مؤتمرات دولية أم مؤامرات؟!
الاثنين, 02-مايو-2011
د. مصطفى غريب: -

تتشابه المؤتمرات الدولية في أهدافها المعلنة البراقة الجميلة، أما أهدافها غير المعلنة في الواقع فهي مؤامرات لتحقيق أهداف سرية شديدة التعقيد، فمؤتمر لندن لدعم السلطة الفلسطينية قرر تعهدات مالية من الدول المانحة وإصدار إدانة جديدة للإرهاب والعمل على التعاون الاقتصادي والمدني بين الفلسطينيين وإسرائيل، ودعم الإصلاح الفلسطيني، وإنهاء العزلة العربية لإسرائيل وتفكيك المنظمات الفلسطينية وتوفير الأمن لإسرائيل، وهو بيت القصيد.

ويبدو أن بعض الساسة العرب لا يتعلمون من الدين ما ينفعهم، قال تعالى "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" "البقرة الآية 120".

أما مؤتمر لندن بخصوص ليبيا فقد قرر تعهدات مالية من الدول المانحة وإصدار قرار إدانة لنظام القذافي ودعم الأطراف المناوئة له من أجل الحرب الأهلية أو تشجيع نظام حكم موال للغرب بهدف السيطرة على منابع النفط والثروات الطبيعية الليبية.

ومن يقرأ التاريخ جيداً تتضح له السياسات التي تنتهجها إسرائيل والتي بنيت على أفكار متسلسلة مبنية على إستراتيجية واضحة، من مؤتمر مدريد إلى اتفاقيات أوسلو إلى كامب ديفيد إلى شرم الشيخ، وهي الأرض مقابل السلام، ثم السلام مقابل الأمن، ثم الدولة مقابل التوقف عن المقاومة/"الإرهاب"، ثم السلام مقابل الاستسلام.

إن قرار مجلس الأمن الدولي حول ليبيا ينص على فرض الحظر الجوي فوق ليبيا من أجل حماية المدنيين، وهذا المؤتمر مخالف لقرار مجلس الأمن رقم 1973 ومحاولة لإشراك الدول الأخرى من خارج الناتو في العملية العسكرية من أجل إضفاء صبغة "تحالف دولي" على التحالف القائم ضد نظام معمر القذافي لتغييره.

ويشبه مؤتمر لندن حول ليبيا إلى حد كبير العديد من المؤتمرات قبل الحرب على العراق، والمؤتمرات لتقسيم القارة الأفريقية بين الدول المستعمرة في القرن التاسع عشر.

في تلك الحقبة من الزمن عقد مؤتمر دُولي لشؤون أفريقيا في برلين، يجمع الدُّول المتصارعة مع روسيا، والنمسا، والدنمارك، والسويد، وإيطاليا، وتركيا، والولايات المتحدة، واتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات، كانت في مجملها تَنُصُّ على حُرِّيَّة التجارة في حوض الكونغو والنيجر، وإلغاء الرقيق، وحياد إقليم الكونغو، ووَضْعِه تحت سيطرة ملك بلجيكا، وقرَّر المؤتمر حُرِّيَّة الملاحة، في حوضه وحوض النيجر، وأصدر قراراته التي وضعت اتجاهات تجزئة القارة دون حسابٍ لحقوق مواطنيه، فوقع شرق أفريقيا بعد التقسيم تحت الاستعمار، فكانت ممتلكات فرنسا في الشرق الأفريقي الصومال الفرنسي "جيبوتي" ومدغشقر، واحتلَّت إيطاليا الصومال الجنوبي وإريتريا، واحتلَّت بريطانيا الجزء الشمالي من الصومال المعروف حاليًّا بجمهورية أرض الصومال، وجزيرتَيْ زنجبار وكينيا وأوغندا، كما احتلَّت ألمانيا تنجانيقا، واحتلَّت البرتغال موزمبيق..

وبالرغم من خروج المؤتمر بالعديد من القرارات والموادِّ، إلاَّ أن المسائل المُهِمَّة والمتمثلة في القضايا الإقليمية الكبرى قد تمَّت دراستها والاتِّفاق بشأنها في سلسلة من الاتِّفاقيات الثنائية امتدَّت عَشْرَ سنوات متواصلة بعد المؤتمر.

وطِبْقًا لمؤتمر برلين لم تُقَسَّم أفريقيا بالتساوي، فلم ترضَ كلٌّ من ألمانيا وإيطاليا عن نصيبيهما، فبدأت ألمانيا في زيادة قدراتها الحربية والعسكرية، بإنشاء الأساطيل البحرية في عام 1897م، مسيطرةً بذلك على بحر الشمال، ثم بَدَأ النزاع بين فرنسا وألمانيا على القضية المراكشية، فكان ممَّا لا بُدَّ منه وقوع نزاع جديد لإعادة تقسيم القارة والمستعمرات.

ونشبت الحرب العالمية الأولى، ولتفوُّق الحلفاء العسكري -وخاصَّة من الناحية البحرية- وعَجْزِ ألمانيا عن حماية البحار الواقعة تحت سيطرتها، استطاعوا إخراجها من أفريقيا، وكان وراء هذا الصراع معاهدات سرِّيَّة، فمنها معاهدة لندن "26 أبريل 1915م"، فقد قدَّمت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وَعْدًا إلى إيطاليا لحصولها على أجزاءٍ من أفريقيا، ووافقت الدولتان على تقسيم ممتلكات ألمانيا، بِنَاء على هذه الاتِّفاقيات السرِّيَّة، ثم هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فوقعت المستعمرات الألمانية تحت الانتداب.

كل هذه الانتدابات ذات الأهداف التي كانت تدور في مجملها على تنمية الشعوب، ورفاهيتها، ورفع مستواها السياسي، كانت في حقيقتها مجموعة من الأباطيل، إذ إن هدف الاستعمار في حقيقته استنزاف الشعوب، والقضاء على خيراتها.

ويعد مؤتمر لندن "مؤتمرا استعماريا جديدا" من أجل تقسيم الثروات الليبية النفطية، وليس غريباً أن تنأى ألمانيا بنفسها وعدم رغبتها في التدخل عسكرياً مع حلف الناتو، فدرس مؤتمر برلين مازال ماثلاً في الذاكرة الألمانية.

أما موقف أمريكا من العدوان الصليبي على ليبيا فما زال متردداً، ففي الوقت الذي تنسحب من الحلف كقيادة تبقي على قواتها للمساندة، بل شرعت في استخدام طائرات مسلحة من دون طيار أثناء تنفيذ عملياتها العسكرية.. والسؤال لماذا كل هذا؟.

إن استخدام مثل هذا النوع من الطائرات سيمكن من توجيه ضربات دقيقة للقوات الموالية للقذافي، مما يساعد على إضعاف قدراتها القتالية؛ ويأتي هذا التحرك الأمريكي بعد إعلان بريطانيا وفرنسا وإيطاليا اعتزامها إيفاد مختصين وخبراء لتقديم استشارات عسكرية إلى المعارضة في ليبيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه، أليس من حق ليبيا تسليح المدنيين للتصدي لأي هجوم بري محتمل تشنه قوات حلف شمال الأطلسي؟ والجواب هو نعم. ويبدو أن سكان الكثير من المدن الليبية وقبائلها نظموا أنفسهم في مجموعات لمحاربة أي غزو لحلف الناتو وجرى توزيع بنادق وأسلحة خفيفة على جميع السكان.

وعدت فرنسا المعارضة الليبية بأنها ستكثف الهجمات الجوية على القوات الموالية للقذافي وسترسل ضباط اتصال لمساعدة المعارضة.. فهل هذا حباً في المعارضة ودعمها لقيام حكومة ديموقراطية أم من أجل النفط والثروات الطبيعية الليبية؟

أكد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أن حلف شمال الأطلسي لا ينوي إجراء عملية برية في ليبيا، وقال إن "مجلس الأمن وضع حدودا علينا الالتزام بها، ومن غير المسموح لنا، أن يكون لنا جيش غاز أو جيش محتل". كلام جميل ولكن هذا هو بداية عودة الاستعمار أليس كذلك؟.

هل أن الوضع في ليبيا عبر الحظر الجوي والضربات الجوية وصل إلى طريق مسدود؟ نعم فشلت عملية الحظر الجوي، وبالتالي بدأ التفكير والتحضير للبحث عن ذرائع جديدة حول العملية البرية المحتملة التي ربما ستؤدي إلى اتساع الحرب وانتشارها في أفريقيا.

من المتعذر التخلص من القذافي بدون عملية برية، وقرار مجلس الأمن الدولي 1973 الذي يفسره التحالف الغربي حسب هواه، فلا يسمح بتدخل المشاة وقوات الإنزال الجوي في ليبيا".

إن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ترى أنه لا يجوز تنفيذ قسم القرار الذي يتعلق بحماية السكان المدنيين بالاقتصار على القصف، طالما بقي القذافي موجودا لأنه يتقدم بنجاح وأن جنوده مسلحون بصورة جيدة، ويحتاج الأمر إلى عمليات عسكرية برية، وهو ما يخشاه الناتو لخوفه على أرواح جنوده أولا، وخشية من أن يغرق في مستنقع آخر، كما في أفغانستان.

إن هذا الوضع يشكل خطرا يهدد الجزائر والمغرب، حيث المعارضة تواصل الاعتصامات والمظاهرات. وتتلخص صعوبة الوضع في ليبيا أيضا، بأن "كل شيء لا يزال غامضا، فالجهة التي يمكن التفاوض معها بشأن التسوية السياسية مجهولة، لأن المناهضين للقذافي يختلفون، فبينهم ممثلو الأقاليم، والبربر الذين التحق بعضهم بالمعارضة وكذلك مسلحو "القاعدة". وبعض التنظيمات الأخرى القادمة من مصر ومن الجزائر ومن المحتمل أن تدخل قبائل الطوارق لمؤازرة طوارق ليبيا، ولهذا سيطول أمد الحرب، لأن الجماعات المناهضة للقذافي يرفضون كافة أشكال المفاوضات معه".

وهناك معلومات تفيد بأن وفداً عسكرياً أمريكيا زار الجزائر مؤخراً لإجراء مباحثات مع المسؤولين في أجهزة الأمن والجيش، في إطار تحقيق ميداني تجريه وزارة الدفاع الأمريكية حول تأثير الحرب على الوضع الأمني في الساحل الأفريقي.

وطلب الوفد العسكري الأمريكي من الجزائر تسهيلات لوجستية في حالة اندلاع الحرب البرية بين قوات حلف الأطلسي وقوات العقيد القذافى، وكذلك المساعدة في إجلاء الجرحى والمصابين والسماح بتحليق طائرات النقل الثقيلة؛ وكذلك مساعدة أجهزة الأمن والجيش الجزائري لتقييم الموقف الأمني في منطقة شمال أفريقيا والساحل وتأثير أي تدخل عسكري على زيادة نفوذ تنظيم القاعدة في ليبيا والساحل.

كما طلب المساعدة في حصار الجماعات الإرهابية في الساحل ومنعها من استثمار حالة الفوضى بإدخال أسلحة إلى منطقة الساحل، خاصة مع ما يشاع حول تهريب واسع النطاق للأسلحة من ليبيا إلى تشاد، ومنها إلى معقل تنظيم القاعدة في شمال مالي والنيجر خلال وبعد التدخل العسكري في ليبيا، ورشحت بعض المعلومات عن رفض الجزائر تقديم مثل هذه التسهيلات للقوات الأطلسية.

إن طرابلس الغرب ترفض البعثات العسكرية التي تنوي دول غربية إرسالها إلى بنغازي لأنها تمثل خرقا سافرا للقوانين والأعراف الدولية، وهذا الخرق يتعلق بـ3 نقاط أساسية هي: أن التطبيق الفعلي لقرارات مجلس الأمن لا يتطلب شن العدوان العسكري على ليبيا، الذي نشاهده الآن، ولا إرسال المستشارين العسكريين ولا تزويد الجانب الآخر بالأسلحة، وهو ما يعني أن الدول الأوروبية تفسر القرارات الأممية بشكل مزاجي ومتعسف.

من الواضح أن هذه الدول تخالف إعلان الأمم المتحدة لمبادئ العلاقات الدولية الصادر عام 1970 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يحرم تحريما باتا على الدول التدخل لدعم التمرد المسلح أو التدخل في الحرب الأهلية لدولة ما بأي شكل من الأشكال.

إن الولايات المتحدة تسعى إلى الإبقاء على هيمنتها على الاقتصاد العالمي كوسيلة للسيطرة على النظام السياسي العالمي. إنها عملية تدميرية منظمة تقوم بها الولايات المتحدة وبريطانيا والقوى المتحالفة معها تهدف في المحصلة إلى السيطرة على النظام السياسي والاقتصادي العالمي لأن الولايات المتحدة قلقة من انخفاض قيمة الدولار، وإذا استمر بالتدهور فإن واشنطن ستفقد قوتها وتفوقها.

ولذلك تسعى إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وجره مجددا ليبقى الدولار العملة القوية الوحيدة في العالم، ولتحقيق هذا الهدف يتعين إشعال الحروب؛ فالحربان العالميتان الأولى والثانية خلقتا القوة الأمريكية وجعلتاها مهيمنة.

واليوم فإن محاولات واشنطن لجر الكوريتين إلى الحرب لم تفلح، والهند وباكستان لا تريدان القتال، ولم تنشب حرب بين إيران وإسرائيل.. وهي تحاول ترسيخ العداء بين دول الخليج وإيران من أجل نشوب حرب بينهما، وتجلى ذلك في أزمة البحرين والإعلان في كل من البحرين والكويت عن وجود شبكات تجسس إيرانية وطرد بعض أعضاء السفارات الإيرانية فيهما، وإعلان مجلس التعاون الخليجي وتحذير إيران من التدخل في شؤون الدول الخليجية بل رفعت ذلك إلى مجلس الأمن.

وهنا تلجأ الولايات المتحدة إلى الخيار الاحتياطي، أي زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في العالم العربي الغني بالثروات، وهي مقدمة للسيطرة الكاملة على ثروات الشعوب العربية.

وبخصوص الثورات الأخيرة في المنطقة العربية توجد أسباب موضوعية لاندلاعها، فهذه البلدان تواجه صعوبات اقتصادية وسياسية حقيقية؛ ومن اللافت للنظر أن الثورات تنفجر واحدة تلو الأخرى وفي منطقة محددة تعتبر عصبا اقتصاديا خطيرا في العالم. فهل كل ما يحدث محض صدف أم أن هناك أيادي خفية تحرك تلك الثورات أو تحاول الالتفاف عليها لتحقيق مكاسب على حسابها؟.

لا نستبعد وجود تلك الأيادي الخفية التي تريد إيقاظ الفتنة بإراقة الدماء، وهذا ما حصل في مصر من وجود سيارة دبلوماسية تدهس المواطنين، والقناصة الذين وجدوا فوق أسطح المنازل سواء في مصر أو في سوريا أو ليبيا أو تونس وغيرها...

إن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها الذين فقدوا ثقة شعوبهم، وتدعم مطالب التغيير لتفجير منطقة الشرق الأوسط، فالبرنامج الأمريكي طويل الأمد وينفذ على مراحل لضرب كل القوى الجيوسياسة المناوئة لها.

إن المحصلة من إشعال حرب في المنطقة هدفها النهائي تعزيز قوة الدولار وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي ودعم العجز في ميزانيات الدول الأوروبية. وينبغي أن نذكر أن الدول العربية لديها ثروات هائلة لا تستطيع استثمارها، ورغم ذلك تقمع شعوبها وترسل شبابها عبر الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى أوروبا ولا تريد أن تتغير وتقاوم عجلة التاريخ التي لا ترحم..

قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" "المائدة الآية 54".



*. نقلاً عن صحيفة العرب