تنظيم القاعدة: قراءة للحالة الراهنة
السبت, 18-أكتوبر-2008
كينيث كاتزمان - لا يُجمع الخبراء فيما بينهم على قدرة تنظيم القاعدة حالياً على تحقيق أهداف رئيسة بعد سبع سنوات من إزاحة القاعدة من موقعها في أفغانستان، ولا يخفى أن تلك الأهداف تتمثل في الإطاحة بالقادة الموالين للغرب في العالمين العربي والإسلامي، وإجبار الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة عبر القيام بهجمة أخرى عنيفة في الداخل الأمريكي أو ضد مصالح أمريكية في المنطقة. أما هدف القاعدة النهائي فقد يتمثل في إحياء الخلافة الإسلامية التي تضم جميع البلدان الإسلامية تحت لوائها، غير أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال بعض الشيء، مما يدفع قادة التنظيم إلى عدم اعتباره هدفاً ضرورياً في الوقت الراهن. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى فكر التنظيم تجاه هذه النقطة تحديدا، فالقاعدة ترى أن الخلافة في المستقبل سنية المذهب بلا جدال، ذلك أن التنظيم نفسه لا يضم إلا كوادر سنية المذهب، كما أن قادته، ولاسيما أيمن الظواهري، لطالما انتقدوا إيران والمسلمين الشيعة ورموزهم على وجه العموم، بل أعلنوا رفضهم لهذه الفئة، علاوة على أن القاعدة ترى الشيعة فئة ضالة، وأنهم أداة طيّعة في يد الولايات المتحدة ولا تحركهم إلا مصالحهم بعيدا عن أسس الحكم الإسلامي المنتظر.

ثمة رأي بأن فكر القاعدة وقدرتها على تجنيد أعضاء جدد وقدراتها بصفة عامة تتهاوى يوما بعد يوم، أضف إلى ذلك لهجة الاستنكار والرفض المتصاعدة تجاه عمليات التنظيم، التي غالبا ما تنتهي بقتلى أغلبهم من المسلمين، حتى من قبل رجال الدين المتشددين في المملكة العربية السعودية، وهم الذين كانوا يفضلون الصمت في السابق أو يبدون تعاطفا غير معلن مع أنشطة القاعدة. في المقابل، ثمة رأي بأن حركة "الصحوة" العراقية السنية التي انقلبت على القاعدة، وأسهمت في استقرار العراق، هي الآن على مفترق طرق على طريق الرفض العام لعمليات القاعدة. وسواء أدت زيادة القوات الأمريكية ببلاد الرافدين إلى هزيمة القاعدة نظريا أم عجّلت بهذه الهزيمة، فإن هذه الهزيمة البادية للعيان قوبلت في المنطقة باعتبارها انتصارا مؤزرا للولايات المتحدة وهزيمة منكرة للقاعدة من شأنها إضعاف قدرة التنظيم على تجنيد كوادر جديدة.

على صعيد آخر، نجد ضعف نشاط القاعدة في بعض المناطق الأخرى من العالم العربي والإسلامي مقارنة بما كانت عليه الحال قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد الولايات المتحدة، وهو ما دعا المسؤولين الأمريكيين إلى القول باستئصال القاعدة نهائيا بوصفها معارضة تلجأ إلى أساليب عنيفة داخل المملكة العربية السعودية، علما بأنه بلد أسامة بن لادن، ذلك أن القاعدة شنت العديد من الهجمات العنيفة ضد النظام السعودي الحاكم، تخللتها معارك بالأسلحة النارية في الرياض بين عامي 2001-2005، لكن البلاد لم تشهد حادثا جللا منسوبا إلى تنظيم القاعدة لما يربو على عام حتى الآن. ولا يختلف الأمر في مصر التي يعتبرها الكثيرون مهد الفكر والتنظيمات التي انتهى بها المطاف إلى نشأة تنظيم القاعدة في صورته التي نراها اليوم، فقد انحسرت أنشطة الحركات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بالقاعدة وما بقي منها إلا تفجيرات تستهدف مواقع سياحية يؤمها رعايا غربيون، علما بأن هذه الهجمات تلقى استنكارا واسعا على كل الأصعدة. ولا شك أن مصر اليوم تختلف كثيرا عن مصر في مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم الذي رأى فيه المصريون نذير شر بأن البلاد على شفا الوقوع في أيدي الإسلاميين المتطرفين.

وفي هذا السياق، يشير أصحاب الرأي القائل بتهاوي التنظيم إلى جنوب شرق آسيا، تلكم المنطقة التي يبدو أن أذرع القاعدة فيها قد ضعفت إلى درجة لم تعد معها مصدر إزعاج لحكومات تلك المنطقة كإندونيسيا وماليزيا، وبات من الواضح أن جهود تلك الأذرع لقطع تدفق السياح الأجانب لتقويض حكومات تلك الدول قد ذهبت أدراج الرياح.

من هنا نعلم أن جوهر الخلاف بين الخبراء يكمن فيما إذا كانت هذه المستجدات على صعيد مواجهة القاعدة، قد رجحت كفتها على كفة المؤشرات التي تشير إلى تنامي قدرات التنظيم، وهذا التنامي لا يُلحظ في مكان من العالم كما يمكن أن يلحظ في المناطق القبلية في باكستان قرب الحدود مع أفغانستان، فهي المناطق التي تشير الدلائل إلى اختباء أسامة بن لادن وأيمن الظواهري فيها، ناهيك عن قدرتهم في هذه المنطقة على تضليل الجهود الأمريكية للإيقاع بهما، بل وعلى الوصول إلى وسائل الإعلام والتواصل مع أتباعهم خارجها. كما أنها المنطقة التي استغلت فيها القاعدة ظروفا ملائمة لها في كنف القبائل المناهضة للحكومة الباكستانية والولايات المتحدة مما حدا بها إلى إعادة تشكيل مقرها ومعسكراتها التدريبية ونظمها على النسق الذي كانت عليه في أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بيد أنه لا يخفى على أحد أن تلك المناطق الحدودية الباكستانية ليست في حال تضاهي ما كانت عليه أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للقاعدة، ذلك أن القاعدة ليست حليفا لحكومة باكستان كما كانت حكومة طالبان خلال الفترة الممتدة بين عامي 1996-2001. لكن هذه المناطق الحدودية ذاتها استعصت على الجهود العسكرية الباكستانية التي يعيبها انعدام فاعليتها واقتصارها على استهداف المسلحين الباكستانيين الذين يشكلون تهديدا مباشرا للحكومة في إسلام آباد. وهناك تقارير عديدة أعدها قادة أمريكيون أشاروا فيها إلى أن مقاتلي تنظيم القاعدة يتسللون في هذه الآونة إلى الداخل الأفغاني إلى جانب كوادر طالبان وغيرهم من المتشددين لقتال الولايات المتحدة وحكومة الرئيس كرزاي. بل إن القاعدة تمددت بعيدا عن الحدود الباكستانية لتصل إلى مناطق لم يسبق لها أن نشطت فيها نشاطا ملحوظا، ولعل أول مثال على ذلك مأخوذ من الجزائر وغيرها من مناطق بلاد المغرب التي شهدت تنفيذ سلسلة من التفجيرات العنيفة التي أعلن أحد أذرع القاعدة، وهو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مسؤوليته عنها. أضف إلى ذلك تزايد خطورة التنظيم بما يشكله من تهديد لنظام القذافي في ليبيا، وهو ما يرجع سببه جزئيا إلى تخليه عن موقفه الثوري المناهض للولايات المتحدة، وسعيه إلى تطبيع العلاقات معها.

علاوة على ما تقدم، تمكنت القاعدة من ترسيخ حضورها في بلاد الشام، فقد تسلل التنظيم إلى معسكرات اللاجئين في لبنان من خلال ذراع محدود له يُطلق على نفسه اسم "عصبة الأنصار". كما استطاع التنظيم على ما يبدو تشكيل شبكة سرية في سوريا بهدف اغتنام النزعة الإسلامية المتصاعدة في الفكر والممارسة في أوساط الشعب السوري الذي يخالف بذلك اتجاهه السابق نحو العلمانية.

مما سبق نخلص إلى أن تنظيم القاعدة لا يختلف الآن كثيرا عما كان عليه قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وإذا سلمنا بأن التنظيم قد تعرض لانتكاسات خطيرة في بعض المناطق، فلا شك أنه نشط في مناطق أخرى. وإذا كان بعض قيادات الصف الثاني في التنظيم قد قُتلوا أو أُسروا منذ هجمات سبتمبر، فلا شك أيضا أن مواقعهم شهدت وجوها جديدة أو أن مهامهم وجدت من يتولاها بصورة أو بأخرى. ولا يعني هذا بالضرورة قدرة التنظيم على شن هجمات ضد الولايات المتحدة مماثلة في حجمها لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، فالولايات المتحدة اليوم أصبحت هدفا أكثر استعصاء على الهجمات الإرهابية مقارنة بما سبق، لكننا في المقابل لا نستطيع استبعاد هجوم كهذا أو حتى فكرة نجاحه. ومن ثمّ، فلا سبب يدفعنا إلى التشكيك في الاعتقاد السائد بين خبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيين بأن تنظيم القاعدة جادٌ في مسعاه لاغتنام أي فرصة، بل والتخطيط بدقة لشن هجوم مماثل للحادي عشر من سبتمبر أو هجوم يفوقه هولا وحجما.