من التطرف إلى الإرهاب: نظرة في الداء دوافعه وسبل معالجته
الثلاثاء, 21-أكتوبر-2008
عبود الصوفي -

التطرف في اللغة معناه: الوقوف في الطرف، بعيداً عن الوسطية وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي ، ثم أنتقل إلى المعنويات ، كالتطرف في الدين أو الفكر أو السلوك. والنصوص الإسلامية تدعو إلى الاعتدال، وتحذر من التطرف الذي يعبر عنه في لسان الشرع بعدة ألفاظ منها" الغلو" و" التنطع" و" التشديد"، فالإسلام منهج وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد والتعبد والتنسك والأخلاق والسلوك والمعاملة والتشريع .
وهذا المنهج هو الذي سماه الله" الصراط المستقيم"، وهو منهج متميز عن طرق أصحاب الديانات والفلسفات الأخرى من " المغضوب عليهم" ومن " الضالين" ، التي لا تخلو مناهجهم من غلو أو تطرف.
و" الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام ، وهي إحدى الخصائص المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها " " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " البقرة : 143.
والواقع أن الذي ينظر في هذه النصوص يتبين بوضوح أن الإسلام ينفر أشد النفور من هذا الغلو،ويحذر منه أشد التحذير .يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ".
وسبب ورود الحديث ينبهنا إلى أمر مهم هو أن الغلو قد يبدأ بشيء صغير ، ثم تتسع دائرته ، ويتطاير شراره . وقال الإمام بن تيمية أن هذا التحذير " إياكم والغلو في الدين " عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال ، والغلو: مجاوزة الحد. والنصارى أكثر غلواً في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن ، يقول تعالى : " لا تغلوا في دينكم" النساء:171. ومن أجل ذلك قاوم النبي صلى الله عليه وسلم كل اتجاه ينزع إلى الغلو في التدين ، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف ، مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال الذي جاء به الإسلام (1).

التطرف الديني
إن العالم اليوم يزخر بأنواع من التطرف منه ما يتعلق بالدين ومنه من يتعلق بالسياسة ، ومنه ما يتصل بالفكر ومنه ما يتصل بالفكر ومنه ما يتصل بالسلوك . وإذا نظرنا إلى التطرف الديني وجدناه في كل بلاد الدنيا شرقا وغربا شمالا وجنوبا المتطرفون الدينيون غير المسلمين يعلنون عن أنفسهم بأقوال وأعمال وتصرفات تتسم بالتزمت أو العنف ومع هذا لم ينكر العالم عليهم ما أنكره على من سموهم المتطرفين المسلمين ولم تقف دولهم منهم موقف دول البلاد الإسلامية من هؤلاء.. رأينا التطرف الديني اليهودي في دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل ) ويتمثل في أحزاب ومنظمات تصرح بأهدافها وتعلن عن مبادئها في غير وجل ولا خجل بل أن الدولة المغتصبة نفسها ما قامت إلا بوحي هذا التطرف.
يقول الشيخ ابن بيه :" وإذا كانت هناك ممارسات في العالم الإسلامي وعنف واقتتال فيمكن أن نؤكد أن الإسلام
لا يأمر بذلك فالإسلام رحمة وسلام وعدل وهو بحق كما يقول ابن القيم :" إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها، ورحمة كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجوار وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة(2). فالإسلام بطبيعته يناقض التعصب والانغلاق ويعتبره من الجاهلية وآفاتها ونخوتها وتعاظمها بالآباء وسفهها لان أسوار التعصب المحتمل أو العارض لا يلبث أن يكسر بمجرد الإيمان والدخول بالإسلام .

عالمية التطرف
نكبت البشرية في فترات متفاوتة من تاريخها بأنظمة سياسية تعتمد علي الإرهاب أسلوبا ووسيلة لتحقيق أهدافها وأطماعها بغض النظر على مدى مشروعية تلك الوسائل والأساليب ودون أن تلقي بالا إلى النتائج الخطيرة التي تترتب على ممارستها لأساليبها الإرهابية في مواجهة خصومها سواء في الداخل أو في الخارج ؛وكأن قادة تلك الأنظمة السياسية وأقطابها الفاعلة قد اتخذت من مبدأ ميكافيللي القائل بأن : (الغاية تبرر الوسيلة) مثلا أعلى ينبغي مراعاته والالتزام به في كافة التصرفات والممارسات في مواجهة الغير سواء كان هذا الغير أفراد أو جماعات أو حتى دولا ذات سيادة.
وللإرهاب الحديث أو المعاصر أنماط مختلفة أهمها:
- إرهاب الدول وهو ما تقوم به دولة بعمليات إرهابية بواسطة عملاء مثل(الموساد) الإسرائيلي الذي ينفذ عمليات خطف أو اغتيال لبعض الناس ومنهم من أعضاء الحركات التحريرية في فلسطين وغيرها من ابرز الأمثلة على الإرهاب الرسمي هو الإرهاب الصهيوني الذي يمتد بجذوره إلى العقيدة الصهيونية والى الأهداف التي حددتها الصهيونية منذ نشأتها التنظيمية إلى طبيعة الأهداف الإمبريالية التي من اجلها قام الغرب بتشجيع الفكرة الصهيونية والتي تتلخص بالتآمر على نهضة الجماهير العربية وتحررها(3).
لقد أدانت قوى ومنظمات الشرعية الدولية إرهاب الدولة الرسمي الذي يعبر عن تطرف الدول ومثال على ذلك القرار الاممي رقم 61/40 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأربعين وفيه أيضاً الطلب إلى جميع الدول أن تفي بالتزاماتها التي يفرضها عليها القانون الدولي،بالامتناع عن تنظيم الأعمال الإرهابية في دول أخرى أو التحريض عليها أو المساعدة على ارتكابها أو المشاركة فيها او التغاضي عن أنظمة تنظيم داخل أراضيها بغرض ارتكاب مثل هذه الأعمال(بند6).وفيه أيضا "أن تهتم بالقضاء التدريجي على الأسباب الكامنة وراء الإرهاب الدولي وان تولي اهتماما خاصاً بجميع الحالات بما فيها الاستعمار العنصرية والحالات التي تنطوي على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والحالات التي يوجد فيها احتلال أجنبي التي يمكن أن تولد الإرهاب وتعرض السلم والأمن الدوليين للخطر".

أهم الدوافع
-الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي انعكست في صورة تدهور مطلق على جميع المستويات معيشة الطبقات الشعبية وتفاقم التفاوت الفاحش في توزيع الدخل وما افرز ذلك من نشوء طبقة اجتماعية صغيرة محتكرة للقسم الأكبر من الثروة الوطنية وجماعة شعبية مهمشة ومرمية في الأحياء الفقيرة ومدن الصفيح من دون أمل ومن دون مستقبل هذا المزيج الانفجاري من القلق على الذات وتشوش الوعي بالهوية وانحلال عرى الوطنية ومن الاختناق الناتج من عدم وجود أي أمل في التغيير السلمي للأوضاع ومن الاندحار اليومي والمستمر إلى الزاوية المظلمة من المجتمع والتاريخ هو الذي شكل وقود جماعة العنف والتطرف ومحركها.
-كما مثل خروج الحكام عن حدود الصلاحيات الدستورية المخولة لهم واستبدادهم وطغيانهم دافعاً محورياً للعديد من الحركات الإرهابية عبر مختلف الفترات الزمنية وفي مختلف دول العالم، ولعل ابرز مثل يساق في هذا الخصوص هو إرهاب الحركات الفوضوية العدمية التي وجهت أنشطتها الإرهابية ضد القيصر وأتباعه ثم ضد فكرة الدولة على وجه العموم(4).
-السيطرة الاستعمارية لبعض الدول وكافة صور العنصرية والتمييز العنصري والسياسات العدوانية واستخدام القوة من جانب بعض الدول والتدخل في الشئون الداخلية والاحتلال الأجنبي وممارسة أعمال القمع والعنف بهدف السيطرة على بعض الشعوب أو إجبار بعض السكان على التخلي عن أراضيهم عنوة وكرهاً.
-احتلال الأراضي العربية: يستطيع المتأمل في الخط البياني لهذه الممارسات منذ عام 1967م وللسياسات(الإسرائيلية) التي تحكمها أن يلاحظ توافقه مع الخط البياني للتطرف الديني، وقد رأينا كيف زادت نسبة هذا التطرف في أعقاب تشبث(إسرائيل) باحتلال الأراضي العربية بعد حرب 1973م ثم في أعقاب يوم الأرض في فلسطين المحتلة عام 1976م ثم في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام1978م وعام1982م وليس لنا أن نستغرب حدوث مزيد في أعقاب هذه العمليات الحربية العدوانية الإسرائيلية على لبنان في الأسبوع الأخير من شهر تموز/يوليو1993ثم رأينا كيف زادت هذه النسبة مع تصعيد الإرهاب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي للمقاومين للاحتلال منذ عام 1967 وللمنتفضين منذ عام1987م وحتى الآن.
-من أسباب التطرف أو العنف تضييق قنوات الحوار وتكميمها في أضيق الحدود بما يكرس العنف والتزمت الديكتاتوري أحيانا وحتى وان وجدت بعض القنوات الحوارية فهي لا تتعدى الجانب الظاهري دون الإيمان بفلسفة الحوار طريقا للخلاص من ظاهرة العنف والتمرد هذا بدوره يؤدي إلى تعزيز فكرة الشعور بالظلم وتكريس مشاعر القنوط والإحباط والسخط التي تؤدي إلى العنف شئنا أم أبينا.
-ثمة سبب رئيسي في تغذية التطرف في البلاد العربية يتمثل في سياسات الهيمنة الأجنبية في المنطقة والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وقد جاء صدور قرار مجلس الأمن رقم1483 لتسبغ الأمم المتحدة حيث أكد القرار الاعتراف للولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأنهما سلطة احتلال في العراق ومن هذا الوقت بدأت الولايات المتحدة موجة جديدة من الاستعمار التقليدي بعد أن كادت لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة توصد أبوابها.
وقد أحدث الاحتلال الأمريكي الإنجليزي للعراق تداعيات خطيرة على الفضاء العربي سواء من حيث التأثير على الوجود السيادي لهذا الفضاء أم بتحويل منطقة الفضاء العربي إلى منطقة نفوذ أمير كية خالصة وبين هذا وذاك ثم ضرب الرابطة القومية من خلال إنهاء العمل بمفردات الأمة العربية والعالم الإسلامي والوطن العربي والصراع العربي"الإسرائيلي"إلى إشاعة مفردات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول العربية والصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي" والسوري_"الإسرائيلي"واللبناني-"الإسرائيلي"..وإشاعة التوافق على حدود سيادة الدولة العربية هو ما تراه الولايات المتحدة متوائما مع مصالحها وليس كما جاء بالفقه التقليدي للقانون الدولي.
إن هذه السياسات التي تمكن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وتسكت عن ممارسته المتحدية للشرعية الدولية وتحول دون قيام الأمم المتحدة بدورها في مواجهة العدوان وتعتمد معيارين في مواقفها تثير الغضب والنقمة وتدفع إلى اللجوء للفكر المتطرف ومن ثم ممارسة العنف في مواجهتها(5).
-وتبلغ الأسباب هنا منتاها حين تلجأ السلطات إلى استخدام العنف والتعذيب البدني والنفسي داخل السجون والمعتقدات التي يساق الناس إليها بالسياط ويعاملون فيها ادنى مما تعامل الحيوانات في الحظائر(6).
ومن هذا المنطلق انتشرت موجة تكفير الناس بالجملة وتفرعت عن هذه الفكرة الأساسية أفكار فرعية متطرفة أخرى.أنها سنة الحياة المشاهدة المجربة:إن العنف لا يولد إلا عنفاً وشدة الضغط لا يكون من ورائها إلا الانفجار.

في سبيل العلاج
لا يمكن التصور أن لمسة سحرية تعالج التطرف والعنف وتعيد المتطرفين إلى خط الاعتدال فإن الأمراض تتعلق بأنفس البشر وعقولهم وهي أعمق واعقد من أن تعالج بهذه السهولة وإذا كان من الأسباب ماهو فكري،وما هو نفسي وما هو اجتماعي وماهو سياسي فان العلاج ينبغي أن يكون كذلك :فكرياً ونفسياً واجتماعياً وسياسياً.
يبدو أن الطريق الوحيد في مقدمة الطرائق الذي يفتح بابه أمامنا هو الحوار العلمي الصحيح الذي تحكمه الرغبة في التعاون والمحبة والتسامح لأنه الباب الذي سيفتح أمامنا الكثير من الأبواب الأخرى في مواجهة العنف والعدوان والتطرف والاضطرابات النفسية الاجتماعية .
فسلاح الحوار ارقي وأقوى من سلاح العنف نفسه وذلك بان ثقافة العنف لا تبرهن إلا علي عجز صاحبها في المواجهة الفكرية أو تصوره في القدرة على إقامة الحجة على الخصم أو المناوئ في حين أن الحوار لا يتولد إلا عن تمكن في قوة العقل، ولا ينشأ إلا عن قدرة فكرية على المواجهة وشجاعة في الصدع بالرأي لبلورة الاختلاف ثم محاولة تجاوزه أو التضييق من شقته على الأقل(7).
لقد اثبت الحوار انه الحل على المستوى السياسي كما في ايرلندا الشمالية وكما في أسبانيا مع منظمة(إيتا) وغير هذين المثلين هناك الكثير لان عدم الاعتراف بالحوار وغلق جميع قنوات التعبير الشرعي عن الرأي يكون حافزاً لتحريك العنف لدى فئات عريضة من المجتمع.
ومن جهة أخرى، فان الكثير من دعاة العنف والتطرف والتزمت يفقدون في الحقيقة منهجية الحوار بما يؤدي إلى التشكيك بمنطلقاتهم الفكرية وضعف ولائهم وانتمائهم لأوطانهم مما يدفعهم إلى الانضواء تحت مظلة العمل السري والسلوك القمعي وذلك لعدم قدرتهم على طرح البدائل الصحيحة والمقبولة للإصلاح السياسي أو مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتراكمة .إن نقد هذا الفكر من خلال الحوار المؤثر والناجح يزيل الغموض واللبس وبالتالي فإن من يقدم على اعتناقه يكون على وضوح وبينه ومن يحاربه يكون أيضاً على وضوح وبينه.
ولابد من تأكيد حقيقة أساسية وهي أن فتح قنوات الحوار والتخطيط لحوار جاد ومؤثر على مختلف المستويات التربوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أمر ايجابي في كل الأحوال فهو يسحب دعاة التعصب والتطرف من سراديبهم المخفية إلى خيارات التفكير بصوت عال وهو في كل الأحوال أكثر راحة وهدوء وشفافية من الناحية السيكولوجية فضلا عن أنه يضع فكر التطرف ومعتقداته تحت مطرقة المصارحة والنقد البناء والمكاشفة البينية التي لا خجل فيها ولا لبس.

المراجع
1- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف .د. يوسف القرضاوي ، ص23 -26
2- فتاوى فكرية الشيخ عبدالله بن بيه ، ص 42
3- كتاب الإرهاب الدولي الصادر عن مركز الدراسات العربي الأوروبي الموسوعة السياسية
4- النظام السياسي الإرهابي الإسرائيلي دراسة مقارنة عبدالناصر حريز ص 63.64
5- مجلة التقريب العدد 36 سنة 1424 هـ
6- د. القرضاوي مراجع سابق ص، 127
7- مجلة المعرفة العدد (101) ص 42