لعبة الاعلام اخطر من ان تترك للمحيطين بالحكّام...
الأربعاء, 02-مارس-2011
خيرالله خيرالله - تجمع الشكوى من الاعلام بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذافي. راح الثلاثة في الايام الاخيرة من وجودهم على راس هرم السلطة يشكون من الاعلام ومما تعرضوا له، او على الاصح مما يدعون انهم تعرضوا له عن غير وجه حق من حملات اعلامية. ادرك الثلاثة متأخرين اهمية الاعلام ونفوذه، علما انه كان في استطاعته كل منهم امتلاك آلة اعلامية تفوق في فعاليتها كل الاجهزة الامنية والقمعية. غاب عن بال الثلاثة وعن كثيرين غيرهم ان الاعلام اكثر فعالية من القمع وان الاستثمار في الاعلام والتنمية، في الوقت ذاته، يبقى اقل كلفة واكثر فائدة من الاستثمار في الدبابات والطائرات والمدافع واسلحة الدمار الشامل التي كانت تستهوي شخصا مثل معمر القذافي...
لم يستفق نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على اهمية الاعلام الجيّد، الذي يتمتع بمستوى معيّن، يوما. اعتقد هذا النظام ان مجرد انشاء هيئة، تمتلك امكانات محدودة جدا، تهتم بالترويج للنظام وتنشر له بيانات في صحف ومجلات لا قيمة تذكر لها، في معظم الاحيان، كفيل باعطاء صورة وردية عن الرئيس والتغطية على ممارسات معينة. لم تكن للنظام التونسي السابق علاقة بالاعلام المؤثر لا من قريب ولا من بعيد، علما بانه كانت هناك انجازات كثيرة في الامكان ابرازها بطريقة حضارية بعيدا عن التزمت والاتكال على مجموعة من الاعلاميين يكتفون بنشر اعلانات رسمية مقابل ثمن بخس.
كانت المشكلة في بن علي نفسه الذي رفض دائما فكرة الانفتاح على الاعلام او على اي صحافي يستطيع ان يقول كلمة لا او ان يوجه اليه سؤالا حقيقيا. ولذلك، كان الدفاع عن الرئيس التونسي المخلوع صعبا، على الرغم من انه حقق، بلغة الارقام الكثير من اجل تونس ومن اجل المرأة فيها وحماها من الحركات الدينية المتطرفة في ظروف اقليمية صعبة، خصوصا عندما كان الجار الجزائري يعاني من الارهاب والارهابيين المتسترين بالدين الحنيف الذي هو براء منهم...
ليس صحيحا ان تونس لم تكن تمتلك ثروة تسمح لها بامتلاك اعلام فعال. الصحيح انه لم يكن هناك عقل سياسي متطور قادر على فهم اهمية الاعلام وكيفية التعاطي معه واستخدامه. كانت تونس في عهد بن علي دولة في حاجة الى سلاح اسمه الاعلام. فضل الرئيس المخلوع صرف المال على مسائل اخرى. وحتى عندما استحوذ احد الاقارب على وسائل اعلامية، كان الهدف من ذلك ممارسة التعتيم الاعلامي والتعمية على الواقع اكثر من اي شيء آخر.
ما ينطبق على تونس- بن علي، ينسحب الى حد كبير على مصر- حسني مبارك. هنا، لا تقع المسؤولية على الرئيس السابق وحده بمقدار ما انها تقع على نظام لم يستطع منذ قيامه في العام 1952 التكيف مع المتغيرات الدولية، اقله اعلاميا، على الرغم من انتقال مصر من معسكر الى آخر على الصعيد الدولي. بعد 1952، في العام 1954 تحديدا، بدأت الصحف المصرية تتحول الى صحف القارئ الواحد بعدما قرر جمال عبدالناصر والضباط الذين كانوا الى جانبه تأميم وسائل الاعلام. لم يعد مهمّا على سبيل المثال ان يكون لـ"الاهرام" اي تأثير على المواطنين المصريين، بمقدار ما ان المطلوب ان يقرأها عبد الناصر في الصباح ثم يبدي ارتياحه الى مادة الصفحة الاولى. مثل هذا الاعلام الاقرب الى الاعلان هو الذي قاد الى هزيمة 1967. مثل هذا الاعلام الموجه الذي لا علاقة له بما يدور في العالم، وحتى داخل مصر نفسها، بقي متحكما بذهنية كبار المسؤولين في القاهرة ولم يسمح لهم بالانتقال الى مرحلة مختلفة ذات علاقة بالثورة التكنولوجية التي حولت الكرة الارضية الى قرية كبيرة...
بقي مبارك اسيرا لاعلام معين، لم ينتج سوى من هم على شاكلة احمد سعيد وان باسماء اخرى. ولكن مع فارق اساسي يتمثل في ان جمال عبدالناصر عرف باكرا خطورة الاعلام وكيفية استخدامه في مواجهة اعدائه ومنتقديه في العالم العربي، فانشأ مؤسسات اعلامية خارج مصر، في بيروت تحديدا، واستعان باقلام معينة كانت محسوبة على خطه بقي يموّلها سنوات طويلة.
بالنسبة الى حسني مبارك، بخلاف ناصر، لم يكن لديه ادراك يذكر لاهمية الاعلام وانه في مستوى السياسة في اقلّ تقدير. في عهد مبارك، لم يعد لمصر اي وجود اعلامي خارجي، فيما لم يعد لاعلامها الرسمي اي تأثير في الخارج وحتى في الداخل. فكان ما كان... وكانت الشكوى من الاعلام!
تنبه معمّر القذافي باكرا الى اهمية الاعلام. كان لدى الزعيم الليبي، الذي بات في طريقه الى الخروج من السلطة، حس اعلامي مرهف وذلك عندما كان لا يزال شابا. اسس القذّافي مطلع السبعينات من القرن الماضي صحفا ومراكز دراسات في الخارج. في مرحلة معينة، كان هو وزير الاعلام الحقيقي في ليبيا. لكن قدرته على متابعة مؤسساته هذه بقيت محدودة. الاهمّ من ذلك كله، انه لم يدرك ان الاستثمار في الاعلام مسألة مرتبطة بالاستمرارية وليس قضية موسمية. لم يفهم القذافي سوى متأخرا جدا ان الاموال التي صرفها على السلاح ستعود عليه بنتائج افضل لو عرف كيف يصرف الجزء اليسير منها على الاعلام. من دون اعلام، بدا الزعيم الليبي قبل ايام قليلة عاريا. لم يسمح حتى لنجله سيف الاسلام بان تكون لديه صحيفة او وسيلة اعلامية جدّية قابلة للحياة وذلك بغض النظر عما اذا كان سيف يعرف شيئا عن الاعلام ام لا...
اذا كان من درس يمكن استخلاصه من الثورات التي يشهدها العالم العربي، فان هذا الدرس يتمثل في ان لعبة الاعلام خطرة الى درجة لا يمكن تركها للمحيطين بالزعماء والملوك والرؤساء والامراء. هؤلاء المساعدون الذين هم على استعداد للقول في كل دقيقة للحاكم: "كل شيء تمام يا ريّس".
المصدر: ميدل ايست اونلاين
|