الفيدرالية والكونفدرالية.. الانفصال والتقسيم وجهان لعملة واحدة
الثلاثاء, 13-مارس-2012
طلال قديح -

قالت العرب: "تمخّض الجبل فولد فارا".. وهذا المثل يصدق بشكل كبير على الحالة العربية الراهنة والتي كانت نتيجة للربيع العربي، وثمرة من ثماره وإن كانت من المرارة التي يمجها كل ذي ذوق سليم ويأباها العقلاء الذين عاشوا حياتهم يحلمون بالوحدة العربية، وتغنوا بها ورددت ألسنتهم شعاراتها وهتفوا لها من أعماق قلوبهم ورددوا نشيدها الخالد:

بلاد العرب أوطاني/ من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمـن/ إلى مصر فتطوان

كل هذا تبخر للأسف مع الواقع الأليم الذي نقاسيه والذي تبخرت فيه كل الآمال والأحلام وبتنا ندعو الله ألا تتفاقم الأمور إلى أبعد من ذلك.

كفانا أن السودان البلد العربي الكبير أصبح سودانين، والعلاقة بينهما ليست علاقة أخوية كما ينبغي أن تكون، بل هناك مناوشات وتصريحات عدائية..!! ونخشى كثيرا أن تصيب العدوى أقطارا عربية أخرى.

وفي اليمن السعيد بدأت تظهر على السطح دعوات صريحة لانفصال الجنوب عن الشمال.. ولا ندري ما الذرائع التي تساق لهذا الغرض؟! وكأنه لم يكف الحراك اليمني تخلي الرئيس السابق علي صالح لتؤول الأمور إلى رئيس جديد منتخب ديموقراطيا؛ لكن دعاة الانفصال ماضون في مخططهم حتى النهاية..

وليبيا وما أدراك ما ليبيا! هذا البلد الواسع الذي يحتل موقعا استراتيجيا هاما، وتختزن أرضه ثروة نفطية هائلة يسيل لها لعاب الغرب وتداعب أحلامه منذ زمن بعيد.. ليبيا عمر المختار هذا الثائر المناضل الذي أقض مضاجع الاستعمار الإيطالي وحارب حتى أُعدم.. فأصبح اسمه نبراسا يهتدي به المناضلون في كل زمان ومكان.

إن ليبيا عمر المختار بعد الثورة على نظام القذافي تتعرض اليوم لمؤامرة خبيثة تستهدف وحدة ترابها الوطني، وسمعنا من ينادي بفيدرالية تنتظم أقاليمها المختلفة.. وهي مسميات مقنّعة تخفي وراءها رغبات انفصالية.. بدأت في برقة ذات المخزون البترولي الأكبر..

إن هذا التوجه جد خطير وهو مقدمة - لا قدر الله- للأقاليم الأخرى لتحذو حذوها فتتفتت ليبيا إلى دويلات وهذا بلا شك يصب في مصلحة أعداء ليبيا وأعداء العرب جميعا، وهذا ما خططوا له من قبل، لكن الظروف لم تسعفهم، ووجدوا الآن فرصة مواتية فاهتبلوها بسرعة ليسوّقوا مشاريعهم وأفكارهم التي ظلت كامنة سنوات طويلة.. وهم لن يجدوا أفضل من مناخ الربيع العربي الذي عصفت أعاصيره بكل الثوابت التي عرفناها وترعرعنا عليها..

إننا نهيب بالشعب الليبي العظيم أن يتصدى لهذه الدعوات بتعزيز وحدته الوطنية والتفافه حول مشروع وطني يلبي طموحات الجميع بعيدا عن القبلية والعنصرية.. فبقاء ليبيا موحدة أمر ثابت لا مجال فيه لاجتهاد من هنا أو هناك. وينبغي أن يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المتاجرة بوحدة التراب الليبي.

لا تسيئوا إلى ثورة ليبيا العظيمة التي حققت في فترة وجيزة إنجازا عملاقا يباهي به أبناؤها ويفخرون. إن من يدحر الظلم بهمته ونضاله لا يمكن أن يستكين ويقبل أن تضيع مكاسبه وتنتهي بفيدرالية منمقة تخفي وراءها شرا مستطيرا يعصف بالبلاد والعباد...

نحن على ثقة كبيرة أن أحفاد البطل عمر المختار سيواصلون السير في دربه وفق النهج الذي اختطه لهم.. ولن يرضوا بغير ذلك بديلا مهما كان الثمن غاليا ومهما كانت التضحيات عظيمة.

إن ليبيا العظيمة لتبقى موحدة يهون في سبيلها الغالي والنفيس.. وستبقى عربية التاريخ والوجه واللسان.. وستظل قلعة حصينة شامخة من قلاع العروبة..

حفظ الله ليبيا من كل شر يبيّت لها.. وسلمت أبد الدهر آمنة مطمئنة، سعيدة منيعة.



نقلاً عن : صحيفة العرب