ماذا بعد اتفاق الدين الأميركي؟
السبت, 06-أغسطس-2011
روبرت رايش -

بادرة ارتياح كبيرة. لن تتعثر أميركا في السداد. إيماننا الكامل ومصداقيتنا سليمان. لكن ذلك هو على وجه التقريب الشئ الوحيد الجيد الذي يمكن أن يقال عن هذا الاتفاق الذي تم إبرامه أخيراً لرفع سقف الديون. فأي شخص يصف الاتفاق على أنه انتصار للشعب الأميركي على التحزب لا يفهم الاقتصاد. ولا يفهم معنى التضحية المشتركة.

الاتفاق يقلل من الميزانية الفيدرالية بنسبة 2.2 تريليون دولار أو 2.5 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ومع ذلك لا يزيد الضرائب على الأثرياء والأكثر حظاً في أميركا، الذين يحصلون الآن على أكبر حصة من الدخل والثروة الإجمالية للبلاد أكثر مما كانوا عليه منذ عام 1928، والذين تنخفض معدلات الضرائب الخاصة بهم الآن بأقل مما كانت عليه منذ عام 1942.

ثلث التريليون الأول من تخفيضات الميزانية سيأتي من الإنفاق الدفاعي. أما الثلثان الآخران فسوف يتم تحصيلهما من التعليم والتدريب المهني والبنية التحتية والمساكن منخفضة الدخل ودعم الطاقة والبحث وتطوير مصادر الطاقة البديلة، وغيرها مما يسمى بالبرامج «التقديرية».

سوف تشكل هذه التخفيضات عبئاً على الأميركيين ذوي الدخل المنخفض أكبر بكثير من الأميركيين الأثرياء. سوف يجعل ذلك الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لأميركا «لكسب المستقبل» من خلال تحسين القدرة التنافسية للبلاد، وهذا الأمر هو الذي حث الرئيس الأميركي باراك أوباما على القيام به قبل عدة أشهر فقط.

سوف يتم تحديد ما تبقى من التخفيضات في الميزانية بحلول نهاية العام الحالي. وسوف تتقدم لجنة برلمانية بتوصيات للكونغرس بشأن المزيد من التخفيضات بـ 1.5 تريليون دولار، وسوف يتعين على الكونغرس التصويت لصالح أو ضد حزمة التوصيات بأكملها. وعلى افتراض أن الجمهوريين سوف يواصلون رفض زيادة الضرائب (وهم على يقين من ذلك)، فإن الـ 1.5 تريليون دولار يجب أن تأتي مما تبقى من الإنفاق التقديري، وكذلك من الدفاع والرعاية الطبية والمساعدة الطبية والضمان الاجتماعي.

إذا لم يصوّت الكونغرس لصالح الحزمة (أو أن الرئيس أوباما اعترض عليها، ولم يتمكن الكونغرس من تجاوز هذا الاعتراض)، فسوف يتم تلقائياً خفض الميزانية الفيدرالية بمقدار 1.2 تريليون دولار.

ماذا بعد ذلك؟ يمكننا أن نطمأن لحقيقة أن الضمان الاجتماعي والمساعدات الطبية وغيرها من البرامج المختلفة للفقراء سوف تعفى من تلك التخفيضات التلقائية، و هناك حوالي نصف الإجمالي سيأتي من الدفاع (خاصة مع انسحاب القوات الأميركية المقرر من العراق وأفغانستان).

لكن معظم العبء المتبقي سوف يقع بالضرورة على الرعاية الطبية. فعلى الرغم من أن الخطة توجه التخفيضات إلى مزودي خدمات الرعاية الصحية بدلاً من المستفيدين، فمن الأسلم أن نفترض أن المزودين سوف يمررونها إلى المستفيدين في شكل خدمات أقل.

إلى جانب كونه جائراً بشكل صارخ، فإن الاتفاق لن يحلّ مشكلة الموازنة الحقيقية لأميركا.

يرجع العجز في الميزانية الحالية في معظمه إلى تدابير مؤقتة، حيث أبرزها التخفيضات المكلفة على الضرائب من عهد الرئيسي الأميركي السابق جورج بوش (معظمها على الأغنياء)، وإنقاذ وول ستريت و حزمة التحفيز اللاحقة (التي أنقذت 3 ملايين وظيفة.

لكنها لم تكن كبيرة بما يكفي لإتمام المهمة كاملة)، و مسألة ارتفاع ميزانية الدفاع، وكلها وصلت إلى نهايتها. وسوف تنتهي التخفيضات الضريبية من عهد بوش في عام 2012، على أمل الخروج من العراق وأفغانستان، وسوف تنهي وول ستريت دفع ثمن إنقاذها، و وتكون خطة التحفيز قد انتهت .

تطل المشكلة الحقيقية في الميزانية بعد سنوات من الآن، ويرجع ذلك أساساً إلى تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة. سوف يتسبب جيل الطفرة السكانية في زيادة تلك التكاليف بشكل أسرع.

هكذا فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو كيفية احتواء مسألة ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بالطريقة المثلى. والجواب ليس التخلص من نظام الرعاية الطبية. العكس من ذلك تماماً. بل استخدام قدرة نظام الرعاية الطبية على المساومة من أجل خفض المصروفات من قبل شركات الأدوية ومقدمي الخدمات الصحية.

والانتقال من نظام تحصيل الرسوم مقابل الخدمات (الذي يشجع على الإسراف في الاختبارات والإجراءات) إلى نظام الدفع مقابل الحصول على نتائج صحية. وبعبارة أخرى، فإن الرعاية الطبية ليست هي المشكلة. فالرعاية الطبية يمكن أن تكون جزءاً كبيراً من الحلّ.

لكن لا ينبغي أن تكون مشكلة الميزانية على المدى الطويل هي مثار القلق الأكبر في البلاد في الوقت الراهن. وإنما قلّة فرص العمل.

من المرجح أن يزيد الاتفاق من تردي أزمة الوظائف. ولن يتم تمديد إعانات البطالة. ولا خفض ضريبة الرواتب. وليس هناك مجالاً لإدارة تقدم الأشغال أو هيئة الخدمة المدنية أو أي إنفاق آخر لمساعدة الأميركيين على العمل.

وعندما تتم إضافتها إلى التخفيضات الجارية بالفعل من قبل الحكومات في الولايات والحكومات المحلية، فإن تخفيضات الإنفاق الواردة في الاتفاق تزيد فقط من احتمالات حدوث ركود مزدوج.

كما قلت في البداية، يمكننا أن نتنفس الصعداء. فالاتفاق، رغم كونه مروعاً، لا يزال هو الأفضل من كارثة اقتصادية جراء العجز عن سداد ديون الحكومة الأميركية. فالعار والغضب جوهرهما أن الأمر وصل إلى هذا الخيار.

*عن صحيفة" البيان" الاماراتية