الأوطان لا تدار بالأزمات..!!
الجمعة, 21-يناير-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -

أمام ما وصل إليه شعبنا اليمني من وعي ونضوج، فإنه لم يعد بحاجة لمن يدله على ما يفعله، أو يفرض عليه وصايته أو يعلمه كيف يمارس حقوقه السياسية والديمقراطية، أو يرشده إلى ما يضره وما ينفعه، باعتبار أن هذا الشعب صار قادراً على تحديد توجهاته ومساراته، بعيداً عن كل ما يدعوه إلى التصرف خارج نطاق روح المسؤولية نحو نفسه ووطنه الذي ينتمي إليه.
وها هي سمات هذا الوعي تتجلى اليوم بأنصع صورها المشرقة في رفض المواطن اليمني لكل الدعوات الفوضوية الهدامة التي تحاول استهداف أمن الوطن واستقراره ومؤسساته الدستورية ، وأن تجعل من بعض السذج والغوغائيين مجرد كباش فداء وسلماً للوصول إلى بعض المصالح الذاتية الضيقة والأنانية على حساب المصلحة العليا للوطن التي ترتبط بمصلحة كل أبنائه.
لقد أدرك شعبنا بفطنته وحسه الذكي أن بعض الشلل السياسية والحزبية الفاسدة قد استهوتها مظاهر البريق الإعلامي وحب الشهرة والرغبة الجامحة في الظهور، فاتجهت إلى تسويق نفسها تحت شعارات كاذبة وزائفة ومخادعة، ظناً منها أنها بهذه الشعارات ستتمكن من التغرير على البسطاء وتضليلهم ودفعهم إلى تأييدها ومناصرة أهدافها وغاياتها النفعية والانتهازية، إلاّ أن محاولاتها باءت بالفشل، وأكبر شاهد على ذلك أنه وبمجرد أن شعرت أن المواطن الذي أرادت أن تغرر به للاضرار بالوطن ومؤسساته الدستورية ليس معها، ويرفض كل تصرفاتها غير المسؤولة، اتجهت إلى إرسال بعض قياداتها إلى الأرياف والقرى والعزل لتستجدي الوقوف معها من قبل المواطنين في تلك القرى والعزل بوسائل شتى، ومن ذلك العصبية الجهوية أو المناطقية أو الأسرية أو القبلية والعشائرية أو شراء الذمم والإغراءات المادية.
ورغم كل هذه الوسائل والأساليب الماكرة، خابت كل رهاناتها، حيث لم تجد من يلقي لها بالاً سوى النزر القليل من البسطاء الذين وقعوا في حبائل خداعها وهي تجرهم إلى تجمهرات داخل بعض الأسواق العامة رفعت فيها شعارات مخادعة لا تفصح عن أن وراءها قوى حزبية وسياسية تريد الانقلاب على الديمقراطية وإرادة الشعب بعد أن فشلت مرارا في نيل ثقته نتيجة خطابها الفوضوي المأزوم وتصرفاتها المغامرة غير المسؤولة، وهو ما يتضح في خلو بعض تلك التجمهرات من أي شعار حزبي، لتبدو تلك التجمهرات وكأن الأساس فيها المطالبة بتعبيد طريق أو استكمال مشروع تنموي في قرية أو عزلة أو مديرية.
والمؤسف أن من يلجأون إلى هذا الأسلوب المخادع والمفضوح لا يختلفون عن أولئك الذين يظهرون علينا في بعض القنوات الفضائية لتحريض بعض الشباب العربي على إحراق أنفسهم، رغم علمهم بأن من يقدم على تلك الجريمة هو في كل الديانات السماوية قاتل لنفسه وجزاؤه جهنم وبئس المصير، باعتبار أن المحافظة على النفس واجب شرعي ومقصد من مقاصد الدين الحنيف، التي اعتبرها الفقهاء من الضرورات الخمس التي تقدم حتى على أركان الدين.
إذْ أن من يدعو إلى الفوضى السلوكية وتهديد الأمن والسلم الاجتماعي ونشر الفوضى لا يختلف عمن يحرض الشباب غير الراشدين على إزهاق أرواحهم التي أودعها الله أمانة لديهم وليست ملكاً لهم حتى يتصرفوا فيها كما يشاءون ويحلو لهم.
قال تعالى: "يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي" صدق الله العظيم.
والمؤسف حقاً أن تستمرئ مثل هذه القوى السياسية والحزبية في بلادنا ركوب موجة الأفعال والتصرفات المتشنجة التي كانت وما تزال السبب الرئيسي في تعكير أجواء الحوار وقيام الشراكة الوطنية المسؤولة، وضياع الكثير من الفرص والمبادرات الجادة التي ترنو إلى تعزيز التوافق الوطني وصهر كل القدرات والطاقات في صروح البناء والإنجاز والنهوض باليمن تنموياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتجسيد قاعدة الحوار السلمي تحت سقف الدستور والقانون والمؤسسات الديمقراطية.
وما نأمله هو ألا تظل هذه القوى الحزبية حبيسة لأفكارها الانقلابية والمراهنة على الأزمات وإثارة أجواء الفوضى، وأن تتجه إلى التعاطي الإيجابي مع المبادرة الأخيرة للمؤتمر الشعبي العام، وتمضي مع الإجماع الوطني بالمشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، ومناقشة مشروع التعديلات الدستورية المطروحة على مجلس النواب، والتي تتضمن جملة من الإصلاحات السياسية والقانونية والاجتماعية، التي تصب في مجرى استكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة، فذلك أجدى لها بدلاً من إهدار الوقت في مناكفات ومكايدات عبثية لا تقدم ولا تؤخر ولا تفيدها بشيء وتضر بالوطن والمواطنين وأن تدرك هذه القوى أن الأوطان لا تدار بالأزمات والمسلكيات الانفعالية والهروب من الاستحقاقات الديمقراطية التي هي حق للشعب، وإنما تبنى بقيم الإيثار والإخلاص للوطن واحترام الدستور والقانون والمؤسسات الشرعية.