظل الكارثة بعيدة عن دائرة التوقعات الدقيقة؛ إذ تحدث بشكل مفاجىء. ولكن هناك من المفكرين من يرى بأن هذا المعيار للتفريق غير كاف؛ إذ إن العديد من الكوارث - كالزلازل مثلاً - أصبح من الممكن التنبؤ بحدوثها وبشكل دقيق. ومن جانب آخر فليست كل الأزمات قابلة للتنبؤ.
ويعتقد بعض الباحثين أن الكوارث غالباً ما تكون بأسباب طبيعية، بينما الأزمات يخلقها الإنسان .. إلا أن هذا القول أيضاً لا يمكن قبوله على إطلاقه؛ إذ إن هناك من الكوارث التي حدثت بسبب الإنسان عمداً أوإهمالاً، فحادثة "تشيرنوبل" كارثة سببها الإنسان ليس غير. ويذكر الدكتور الطيب "في حديثه عن إشكالية هذه التعاريف "أن الدراسات المعاصرة المتصلة بالكوارث الطبيعية تستخدم ثلاث مصطلحات كمترادفات وإن اختلفت دلالاتها بدرجات، وهي : الأزمة ، ومصدر الخطر ، والفاجعة أو الكارثة. والنظرة المتأملة في هذه المصطلحات الثلاثة توضح أنها قد استنبطت بدرجات جوهر الإشكالية؛ وهو "توقع الخطر" " ويضيف قوله بأن للكلمات معانيها الدقيقة وإن اتفقت في كلياتها على تفسير الظاهرة.
فإذا تأملنا مصطلح " الأزمة، فتعني كما يثبت بيبرR.Bieber نقطة تحول في أوضاع غير مستقرة، ويمكن أن تقود على نتائج غير مرغوب فيها إذا كانت الأطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على احتوائها ورد أخطارها أما "مصدر الخطر" كما يعرفه كاسبير سون Casperson فهو يتمثل في التهديدات التي تواجه حياة الإنسان وممتلكاته ومقومات بنيته. أما "الفاجعة أو الكارثة كما يبينها جرين R. Greene فتعني التغير المفاجىء والأثر الذي يحدث بسبب تغيرات متصلة القوى ويكون من نتائجها انهيار التوازن . ويشير الدكتور الطيب بأن النظرة المتأنية في هذه التعريفات الثلاثة توضح أننا في جميع هذه الحالات نحاول الإحاطة بظاهرة واحدة تتصف بعدة خصائص.
والحقيقة أنه على الرغم من هذه الاختلافات بين العلماء في النظرة على الأزمة والكارثة من حيث الترادف والمشابهة والاختلاف إلا أننا لاحظنا مؤخراً بداية لاتشكل لهذه المصطلحات مما يجعل كلاً منهما ذا دلالة معينة.
ونرى في هذا السياق بأن الأزمة أعم وأشمل من الكارثة، فعندما نقول أزمة فهي تعني كافة الأزمات الصغيرة والكبيرة المحلية أو الإقليمية أو الدولية أو حتى الأسرية .. وأيضاً تعني بشكل عام الكوارث . أما الكارثة فإن مدلولها يكاد ينحصر في الحوادث ذات الدمار الشامل والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات.
ومن جانب آخر، فإن للأزمات مؤيدين ومعارضين داخلياً وخارجياً .. منهم من يحاول إخماد هذه الأزمات ومنهم من يحاول سكب الزيت على النار. أما الكوارث وخاصة الطبيعية منها فغالباً لا يكون لها مؤيدون .. حتى الدول التي لا تقدم مساعدات للدولة المتضررة فإنها لا تهلل لمثل هذه الكوارث كما يحدث إبان الزلازل والفياضانات وغيرها . وثمة ملاحظة أخرى قد تكون تفريقاً بين الأزمات والكوارث، وهي أننا نحاول في الأزمات اتخاذ قرارات لحل تلك الأزمة وربما ننجح وربما نخفق تبعاً لعدة متغيرات.. أما في الكارثة فإن جهدنا غالباً ما يكون بعد وقوع الكارثة وينحصر في التعامل مع آثارها.
وتبسيطاً لهذا المفهوم الأخيرة فإن الأزمة أشبه بالسيارة التي تحاول النزول في طريق شديد الانحدار ومحفوف بالأخطار من كل جانب، فتتوجه كل الجهود لاقتراح أفضل السبل لوصول السيارة إلى نقطة النهاية بسلامة وأمان. وقد يحالفها التوفيق ، أو يكون الإخفاق من نصيبها ونصيبنا.
أما الكارثة: فهي كيفية التعامل مع سيارة أخرى انقلبت أو هوت بين الصخور ، فتتوجه جهودنا على هذه الكارثة وكيفية إسعاف المصابين وإنقاذ السيارة والتعامل مع الآثار .. إلخ. وحيث إن هناك قلة في عدد المؤلفات في موضوع الأزمات والكوارث نظراً لحداثة التوجه إلى هذا الحقل أكاديمياً ، وبالإطلاع على أكثر ما كتب في هذا الموضوع على ندرته .. نستطيع أن نوضح في الجدول التالي الفروق بين الأزمات والكوارث ، والتي أشار إلى بعضها الكتاب والباحثون بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومما يجدر التنويه إليه في هذا الصدد بأن الأزمة قد تفضي على كارثة ، كما أن الكارثة قد تولد أزمة وأزمات متنوعة. فالإضراب مثلاً أو المظاهرات تعتبر في حكم الأزمات. فإن قام المتظاهرون بإضرام النيران مثلاً في المصانع أو تحطيم شبكات الكهرباء أو المياه، فإنهم بذلك قد سببوا كوارث متعددة. ومن ناحية أخرى، فإن الزلازل تعتبر كارثة طبيعية .. ولكن قد تتسبب هذه الكارثة نتيجة تحطيم المنازل وهدم الممتلكات بانتشار السرقات والاختطافات وظهور العصابات للاستفادة من هذه الأوضاع غير المستقرة .. إن حدث ذلك فنحن نواجه أزمات أمنية متعددة تزيد من مستوى التوتر في ثكنات القرار.
والواقع.. وبعد استعراض هذه الفروق بين الأزمات والكوارث ، فإننا لا نخفي وكما أسلفنا بأن الخلط بين هذين المفهومين لازال موجوداً في العديد من الكتب والأبحاث في موضوع الكوارث والأزمات، ولكن لعل هذا التفريق الذي أشرنا إليه في هذا القسم يسهم إلى حد ما مع الإسهامات الأخرى في بلورة وتشكيل اصطلاحات محددة وواضحة للأزمة والكارثة بشكل يجعل استخدامها واضحاً لا لبس يكتنفهما ولا غموض.

1-3 : أنواع الكوارث:
الواقع أن تصنيف الأزمات والكوارث يعتمد في الأصل على الجانب الذي ننظر منه إلى الحادثة .. كما يتأثر أيضاً هذا التصنيف بطبيعة الحقل والتخصص. وقد تعددت تصنيفات الكوارث بعدد الكتاب والباحثين في هذا المجال، إلا أنه يمكن الوصل إلى التصنيف الآتي:
1- من حيث طبيعة الحدوث :
درجت معظم الدراسات على تقسيم الكوارث حسب طبيعة الحدوث إلى قسمين رئيسين هما :
أ‌- كوارث بفعل الإنسان:
وهي تلك الكوارث الناشئة عن فعل بشري، مثل :
- الغزو العسكري.
- عمليات الإرهاب، كخطف الطائرات والسفن واحتجاز الرهائن والتفجيرات.
- الاضطرابات العامة والفتن المختلفة.
- حوادث تلوث البيئة، مثل تسرب الإشعاع أو المواد الكيميائية أو الصناعية إلى الهواء والأرض والماء.
- الإهمال الذي ينتج عنه انهيار السدود أو انقطاع الكهرباء والماء في المدن الكبرى.
- الحرائق الكبيرة عمداً أو إهمالاً.
- حوادث الطائرات والقطارات وغرق السفن الضخمة. .. إلخ.
ب‌- كارثة طبيعية:
وهي الكارثة التي لا دخل للنشاط البشري بحدوثها، مثل :
- الزلازل والبراكين والأعاصير.
- الفياضانات وما شابه ذلك.
- الجفاف ونضوب الموارد المائية .. إلخ (عز الدين، 1411هـ ، ص 27) .
وإلى جانب هذا التقسيم الرئيس للكوارث والأزمات ، فإن هناك من قسمها إلى فروع أكثر دقة حسب الأسس التالية :
2- من حيث المستهدف بالكارثة :
أ- اعتداء على شخصيات.
ب- اعتداء على ممتلكات.
3- من حيث الهدف:
أ- إرهاب الطرف الآخر .. كتفجير الطائرات دون تحديد مطالب وخلافهما.
ب- الابتزاز ، كفرض مطالب معينة كشرط لإنهاء الأزمة.
4- من حيث مسرح الكارثة:
أ- كارثة أو أزمة خلقتها الظروف في مسرح الحادث، كالذي يحدث عندما يطلب مختطف طائرة الهبوط في مطار ما للتزود بالوقود "أزمة ترانزيت" .
ب- كارثة أو أزمة حدد فيها مسبقاً مسرح الحادث الذي وقعت فيه.
5- من حيث المصدر:
أ- أزمة أو كارثة مصدرة ، كالذي يحدث عندما يتم تفجير معين في بلد ما لاعتبارات معينة لها أهميتها في بلد آخر. ب- أزمة أو كارثة لها جذورها في بلد الحادث؛ سواء كانت هذه الجذور سياسية أو غيرها. (حسين، 1994، ص 300) .
6- من حيث التكرار:
أ- كارثة ذات طابع دوري متكرر الحدوث.
ب- كوارث فجائية عشوائية وغير متكررة. (الصباغ، 1997، ص 7).
7- من حيث الآثار:
أ- كوارث ذات آثار وخسائر بشرية.
ب- كوارث ذات آثار وخسائر مادية.
ج- كوارث ذات آثار وخسائر مختلطة.
8- من حيث القصد:
أ- كوارث عمدية تحبكها إحدى القوى وتنفذها لتحقيق أهداف معلومة.
ب- كوارث غير عمدية وإنما نتيجة إهمال وسوء تقدير ، مثل بعض الكوارث الصناعية.
ج- كوارث قضاء وقدر لا حيلة للإنسان فيها أمثال الكوارث الطبيعية كزلازل والأعاصير .. وأمواج البحر العاتية.
9- من حيث مستوى المعالجة :
أ- كارثة محلية تتعلق بدولة واحدة أو منشأة بعينها داخل الدولة وتتطلب معالجة محلية.
ب- كارثة إقليمية تتعلق بعدة دول في المنطقة تتطلب تنسيقاً إقليمياً لمواجهتها.
ج- كارثة دولية تتعلق بعدة دول أجنبية وتتطلب تنسيقاً وجهوداً دولية لمعالجتها.

1-4 السمات المشتركة للكوارث:
تتسم الأزمات والكوارث بصفة عامة ببعض الملامح المشتركة التي تحدد مدى إمكانية قبولها ككارثة .. أو هي مجرد حادث عادي لايرقى إلى أدنى مرتبة من تصنيف الكوارث والأزمات.
وفي رأي "لويس كمفورت" (L.Comfort 1988 p5) فإن هناك ثلاث سمات للكوارث تلعب دوراً في إعاقة جهود المعالجة تخطيطاً وتنفيذاً وهي عامل الشك أو عدم التأكد : Uncertainty وعامل التفاعل Interaction وعامل التشابك والتعقيد Complexity.
وفي الواقع فإن الكوارث والأزمات تتصف بعدة خصائص لعل من أبرزها : (الطيب، 1410، ص 54) :
1- إن مصدر الخطر أو الأزمة يمثل نقطة تحول أساسية في أحداث متعاقبة ومتسارعة.
2- إنها تسبب في بداية حدوثها صدمة ودرجة عالية من التوتر مما يضعف إمكانات الفعل لمواجهتها.
3- إن تصاعدها المفاجىء يؤدي إلى درجات عالية من الشك في الحلول المطروحة لمواجهة الأحداث المتسارعة نظراً للضغط النفسي ولندرة المعلومات أو نقصها.
4- بما أن الكارثة تمثل تهديدات لحياة الإنسان وممتلكاته، فإن مجابهتها تمثل واجباً مصيرياً.
5- إن مواجهة الكارثة أو الأزمة تستلزم خروجاً عن الأنماط التنظيمية المألوفة وابتكار نظم أو نشاطات تمكن من استيعاب ومواجهة الظروف الجبرية المترتبة على التغيرات الفجائية.
6- إن مواجهتها تستوجب درجة عالية من التحكم في الطاقات والإمكانات وحسن توظيفها في إطار مناخ تنظيمي يتسم بدرجة عالية من الاتصالات الفاعلة التي تهيىء التنسيق والفهم الموحد بين جميع الأطراف المشتركة ذات العلاقة. 

ثانياً : التنسيق : حجر الزاوية في المواجهة:
2-1 مفهوم التنسيق وتعريفه:
يعني التنسيق بالمفهوم العام إجراء ترتيبات في التنظيم بهدف ربط الأنظمة الفرعية للتنظيم مع بعضها بعضاً للوصول إلى أهداف محددة دون تكرار وازدواجية وبدون فجوات أو صراعات تنظيمية.
ولابد من ملاحظة الفرق بين مفهوم التعاون ومفهوم التنسيق. فالأول يعني تعامل المجموعة مع بعضهم البعض بهدف الوصول إلى أهدافهم طواعية.. أي بمحض الإرادة بينما التنسيق هو: وظيفة يتم فيها توجيه العاملين في التنظيم بشكل مقصود وبموجب سلطة بهدف الوصول إلى أهداف محددة.
وهناك العديد من التعريفات لوظيفة التنسيق منها :
‌أ- عرف ستونر Stoner التنسيق بأنه عملية تكامل نشاطات أهداف وحدات التنظيم بهدف إنجاز أهدافه بفاعلية.
‌ب- عرف موني Mooney التنسيق بأنه يعني: ترتيباً منظماً لجهود العاملين في التنظيم بهدف تحقيق وحدة العمل أثناء انجازه للوصول إلى أهداف مشتركة.
‌ج- وعرف ديموك Dimock التنسيق بأنه عملية ربط أعمال التنظيم بعضها مع بعضها الآخر بطريقة آمنة لتحقيق أهداف التنظيم. (درة وآخرون، 1415، ص 34-315)
2-2 : أهداف التنسيق:
يهدف التنسيق إلى إحداث نوع من التناغم في أداء المهام بحيث تحقق الأهداف بعيداً عن الازدواجية والتداخل في الاختصاصات. ومن أبرز أهداف التنسيق ما يلي:
‌أ- منع الازدواج في الأنشطة الإدارية، حيث قد يحدث في بعض الأحيان أن تتعدد المنظمات الإدارية التي تقوم على تحقيق أهداف واحدة أو متشابهة، وبالتالي يعمل التنسيق على تنظيم جهودها، كذلك لو احتاجت منظمة إدارية لإحصاءات وبيانات في مجال محدد فإنها تقوم بنفسها بجمع ما تحتاج إليه من بيانات، في حين أن التنسيق يعمل على توفير جهد كل منها عن طريق إيجاد جهاز إحصائي متخصص بمد هذه الوحدات بما يلزمها من بيانات وإحصاءات ومعلومات.
‌ب- إنجاز مشروعات وخدمات ذات نوعية عالية، مع العمل على تقليل المدة الزمنية والتكلفة المالية التي يستغرقها إنجاز تلك المشروعات والخدمات.
‌ج- منع التشابك والتداخل سواء داخل إدارة التنظيم أو بين مختلف التنظيمات الأخرى، كما أنه يمتد إلى تشكيل السياسات وعملية صنع القرارات والتخطيط وتحديد الأهداف وأساليب تنفيذ البرامج.
‌د- يعتبر التنسيق وسيلة وغاية، فهو وسيلة لكونه يستهدف الإسهام في تحقيق أهداف التنظيم وهو غاية حيث ينظر إليه كأساس في بناء التنظيمات الإدارية وكأحد الوظائف الأساسية التي يقع على عاتق القيادة الإدارية النهوض بها، وكذلك يعتبر أحد الأسس الواجب توافرها في التخصص وتقسيم العمل.
‌ه- يهدف التنسيق أيضا إلى توجيه النشاط الإداري على اختلاف صوره نحو تحقيق الأهداف المرسومة، والقضاء على العوامل التي من شأنها الوقوف حجر عثرة أمام بعض فروع النشاط في الإدارة على الطريق الموصل إلى تحقيق الأهداف بكفاءة.
‌و- إن التنسيق يؤدي إلى استئصال جذور التعارض والاحتكاك في الأداء من واقع العمل مع إلزام قطاعات التنفيذ المختلفة بعدم تجاوز الحدود المقررة للأداء والتقيد بالنظم واللوائح، أي أنه يعتبر مظهراً من مظاهر الانضباط التنظيمي فضلاً عن أنه يساعد على خلق علاقات عمل طبيعية داخل المنظمة والعمل على تحقيق الاقتصاد في النفقات وتكاليف التنفيذ.
‌ز- إن التنسيق يستهدف تنفيذ القرارات التنظيمية بأفضل صورة ممكنة حيث يضمن التنسيق توزيع الجوانب المختلفة للقرار على جميع الوحدات المسؤولة بطريقة مناسبة.
‌ح- إن التنسيق على مستوى جميع الأجهزة الحكومية العاملة في الدولة يضمن تنفيذ الأهداف السياسية العامة للدولة بكفاءة عالية وبالتالي يؤدي إلى تدعيم ثقة المجتمع والرأي العام تجاه هذه الأجهزة. (الأحمدي، 125، ص 59-60)
2-3 : مبادىء التنسيق:
يشير فقهاء الإدارة العامة إلى أن هناك بعض التوجيهات والمبادىء التي يمكن الاسترشاد بها عند مباشرة عملية التنسيق سواء كان هذا التنسيق داخلياً أو خارجياً أو رأسياً أو أفقياً.
ويمكن إجمال هذه التوجيهات أو تلك المبادىء فيما يلي :
‌أ- يجب أن يبدأ التنسيق مبكراً أي عند القيام بإعداد الخطة.
‌ب- يجب أن يكون التنسيق مرناً.
‌ج- أن التنسيق عمل مستمر ودائم بمعنى أنه لا يقف عند حد معين.
‌د- يوجد تناسب طردي بين ضرورة التنسيق وبين ضخامة حجم التنظيم واتساع نطاق الإدارة.
‌ه- كلما اتسع مجال الأخذ بمبدأ العمل في التنظيم كلما زادت الحاجة إلى ضرورة التنسيق.
‌و- هناك ارتباط جذري بين التنسيق كوظيفة وبين بناء التنظيم.
‌ز- التنسيق يعتمد على السلطة التي يمنحها التنظيم للإداريين كما يعتمد أيضاً على كفاءة المرؤوسين ودرجة الفهم والتعاون المتبادل بينهم.
‌ح- كلما زاد فهم الأفراد في جميع مستويات التنظيم لأهدافه وسياساته سهل تحقيق التنسيق الجيد والفعال.
‌ط- كلما كانت طرق ومنافذ الاتصال مباشرة وجيدة تحقق التنسيق بسهولة وفعالية.
‌ي- كلما انتشرت روح التعاون الاختياري بين العاملين في المنظمة كلما أدى ذلك إلى سهولة التنسيق وتحقيق ما يسمى بالتنسيق التلقائي.
‌ك- أن التنسيق يمتد ليشمل وسائل تحقيق أهداف الخطة وأساليب تنفيذ البرامج التي تتطلبها الخطة.
‌ل- سلامة التنسيق تتوقف على كفاءة القيادة الإدارية ومتانة البناء التنظيمي للجهاز الإدارية ويرى علماء الإدارة العامة أن معيار الحكم على القائد الإداري هو مدى نجاحه بالقيام بمهام التنسيق وتؤدي هذه المبادىء إلى ضمان فعالية التنسيق من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة كما أنها تؤدي دوراً مهماً في زيادة فعالية وظيفة التنسيق بين كافة المستويات الفردية والجماعية وسواء كان التنسيق داخلياً أم خارجياً. (الأحمدي، 1425، ص 57)
2-4 مجالات التنسيق:
يمكن تحديد أهم مستويات ومجالات التنسيق في الأزمات والكوارث في الآتي : (مسعود 1418، ص 13-16)

2-4-1 : التنسيق داخل المؤسسة :
ويقصد به التعليمات والأوامر التي تنظم كيفية العمل لمواطن الكوارث والأزمات وأولوياته وحدوده ومسئولية كل عنصر والمسئول عن تنسيق كل مرحلة من مراحل الأزمة وضوابط هذا التنسيق وبما يضمن الأداء الموقوت وبأقل خسائر ممكنة وفي أقصر وقت ممكن.

2-4-2 : التنسيق بين المؤسسة والمستوى الأعلى :
ويعتبر هذا التنسيق أساسياً حيث يعتبر هو اللبنة الأولى في عمل إدارة الأزمات حيث يحدد المستوى الأعلى مدى وحدود مسئولية المستوى الأدنى في مجابهة الكوارث أو التعامل مع الأزمات ويعتبر الأساس هذا في تحديد هذه المهام أن تكون من الكوارث والأزمات البسيطة والدورية والتي تدخل في إمكانية المستوى الأقل والتي تدخل في مهمته المباشرة والأساسية أما الأزمات العنيفة وغير المتكررة فهي تدخل في نطاق المستوى الأعلى ويحدد المستوى الأعلى ما هي حدود التنسيق الواجب اتباعها في كل نوع من هذه الأزمات.

2-4-3 : التنسيق داخل مركز الكوارث :
ويقصد بالتنسيق هذا العمل المتكامل الموقوت في مراحل الأزمة والكارثة حيث يهدف في مرحلة ميلاد الأزمة إلى المعاونة في إزالة الغموض والتعرف السليم على شواهد الأزمة في حين يهدف في مرحلة الأزمة إلى تنسيق جهود جمع المعلومات وتأكيد ضعف المتعاملين مع الأزمة ويهدف في مرحلة التعامل مع الأزمة إلى ضمان سرعة الأداء وتقليل الخسائر بما يقلل من تأثيرات الأزمة على مختلف قطاعات وأجهزة الدولة أو تسكينها والمتابعة الدقيقة لتوابع الأزمة وإلى ضمان التجميع السليم والموقوت للمعلومات الجديدة.
ويعتبر التنسيق بعناصر المركز المسئولية الأساسية لمدير المركز أو نائبه ويعتبر وجود منسق أو فرع للتنسيق داخل المراكز أهمية قصوى لضمان المتابعة الدقيقة والموقوتة لكل أنشطة المركز وأثناء المراحل المختلفة للتعامل مع الأزمة المحتملة ويمكن إجمال خطوات التنسيق داخل المركز بصفة عامة في الآتي :

2-4-3-1 : التنسيق أثناء مرحلة التخطيط :
ويهدف إلى ضمان استنباط السيناريوهات والقرارات السليمة لإدارة الأزمة من خلال تنسيق جمع وتصنيف وتحليل المعلومات وتحديد الأسلوب الأمثل لها وتنسيق كيفية وأسلوب طلبها وتداولها ومسئوليات العناصر المكونة للمركز، وتنسيق أسلوب التعاون بين عناصر التخطيط والتحليل من جهة، وبين عناصر جمع وتحلي المعلومات من جهة أخرى.

2-4-3-2 : التنسيق أثناء مرحلة التنفيذ:
ويهدف إلى ضمان توحيد جهود كل أجهزة إدارة الأزمات أثناء التعامل مع الأزمة سواء كانت داخل المركز أم في مناطق العمل الميدانية، وأن يكون هناك ضمان في سيولة المعلومات والأنشطة الخاصة بالمتابعة الدقيقة والموقوتة لكل خطوات تنفيذ سيناريو العمل لمواجهة الأزمة سواء داخل المركز أو خارجه، مع الاستعداد لتنسيق تدفق الجهود الإضافية لعدم تضارب اختصاصاتها أثناء إدارة الأزمة نفسها.

2-4-3-3 : التنسيق بعد انتهاء الأزمة:
ويهدف إلى ضمان التأكد من إنهاء الأزمة وطبقا للقرار السابق اتخاذه حيالها مع تنسيق تداول المعلومات الجديدة بما يضمن إعادة تقويم السيناريوهات الأخرى وتعديلها بما يتناسب مع الموقف الجديد مع تنسيق إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سواء كانت بإمكانيات المركز نفسه أو كانت بالاستعانة من مصادر أخرى.

20-4-3-4 : التنسيق بين طاقم إدارة الأزمة الميداني:
ويهدف أساساً إلى تنسيق عمل المجموعات المختلفة مع الأجهزة الإضافية والتنسيق مع مركز إدارة الأزمات التابع له الطاقم الميداني وبما يضمن أداء العمل طبقاً للتخطيط إضافة إلى تنسيق طلب المعونات الإضافية من المركز الأم حال فشل الطاقم في إدارة الأزمة الميداني بالتعاون مع قادة الأطقم الفرعية .

2-4-3-5: التنسيق بين المستويات المتناظرة
من الطبيعي أن لا يتم هذا التنسيق إلا من خلال أوامر وتعليمات يحددها المستوى الأعلى عن مهام ومسئولية كل عنصر بعدها يقوم كل عنصر بإجراء التنسيق بناء على هذه المهام والمسئوليات وتهدف هنا إلى تنسيق توقيت وإمكانات كل عنصر في منظومة إدارة الأزمة ومن المفضل أن يتم ذلك من خلال محاضر عمل مكتوبة ويصادق عليها المستوى الأعلى لكي يتأكد من ضمان التعامل مع الأزمة طبقاً لقراره وسياسته ويجب الوضع في الاعتبار أهمية وجود نظام ولوائح تحدد أساليب التنسيق لتبادل الخبرات والدروس المستفادة.

2-5 : معوقات التنسيق:
التنسيق كغيره من الوظائف الأخرى يواجه بعض العقبات بعضها يتعلق بالهياكل التنظيمية وبعضها في الأوامر والتعليمات في حين تكمن بعض العقبات في العاملين أنفسهم ومن أبرز المعوقات أمام التنسيق الفعال ما يلي :
‌أ- عدم وضوح قنوات الاتصال الأفقي والرأسي.
‌ب- عدم قدرة القيادة على ضبط الإيقاع التنسيقي بين الوحدات العاملة.
‌ج- الطمع والأنانية وحب الظهور من قبل بعض العاملين مما يؤثر سلباً على إنسيابية الأداء نحو الأهداف.
‌د- تضارب الأوامر والتعليمات والقرارات المرتجلة.
‌ه- التعارض في المصالح والتباين في تحديد الأهداف.
‌و- عدم الجدية في العمل على تحقيق الأهداف من قبل البعض مما يولد ضعف الانسجام بين الوحدات.
ويرى كل من لورنس ولورش Lorsh & Lawrence أن هناك أربعة أنواع من الخلافات في المواقف وأنماط العمل بين الوحدات التنظيمية المختلفة والتي تحول دون التنسيق بفاعلية بين أنشطة التنظيم وهذه الخلافات هي :
- الخلافات في التوجه نحو الوصول إلى أهداف معينة.
- الخلافات حول الوقت.
- الخلافات بين الأشخاص.
- الخلافات حول الهيكل التنظيمي.
وعلى أية حال فإن بيئة التنظيم بشكل عام تؤدي دوراً مهماً في نجاح أو فشل وظيفة التنسيق. فالهيكل التنظيمي ونمط اختيار العاملين وتدريبهم وتوجيههم وتأقلم العاملين والتعاقد السيكولوجي ومشاركة العاملين في عملية اتخاذ القرارات .. كل ذلك يولد لديهم الالتزام والولاء التنظيمي مما يسهل وظيفة التنسيق لخدمة مصلحة التنظيم (دره وآخرون، 1415، ص 328).
2-6: عوامل نجاح التنسيق:
ولكي يصبح التنسيق فعالاً يسهم في تحقيق الأهداف فلابد من توافر العديد من العوامل .. لعل من أهمها :
أولاً : أن يتفهم المديرون طبيعة وظيفة التنسيق وأهداف المنظمة المطلوب تحقيقها خلال أية فترة زمنية. ذلك أنه إذا لم يكن المدير على معرفة تامة بالأهداف المطلوبة فإن من الصعوبة عليه شرح وتوصيل المعلومات إلى مرؤوسيه وتحديد ما يطلب منهم من أعمال.
إن عملية التنسيق بلاشك هي عملية اتصالات وتبادل معلومات وإذا لم يكن الشخص المكلف بها على علم تام بمضمون هذه المعلومات فإنه لا يستطيع بالتالي أن يوصلها إلى مراجعها كما ينبغي. وقد يؤدي ذلك إلى أن يستقبل منه الأشخاص هذه المعلومة بطرق مختلفة وتكون النتائج عندئذ اختلاف بين ما هو مطلوب وما ينفذ أو ما قد نفذ.

ثانياً : أن يتم التنسيق في المراحل الأولى من تحديد الأهداف والخطط واتخاذ القرارات حتى لا تقوم الإدارات، أو الأقسام، أو الأفراد باتخاذ سلسلة لاحقة من القرارات والسياسات متناقضة مع بعضها البعض.

ثالثاً : من المفيد أن يشترك العاملون على تنفيذ الخطط في التنسيق لكي يشعروا بأهمية مواقعهم وكذلك أهمية التوافق بين الأفكار والنتائج بين الإدارات المختلفة نحو تحقيق الأهداف المرسومة.

رابعاً : ولكي يحقق التنسيق أهدافه فلابد من أن تحس الإدارة بمطالب الإدارات والأفراد وتعمل على تحقيقها. ذلك أنه من الصعب أن تطلب الإدارة من الفرد أن يؤدي عملاً على نحو ما وفي حدود وقت معين إذا كانت احتياجات هذا الفرد بعيدة من التحقيق. كذلك فإن على الإدارة يجب أن توفر الاحتياجات المطلوبة للأقسام المختلفة.

خامساً : لابد وأن يكون هناك توافق بين الإدارات المختلفة لكي يتم تحقيق فعالية التنسيق الأفقي. فالتنافر بين مديري هذه الإدارات والتصارع على تحقيق المكاسب الشخصية أو الذاتية لكل إدارة على حدة قد يخل بمبدأ توحيد الجهود المشتركة نحو تحقيق الأهداف وهو ما يهدف إليه التنسيق. (علاقي، 1405، ص 194)

ثالثاً: نحو نموذج للتنسيق في مواجهة الكوارث:
تبرز وظيفة التنسيق كأهم وظيفة إدارية خصوصاً أوقات الطوارىء وفي خضم الأزمات والكوارث. يشار بالبنان إلى التنسيق كمسئول عن الإخفاق فيما لو حدث .. في حين يشار إليه أيضاً في حالات النجاح وبأن ما حدث من تناغم بين الإدارات وتنسيق متقن كان الفيصل فيما تحقق من إنجاز. 
ونظراً لكون مواجهة الكوارث ليست مهمة فردية وإنما مسئولية جماعية تشارك فيها العديد من الجهات الرسمية والأهلية .. فقد برزت الحاجة إلى ضرورة إيجاد نموذج تنسيقي لمواجهة هذه الكوارث تتحقق من خلاله انسيابية العمل بعيداً عن الازدواجية والتعارض، وصولاً إلى مواجهة ناجحة في التعامل مع الكوارث.
ومن هذا المنطلق فقد حاول الباحث في هذه الورقة إعداد تصور لهذا النموذج التنسيقي (Model) أملاً بأن يضيف جديداً في مجال مواجهتنا للكوارث والأزمات.
هذا ونظراً لأن مواجهة الكوارث مسئولية جماعية تشارك فيها مختلف الأجهزة الرسمية والأهلية وبالنظر إلى أن لجان الدفاع المدني في المناطق تقتصر فقط على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة .. فإن الضرورة تتطلب التنسيق مع فعاليات أخرى على مدار العام وذلك كاستعداد وتهيؤ لمواجهة الكوارث المحتملة والمفاجئة.
لذلك فإن النموذج يطرح تصوراً بأن يقوم المكتب التنسيقي بالتعاون مع الأجهزة الحكومية والأجهزة الأمنية والعسكرية والقطاع الخاص (المؤسسات والشركات التي بحسب تخصصها قد تسهم في مواجهة الكوارث) وبعض مؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى المتطوعين من المواطنين والمقيمين.
ولم يستثن النموذج التنسيقي الإقليمي والدولي لمواجهة الكوارث وذلك حسب طبيعة الكارثة وعما إذا كانت هناك مصلحة مشتركة مع أحدى الدول في مواجهة بعض الكوارث. المهم أن يتم ذلك بالتنسيق مع الإدارة العامة للحماية المدنية وفق ما يصدر من توجيهات عليا.
3- تتمحور مهام المكتب التنسيقي لمواجهة الكوارث في المناطق في ثلاث مراحل كما يتضح في النموذج :
‌أ- تنسيق قبلي (أي قبل حدوث الكارثة).
‌ب- تنسيق آني (أثناء انفجار الكارثة).
‌ج- تنسيق بعدي (بعد انتهاء مواجهة الكارثة).
وكل مرحلة تتطلب نمطاً خاصاً من التنسيق تبعاً لطبيعة المرحلة وهي على النحو التالي:
أ- مرحلة التنسيق "القبلي":
تسبق هذه المرحلة حدوث الكارثة وتمتد على مدار العام بحيث يقوم المكتب التنسيقي وفق إجراءات علمية منهجية بحصر الجهات ذات العلاقة بالكوارث وإدارتها والتي من الممكن أن تساهم في مواجهة ما قد يحدث من كوارث. هذه الجهات تشمل القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمتطوعين. ويفترض في هذه المرحلة الوقوف على إمكاناتهم ومدى قدرتهم على المساهمة في مواجهة الكوارث .. وتخزين كل هذه المعلومات لدى المكتب للرجوع إليها بسهولة عند انفجار الكارثة.
ويقوم المكتب التنسيقي في هذه المرحلة بالتنسيق مع هذه الأجهزة بعدة أساليب:
(1) الإجتماعات الدورية بين ممثلي هذه الأجهزة لبحث أسس المواجهة ومدى إمكانية إسهام كل جهة في ذلك.
(2) اللجان ذات الأهداف المحددة والمشكلة من بعض الجهات ذات العلاقة لدراسة أحد جوانب المواجهة.
(3) إعداد إجراءات عمل وتصميم نماذج للتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وذلك للاستفادة منها في تيسير المواجهة مع الكوارث.
(4) العمل على إعداد سيناريوهات لمواجهة الكوارث .. بعد حصر الكوارث المحتمل حدوثها في المنطقة.
(5) إجراء تجارب تشبيهية لمواجهة الكوارث بالاشتراك مع الجهات ذات العلاقة بحيث تتحقق التوعية والتدريب على مواجهة مثل هذه الأحداث.
ب- مرحلة التنسيق "الآني:
وهذه المرحلة هي المواجهة الحقيقية مع الكارثة .. ويتوقف النجاح فيها على مدى النجاح في المرحلة السابقة (التنسيق القبلي) إذ يتم خلالها تطبيق الخطط المعدة سلفاً . خلال المواجهة مع الكارثة يتطلب الأمر استخدام غرفة عمليات مشتركة مجهزة بكافة العناصر الفنية والوحدات التقنية الحديثة، غرفة العمليات المشتركة تتكون في العادة من وحدة المعلومات ووحدة الاتصال ووحدة العمليات .. إضافة إلى مندوبين للأجهزة ذات العلاقة بإدارة الكارثة. هؤلاء المندوبون يفترض أن يكون لديهم الإلمام الكامل بأعمال إداراتهم ويملكون صلاحية أوسع في اتخاذ القرار.
ح‌- مرحلة التنسيق "البعدي" :
بعد انطفاء الكارثة وإخمادها .. تأتي هذه المرحلة البعدية والتي لا تقل أهميتها عن المرحلتين السابقتين . وتنحصر مهام المكتب التنسيقي في هذه المرحلة في الآتي :
(1) إصلاح الأضرار : لكل كارثة أضراراً مادية ومعنوية .. لذلك يفترض أن يقوم المكتب التنسيقي وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة إصلاح هذه الأضرار وإعادة الأوضاع إلى الأفضل.
(2) التقييم والدروس المستفادة : بعد انتهاء مواجهة الكارثة .. لابد من تقييم ما حدث سواء من ناحية أسبابه وتطوراته أو أساليب مواجهته يجب الاستفادة من النجاح لتعزيزه وترسيخه .. ومن الإخفاق في دراسة أسبابه والعمل على معالجتها. إن الدروس المستفادة هي الثمرة التي يجب أن نجنيها من الكوارث.
(3) العمل على الاستعانة بمراكز البحوث والدراسات وتزويدهم بمعلومات عن الكارثة وذلك لإعداد دراسات علمية تخدم التعامل المستقبلي مع ما قد يحدث من كوارث وأزمات . أن هذه المرحلة هي الأنسب في إعداد مثل هذه الدراسات نظراً لانخفاض التوتر ووجود حصيلة جيدة من المعلومات حول ما حدث.
(4) بعد انقضاء الكارثة لابد، أن نقول للمحسن أحسنت وللمقصر قصرت .. لذا فإن هذه المرحلة تتطلب التحقيق في ما حدث والعمل على تكريم الجهات والأفراد الذين أبلوا بلاء حسناً في مواجهة الكارثة .. وأيضاً العمل على مساءلة المقصرين وذلك من باب الحفز والردع .
هذا النموذج الذي تم استعراضه باقتضاب يهدف إلى تيسير تطبيق نظام الدفاع المدني في مواجهة الكوارث .. ويمكن تطبيقه في كافة مناطق المملكة الثلاث عشرة.. ومن الممكن تطويره إلى الأفضل على ضوء ما قد يستجد من معلومات من واقع التطبيق على أرض الميدان.

المراجع الرئيسية
• الأحمدي. عبدالعزيز سعد. مدى إسهام مركز القيادة والسيطرة في تنسيق العمليات الأمنية في موسم الحج. رسالة ماجستير. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض 1425هـ.
• حسين. شرف الدين وعلوي امجد علي ويحيى الدين حسين. ادارة الأزمات الآنية بين النظرية والتطبيق. مجلة الأمن والقانون. كلية شرطة دبي العدد (1) يناير 1994.
• دره . عبدالباري وموسى المدهون وإبراهيم الجزراوي . الإدارة الحديثة المركز العربي للخدمات الطلابية . عمان / الأردن 1415هـ.
• السعدان. عبدالله محمد . مدى التنسيق بين الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية . رسالة ماجستير جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية . الرياض 1419هـ .
• الشعلان . فهد أحمد . إدارة الأزمات : الأسس ، المراحل ، الآليات . الشركة الوطنية للتوزيع . الرياض طبعة ثانية 1423هـ.
• الصباغ . زهير نعيم . دور إدارة الموارد البشرية في إدارة الأزمات . المؤتمر السنوي الثاني لإدارة الأزمات والكوارث . جامعة عين شمس . القاهرة 1997.
• الطيب . حسن البشر . إدارة الكوارث . مجلة الإدارة العامة . معهد الإدارة العامة . الرياض العدد 65 رجب 1410هـ.
• العربي . عثمان . الأزمات والكوارث. محاضرة مقدمة في الدورة التدريبية . الإعلام أثناء الكوارث والأزمات). كلية التدريب .. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض 1997.
• عز الدين . أحمد جلال . إدارة الأزمة في الحدث الإرهابي. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض 1411هـ.
• علاقي . مدني عبدالقادر . الإدارة .. دراسة تحليلية للوظائف والقرارات الإدارية . تهامة . جدة 1405هـ.
• اللحياني . مساعد منشط . الحماية المدنية . مطابع المجموعة الإعلامية . جدة 1414هـ.
• مسعود. عادل عبده . أوراق في إدارة الأزمات والتفاوض دورة إدارة الأزمة . كلية التدريب . جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض 1418هـ.
• هيجان . عبدالرحمن أحمد. وإبراهيم عمر بن طالب . تقييم مدى تطبيق لجان الدفاع المدني في مناطق المملكة لمراحل إدارة الكوارث. ندوة إدارة الكوارث في المملكة العربية السعودية الواقع والمنظور . معهد الإدارة العامة . الرياض 1418هـ.
• نظام الدفاع المدني السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/10 تاريخ 10/5/1406هـ.
• Komfort. Louise K. Designing Policy for Action. In Louise K. Komfort "eds" Manging Disasters Duke University Press. Durhan 1988.