لا تغتالوا ديمقراطيتنا الناشئة!!
السبت, 15-أكتوبر-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -
لم تكتف القوى الانقلابية والمتمردة والخارجة على النظام والقانون بما أحدثته من أضرار وخراب ودمار وفوضى وفتن، وما تسببت فيه من أذى في حق الوطن اليمني وشعبه، وما ألحقته من خسائر بالاقتصاد الوطني جراء الأزمة التي افتعلتها منذ أكثر من تسعة أشهر عجاف، تخللتها أعمال العنف والممارسات غير المسؤولة، والتجاوزات الفجة للدستور والأعراف والقوانين، لم تكتف تلك القوى بذلك وما نتج عن هذه الأحداث من سفك للدماء وإزهاق للأرواح بل أنها وبمجرد أنْ شعرت بإخفاقها وفشلها الذريع في تنفيذ أجندتها ومخططها الرامي إلى إسقاط النظام اتجهت إلى تحريض الخارج واستعدائه على بلادها ومطالبة الآخرين بالتدخل السافر في شؤوننا الداخلية، ووصل الأمر بها حدّ دعوة مجلس الأمن إلى فرض عقوبات على وطنها ومعاقبة أبناء شعبها ولا ندري كيف يمكن ليمني أن يستنجد بالآخرين لكي يعينوه على وطنه وأبناء جلدته.
ومع أننا كنا لا نصدق أن يجنح البعض إلى هذا السلوك المقيت، غير أننا وجدنا هذا البعض يجاهر بذلك في خطابه الإعلامي والسياسي ويفصح عن ذلك دون حياء وخجل في وسائله الإعلامية وطالما أن هناك من لديه الاستعداد لرهن سيادة وطنه للخارج، ولديه الاستعداد أيضا لأن يكون أداة لخدمة الأجندة الخارجية، فلا غرابة أن تبدي بعض الأطراف الدولية حماسا شديدا لنقل السلطة في اليمن بعيداً عن إرادة شعبه، ولا مثيل لهذا الحماس سوى ذلك الحماس الذي تظهره هذه الأطراف الدولية لإعاقة الجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع في البلدان التي عصفت بها رياح ما يسمى بالربيع العربي.
ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن تأتي مثل هذه المواقف من دول سبق لها أن وصفت الانتخابات الرئاسية التي شهدها اليمن عام 2006م بأنها من أنزه الانتخابات في المنطقة وأنها جرت وفق المعايير الدولية، وأن التنافس فيها اتسم بالتكافؤ والفرص المتساوية، ولم تكن هذه الشهادة قد جاءت رجما بالغيب أو لمجرد المجاملة وإنما كانت حصيلة لتقارير ميدانية خرجت بها بعثات المراقبين الدوليين والأوروبيين التي عايشت مجريات العملية الانتخابية لحظة بلحظة من بدايتها وحتى النهاية.
وإذا كان هؤلاء قد شهدوا بنزاهة الانتخابات الرئاسية اليمنية ووصفوها بالأنموذج الديمقراطي الذي يتمنون أن يحتذى به في المنطقة، فكيف لهم أو لبعضهم أن يطالبونا اليوم بالنكوص عن ذلك الاستحقاق الديمقراطي، والقفز عليه؟
وهل من المنطق أن يدعى من وصل إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع وانتخبته الغالبية العظمى إلى ترك السلطة والتخلي عن حقه الشرعي والدستوري في إكمال فترته، والإيفاء بالتزاماته لناخبيه وهم سواد الشعب الأعظم، لمجرد إرضاء أقلية فشلت في الحصول على ثقة الناخبين وتسعى إلى تحقيق ما أخفقت فيه ديمقراطيا بالأمس عن طريق الاعتصامات والتظاهرات وأعمال الفوضى والتخريب؟
ولو أن المعارضة البريطانية التي لم تصوت لحزب المحافظين وحلفائه في الحكم خرجت إلى الشارع تطالب بإسقاط الحكومة، هل كنا سنجد طرفا أوروبياً أو دولياً يطالب المستر ديفيد كاميرون بتسليم السلطة بعيداً عن إرادة الناخبين؟ أم أن المعايير تختلف بين ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا، وبين ما يأخذون به في بلدانهم وما يريدونه لنا..؟!
والأشد إيلاماً أن يتجاهل هؤلاء الغربيون حق شعوبنا في أن تختار من يحكمها.
ومن يتعامل بهذه الازدواجية لا نعتقد أنه يشجع على إرساء قاعدة التداول السلمي للسلطة في اليمن أو في غيره لأنه لو كان مع هذا المبدأ لأدرك أنه لا سبيل إلى مثل هذا التداول سوى الانتخابات والاحتكام لإرادة الشعب واحترام أزمنة وآلية الاستحقاقات الديمقراطية، والابتعاد عن أساليب الانقلابات والتحريض عليها لأنه لا فرق بين أن تغتصب السلطة عن طريق الدبابة أو عبر الفوضى والتظاهر والاعتصام.
فيا دعاة الديمقراطية، لا تغتالوا ديمقراطيتنا الناشئة ولا تعودوا بنا إلى أزمنة الصراعات والاقتتال على السلطة.