الشعب أخرسهم..!
الجمعة, 28-يناير-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -

كبرت الديمقراطية اليمنية في نظر العالم وهو يشاهد يوم أمس رحابة هذه الديمقراطية الحضارية التي صارت تستوعب الرأي والرأي الآخر بأريحية رفيعة لا ضيق فيها ولا قيود طالما كان التعبير عن الرأي بوسائل حضارية وسلمية لا تعتدي على حق عام أو خاص ولا تنجر إلى ممارسات طائشة كالفوضى والتخريب وتعطيل مصالح المواطنين وإثارة الفتن فيما بينهم وإلحاق الضرر بالسكينة العامة والسلم الاجتماعي.
وقد استحقت الديمقراطية اليمنية هذا الإكبار والثناء والتقدير من قبل كافة المتابعين والمراقبين السياسيين والإعلاميين وهم يشاهدون العاصمة صنعاء تشهد في وقت واحد فعاليتين للتعبير عن الرأي: الأولى لأنصار الحزب الحاكم وحلفائه والثانية لأحزاب المعارضة، ورغم التناقض الكبير في أهداف الفعاليتين وغاياتهما والتباين في أطروحاتهما، فقد تعاملت أجهزة الدولة وفي الصدارة منها الأجهزة الأمنية بروح حضارية مسؤولة ودون غضاضة أو تكدر من تلك الشعارات التحريضية التي حاولت من خلالها للأسف أحزاب "اللقاء المشترك" استفزاز وإثارة حفيظة من لا ينتمون إليها وخاصة سكان الأحياء التي أقامت فيها فعالياتها.
وفي كلا المشهدين بدا جلياً الفرق الشاسع بين من يرفعون اسم اليمن حباً له وحرصاً على أمنه واستقراره ومنجزاته ومكاسبه الوحدوية والديمقراطية والتنموية، وبين من خرجوا للمتاجرة بالوطن ومصالحه وأمنه واستقراره ومحاولة النيل من ثوابت شعبه الوطنية، يدفعهم إلى ذلك مجموعة من المغامرين السياسيين الذين يلهثون وراء مصالحهم الذاتية الأنانية ويسعون للوصول إليها عن طريق إثارة الفوضى والاضطرابات والتغرير بالبسطاء وتزييف وعيهم وزرع اليأس والقنوط في نفوسهم وبالذات منهم أولئك الشباب الذين يعانون من ظروف البطالة أو شظف العيش.
والمؤسف والمؤلم أن من يستغلون معاناة هؤلاء، هم السبب الرئيسي في إطالة بقائهم في طابور البطالة وتفاقم معاناتهم، نتيجة ممارساتهم السياسية المعتمدة على افتعال الأزمات وإقلاق الأمن والسكينة وتماهيهم مع قطاع الطرق والمخربين ومثيري الفتن والخارجين على النظام والقانون، وغيرها من الممارسات غير المسئولة والحملات الإعلامية المغرضة التي انعكست سلباً في إحجام العديد من رؤوس الأموال العربية والأجنبية عن الاستثمار في اليمن وإقامة المشاريع التي كان يعول عليها استيعاب الكثير من الشباب وتوفير فرص عمل لهم تؤمن لهم مصادر الرزق والعيش الكريم، بالإضافة إلى ما لحق بقطاع السياحة من ضرر أفقد الخزينة العامة مورداً هاماً كان يمكن أن يعزز من قدرة الاقتصاد الوطني.
وليس من باب التجني القول بأن هؤلاء المغامرين السياسيين لا يختلفون في مسلكهم هذا عن أولئك الذين قادهم فكرهم المتطرف إلى الجنوح لأعمال الإرهاب، فالمتطرفون الإرهابيون يقومون بغسل أدمغة الشباب الذين لم يبلغوا الرشد واستغلال ظروف المحبطين منهم ودفعهم إلى محرقة الموت بتفجير أنفسهم ليعودوا الى أمهاتهم أشلاءً ممزقة، فيما يتخذ المغامرون السياسيون معاناة مثل هؤلاء الشباب مطيّة لبلوغ مآربهم عبر تحويلهم من أدوات للبناء إلى معاول هدم لتخريب وطنهم وزعزعة أمنه واستقراره وسكينته العامة وإثارة الشقاق بين أبناء مجتمعهم، وذلك انطلاقاً من تخديرهم بالشعارات الكاذبة والزائفة والتضليل الممنهج الذي يحول دون رؤية أولئك الشباب للحقيقة المجردة.
ويمكن استشراف وجه التشابه في الحالتين في أن الإرهابيين يدفعون بالشباب إلى إراقة الدماء وإزهاق الأرواح والانتحار على قارعة الطريق تحت يافطة أنهم سيضمنون لهم الجنة، والحال نفسه مع المغامرين السياسيين فهم يدفعون بالشباب إلى العنف والتخريب وتدمير أنفسهم ومجتمعهم وذلك عبر إغرائهم بمجد زائف فيما يصورونه لهم زوراً وبهتاناً بأنه "نضال مقدس"!!.. في حين أنه في الحقيقة فعل إجرامي مدنس.
وعلى كل حال، فقد اكتشف القاصي والداني وفي المقدمة أولئك المغامرون السياسيون أن الغلبة في هذا الوطن لأيدي البناء والتقدم والنهوض الحضاري ودعاة المحبة والإخاء والوئام والأمن والاستقرار والتنمية الذين كانت شعاراتهم يوم أمس:
لا للفوضى والتخريب وأصحاب المشاريع الهدامة..
لا للمضللين والدجالين وتجار السياسة..
لا لصناع الأزمات ودُعاة الفرقة ومروجي ثقافة الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
لا للانقلابيين على الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية المرتهنين لثقافة الشمولية والفكر الكهنوتي الظلامي.
لا لمن يقومون بالتضحية بالأبرياء من أجل مصالحهم الذاتية الضيقة.
لا للفوضى اللاخلاّقة والالتفاف على النظام والقانون وشرعية المؤسسات الدستورية.
لا لتمزيق الوطن والعبث بأمنه واستقراره وبالسلم الاجتماعي العام.
وهذه وغيرها من اللاءات التي صدحت بها حناجر الآلاف من اليمنيين أمس في العاصمة صنعاء وترددت أصداؤها في كل أرجاء اليمن، أكدت بما لايدع مجالاً للشك أن هذا الشعب يعشق وطنه بصدق ويرفض أن يغامر أو يقامر بحاضر ومستقبل هذا الوطن ومقدراته ومكاسبه ومبادئ ثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي وأمنه واستقراره، وأن هذا الشعب غيور على وطنه كغيرته على شرفه وعرضه ودينه، وأنه يمكن أن يسامح في حق نفسه ولكنه لا يمكن أن يسامح في حق وطنه وثوابته.