كيف نتغلب على أزماتنا المالية؟
الأحد, 15-مايو-2011
سعيد بن على العضاضي -

ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن الكتب والدوريات وبرامج كليات الأعمال وما في حكمها تسعى جاهدة إلى تثقيف الشركات وقطاعات الأعمال المختلفة عن أسرار السوق وسلوك المستهلك لتتمكن من المنافسة، وتعظيم الأرباح، وزيادة الحصة السوقية، والتهام المستهلك، أينما كانت وجهته. بينما تهمل هذه المصادر جميعا تثقيف المستهلك الفرد وتتركه فريسة لقطاعات الأعمال المختلفة التي يهمها كثيرا أن يظل الفرد جاهلا عن كيفية إدارة موارده الذاتية والتغلب على أزماته المالية.

وأريد أن أتقدم قليلا في هذا الموضوع، وأذكر لكم ما عندي في مجال إدارة أموال الأفراد، ورغم قناعتي الشخصية وإيماني التام بكل ما سأذكره إلا أنني ما زلت مصرا على تأصيل الأمر من قبل المتخصصين وأخذ تثقيف المستهلك الفرد مأخذ الجد حتى نعيد إلى الأسواق توازنها.

وحتى تأتينا تلك النماذج علينا أن نبدأ بالقواعد التي لا تحتاج إلى إثبات مصداقية أو اختبار فاعلية. إن أبسط قاعدة كي يكون للفرد حصانة ضد الأزمات المالية، وتكون له مصادر أموال متعددة أن يعرف ثم يقتنع ثم يطبق مبدأ (الادخار ــــ الاستثمار ــــ الاستهلاك). وليس بالضرورة أن ينتظر حتى تنزل عليه ثروة من السماء كي يبدأ بتطبيق هذه القاعدة، بل يمكنه أن يبدأ من خلال موارده الذاتية مهما كانت بسيطة ولو كان فقط مرتبه الشهري المحدود من الوظيفة.

وأنا أعلم أن الكل يعلم هذا المبدأ الاستثماري البسيط، ولكن العبرة ليست في الكم المعرفي والعمق الفلسفي، فكثير من أساتذة المال والأعمال لا يعرفون كيف يفعلون هذه المعادلة. لكي نستفيد من الأفكار والنظريات علينا أن نقتنع بجدواها أولا وتكون لدينا المهارة في تطبيقها ومنها مبدأ تقسم دخولنا إلى الادخار، الاستثمار، الاستهلاك. والبعض يتساءل: هل من الممكن أن أستمتع بحياتي وأتغلب على أزماتي المالية بتطبيق هذا المبدأ، وليس بين يدي سوى راتبي الشهري المحدود؟ وأنا أقول له: بكل تأكيد! تستطيع أن تتغلب على أزماتك المالية، بل قد تكون ثروة لا بأس بها من مواردك المحدودة، وفقاً للتقسيم الثلاثي للدخول الشخصية. ولا أريد أن أسهب في شرح كيفية تطبيق هذا المبدأ، وسوف أؤجل مناقشة تفاصيله إلى مقالات مقبلة لأنني أريد في هذا المقال أن أقنع الناس بأهمية هذه القاعدة الساذجة، أما الآلية فسوف نسهب فيها لاحقا.

حتى تبعد نفسك عن الأزمات المالية عليك أن تبدأ بالادخار ثم تحوله إلى استثمار، وتبقى عادة الادخار حتى لو نجح الاستثمار وتضبط عادة الاستهلاك التي تغيظ الكثير من الشركات. وقد فطن إلى هذه القاعدة الكثير. وحتى لا تتفرق بنا السبل ونخرج عن الموضوع دعونا نعرض التجارب الأقرب إلى مجتمعنا حديثها وقديمها. التجربة الأولى وهي الأكثر أثرا والأسهل تطبيقا هي تجربة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف ـــ رضي الله عنه ـــ أما التجربة الثانية فهي لرجل أعمال سعودي استقيتها بمحض الصدفة عندما كنت أنقب عن تجربة فريدة ناجحة في مجال استثمار الأفراد، فقررت أن أستعين بها هنا، لأنها تلامس سلسلة مقالتي هذه.

ولنبدأ بتجربة عبد الرحمن بن عوف التي يعرفها الجميع، فعندما هاجر ـــ رضي الله عنه ــــ إلى المدينة وجد نفسه فقيرا معدما، ولكن لم تقبل نفسه أن يكون عالة على الأنصار، لأن لديه مهنة يعرف أسرارها فقال كلمته المشهورة التي خلدها الزمن عندما عرض عليه أحد المهاجرين أن يقاسمه ماله وأهله فقال ــــ رضي الله عنه ـــ ''بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق''، وبدأ ـــ رضي الله عنه ـــ بتطبيق مبدأ: الادخار، الاستثمار، والاستهلاك. وكانت أول خطوة له أن قام بشراء بعير بخطامه ثم قام ببيع البعير واحتفظ بالخطام، فكان أول رأسماله ـــ رضي الله عنه ـــ خطام بعير، كما وصف ذلك مؤلف كتاب ''لن أكون عبداً للراتب'' غرم الله الغامدي في طبعته الثانية.

وأريد أن أقف قليلا عند هذه التجربة الفريدة وأقول: ألست أنا وأنت أفضل حالا من وضع عبد الرحمن بن عوف عندما هاجر ـــ رضي الله عنه ـــ إلى المدينة؟ فقد هاجر فقيرا، جائعا، ومشردا، وأصبح بعد ذلك أغنى الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكل ما فعله هو تطبيق للقاعدة الاقتصادية المعروفة للجميع وهي (الادخار ـــ الاستثمار ــــ الاستهلاك)، فكوّن أكبر ثروة عرفها الناس في صدر الإسلام. فلم ينتظر حتى يجمع مئات الألوف أو تنزل عليه ثروة من السماء، ورفض أن يبقى فقيرا معدما، وهو قادر على العمل والكسب والاستثمار، فبدأ بخطام بعير. وهنا أريد أن أسألك سؤالا؟ أليس لديك ما يعادل خطام بعير كي تبدأ به لتعدد مصادر دخلك، وتتغلب على أزماتك المالية، وتكوّن مالا يغنيك ويفك أسرك من الديون؟ أنا متأكد أن لديك قيمة البعير والخطام معا، ولكن ينقصنا جميعا الإقدام وتطبيق أبجديات إدارة أموالنا.

وقصة عبد الرحمن بن عوف ــــ رضي الله عنه ــــ لا تغنينا عن فهم طبيعة التجارة وحركة الأموال في العصر الحديث، وهي غير كافية لبدء رحلة الاكتفاء الذاتي لإدارة الأموال الشخصية والتخلص من الأزمات المالية. فالزمن قد اختلف، والأمور التجارية والمالية قد تعقدت وتبدلت فتنوعت الأسواق وتباينت مصادر الحصول على الأموال، ولكني ذكرت تجربة ابن عوف من باب التأصيل أولا، وشحذ الهمم ثانيا للتخلص من الأزمات المالية أو تحاشي الوقوع فيها.

* نقلا عن "الاقتصادية" السعودية.