الأحزاب.. والوطن..!!
السبت, 22-يناير-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -

يسعى البعض مع الأسف إلى اختزال الوطن وأولوياتنا عند حدود العملية السياسية والحزبية، ورؤيته وطريقة تفكيره التي لا يرى من خلالها إلى أبعد من أنفه أو قدميه، فلا يهمه أمر الاقتصاد ولا التنمية ولا أمن واستقرار الوطن والمجتمع، ولا تأمين الغذاء لأكثر من 25 مليون مواطن، ولا توفير فرص التعليم بمختلف مراحله لما يربو على 6 ملايين طالب وطالبة، وكيف يحصل هؤلاء على الكتاب المدرسي والمعلم والمقاعد المدرسية والفصول الدراسية من مدرسة ومعهد وكلية وجامعة.
إذ لا يهم أولئك البعض، الذين يمارسون السياسة والعمل الحزبي من زاوية قصيري النظر، والنرجسية الذاتية والانتهازية الفجة سوى كيف يصلون إلى مصالحهم الشخصية الضيقة، وكيف يحققون لأنفسهم حضوراً وشهرة من خلال أحزابهم التي حولوها إلى مجرد دكاكين سياسية يتاجرون بمواقفها بحسب ما يتفق ويتوافق مع تلك النزعة الانتهازية والأنانية المتضخمة التي تسيطر عليهم إلى درجة بدا فيها هذا البعض وكأنه في مواجهة مفتوحة مع هذا الوطن وأبنائه، الذين ينتظرون من أحزابهم وتنظيماتهم السياسية التي تعشموا فيها خيراً، أن تتنافس على خدمة الوطن وبنائه ورفعته وأمنه واستقراره، وأن تتنافس في البرامج وتقديم الأفضل للبلاد والعباد، وذلك عن طريق انشداد العقول والجهود في ما يعزز الأمن والاستقرار والسكينة العامة، التي تشجع الاستثمارات العربية والأجنبية على التدفق إلى اليمن وإقامة المشاريع التي تستوعب الشباب وتخرجهم من طوابير البطالة، وتمنحهم فرص الحصول على مصادر الرزق الحلال، خاصة وأن جذب هذه الاستثمارات واستقطابها وتحفيزها على الاستثمار في بلادنا لن يتأتى بدون أمن واستقرار وبدون إحساس كل من في هذا الوطن بأن مسؤولية ترسيخ الأمن فيه تقع على عاتق الجميع، سلطة ومعارضة، أحزاباً ومنظمات ونقابات واتحادات، أفراداً وجماعات.
بل أن المواطنين يريدون من هذه الأحزاب أن تبرهن أنها معهم وليست عليهم كما يريد ذلك البعض، وأن وجودها هو للبناء والعمران وتحقيق تطلعاتهم في ميادين التنمية والتقدم والنهوض الشامل، وأن هذه الأحزاب هي الرافعة لتوجهات التطور، وليست أدوات تثبيط ومعاول للهدم وإثارة الأزمات وعقبات كأداء أمام توجهات الاستثمار وترسيخ عوامل الاستقرار والسلم الاجتماعي ومسارات التنمية وبناء الاقتصاد الوطني القوي، وتعزيز قيم الديمقراطية المرتكزة على احترام إرادة الشعب الحرة، ومؤسساته الدستورية.
ولا نبالغ إذا ما قلنا أن هناك من بات يتساءل بكل حرقة وألم حول الأسباب والمبررات التي تدفع بعض القوى السياسية والحزبية في بلادنا إلى تصرفات وممارسات طائشة وغير مسؤولة تلحق الضرر البالغ بالديمقراطية والتنمية والاقتصاد ومسارات الاستثمار، وتعمل على تعطيل مصالح المواطنين، والإساءة إلى سمعة هذا الوطن، إمّا بدافع ذاتي ومصلحي. أو لغايات حزبية أو رغبة في الظهور والشهرة، أو بهدف البحث عن دور أو أدوار، وإلاَّ كيف نفهم اندفاع البعض إلى التحريض على العنف والفوضى، وجرائم التقطع في الطرقات، وأعمال القتل فضلا عن الدفاع عن الخارجين على القانون، ومشعلي الفتن وأصحاب السوابق من ذوي العاهات النفسية والذهنية، الذين لا يروق لهم العيش إلاّ في مستنقعات الارتزاق والتآمر.
وكيف نفسر ذلك الجنوح الغريب والعجيب الذي يمارسه هذا البعض تحت يافطة حرية الرأي والتعبير بغية ضرب هذه الحرية المسؤولة واستبدالها بحالة من الانفلات الفاضح والمخزي بما يلحقه بالمواطن من أذى وبما يسوقه من أفكار ملوثة عن مفاهيم الديمقراطية الحقة وأخلاقياتها وقيمها الأصيلة؟.
وكيف نفهم ذلك الاندفاع الذي يتحرك في اتجاه إغراق العمل الحزبي في مهاوي المزايدات، وتحويله إلى مجرد أبواق للمساومة وتلبيد الأجواء وتعكير الاستقرار الأمني، وممارسة الإرهاب الفكري، وتوليد الشلل النفعية، التي تحاول أن تجعل من نفسها وصياً على هذا الشعب باسم التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير في اعتساف فاضح للديمقراطية والعمل الحزبي الذي من المفترض انتهاجه لطروحات متحضرة تهذب النفوس، وترتقي بروح المسؤولية الوطنية لدى من يمارسونها، وتعمل على تكريس معاني المحبة والتآخي والترابط الاجتماعي وتقوية الحس الوطني بمشاعر الانتماء إلى الوطن والولاء العميق له.
ومثل هذه الأسئلة، وإن كانت تطرح نفسها على أولئك البعض، فإنها تناشد ضمائرهم وتدعوهم إلى الاعتدال، وتقويم تصرفاتهم ومواقفهم في ضوء ما تستلزمه مصالح الوطن العليا، ومفاهيم التعددية السياسية الواقعية والمنطقية، وواجبات وحقوق المواطنة الصالحة وثقافة المحبة والإخاء والشراكة ومعايير المسؤولية الوطنية، إلى جانب التمييز بين الانتماء للحزب والانتماء للوطن، واستيعاب أن الحزب هو الوسيلة والوطن هو الغاية التي ترقى إلى مرتبة القداسة وجعله أولاً وفوق كل الاعتبارات.