القمة الاقتصادية والفجوة الغذائية العربية
الخميس, 20-يناير-2011
ممدوح الولي -

استفادت الدول العربية من خبرتها في مواجهة مشكلة أزمة الغذاء العالمي خلال النصف الأول من عام 2008. خلال تصديها لارتفاع أسعار الحبوب والغذاء مؤخرا خاصة مع انعكاس تلك الأسعار المرتفعة على ظهور احتجاجات شعبية في عدد من البلدان العربية مؤخرا مثل الجزائر وتونس والأردن وموريتانيا.

وفى ظل نجاح المظاهرات التونسية في إقصاء رئيس الدولة فقد سارعت عدد من الدول العربية للتراجع. عما كانت تنويه من تقليل الدعم على بعض السلع في إطار سعيها لإصلاح منظومة الدعم. بل سارع بعضها لزيادة مخصصات الدعم السلع والاهتمام بمواجهة احتمالات ارتفاع أسعار الغذاء خلال الفترة القادمة. في حالة حدوث تغيرات مناخية مفاجئة كما نبهت منظمة الفاو المعنيه بالأغذية والزراعة.
وما بين مسارعة الجزائر وتونس والأردن بالتراجع عن ارتفاعات سعريه. وإيقاف وزير البترول اليمني لوجود طوابير أمام محطات الوقود. وتقديم سوريا دعما لزيت التدفئة. وإلغاء ليبيا كافة الرسوم الجمركية ورسوم الخدمات على كافة السلع الغذائية المنتجة محليا أو خارجيا. وسعي السعودية لزيادة مخزونها من القمح وثمانية سلع أخرى. واتجاه مصر لتنظيم أكثر للتجارة الداخلية بها.

يتضح تنوع الأساليب التي اتخذتها الدول العربية لمواجهة ارتفاع أسعار الغذاء. وهى الأساليب التي تدور حول استمرار دعم السلع الغذائية ليكون الدعم بمثابة عازل ما بين أسعار السلع المدعومة المرتفعة بالأسواق الدولية وأسعارها بالأسواق المحلية. وخفض أو الغاء الضرائب والرسوم الجمركية على الأغذية المستوردة. والتوسع في دور المجمعات الاستهلاكية لتكون بمثابة شريان لتوزيع السلع بأسعار تقل عن أسعارها لدى منافذ القطاع الخاص.

وتشديد الرقابه على الأسواق خاصة فيما يخص قوانين حماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار. وتسهيل الإجراءات المصرفية أمام المستوردين من القطاع الخاص لزيادة المعروض من الغذاء بالأسواق المحلية. وعودة الاتجاه للتوسع في الزراعة خارج الحدود لتوفير المنتجات الغذائية.

إلا أن كل تلك الإجراءات التي قد تنجح في الحد من آثار الارتفاعات السعرية الخارجية. تعد بمثابة حلول وقتيه قصيرة الأجل. حيث يتطلب استمرار ارتفاعات السلع دوليا مزيد من تلك الإجراءات كل فتره. في حين أن بعض تلك الإجراءات لا يمكن السير فيها بشكل دائم. فاستخدام الدعم الغذائي يقابله عجز في موازنات كثير من الدول العربية. حيث شهد العام الأسبق وجود عجز بموازنات 12 دوله عربيه.

وعندما يتم خفض الرسوم والجمارك أو إلغاءها فسوف يتم الوصول إلى نقطه لا يمكن بعدها استخدام نفس الوسيلة عندما تصل الرسوم والجمارك إلى الصفر. وأحيانا ما يتسبب طول الإجراءات الجمركية في دفع رسوم أرضيات أو تخزين أعلى من نسبة الجمارك يتم تحميلها لتكلفة السلع.

كما أن خفض نسب التغطية للاعتمادات المستندية لتسهيل استيراد السلع له حدود. والتوسع في استخدام آلية المجمعات الاستهلاكية يقابله استيراد تلك السلع بأسعار مرتفعة. كما أن ارتباط بعض المستوردين بأشخاص نافذين في دوائر الحكم يقلل من إمكانية الحد من احتكارهم. بل إن بعضهم له سطوه سياسيه.

وهكذا فإن تلك الآليات تصلح لمواجهة مشكلة عارضه. لكننا أمام مشكلة عويصة يتوقع استمرارها لسنوات طويلة. في ظل واقع غذائي عربي بلغت فيه نسبة الصادرات الغذائية العربية إلى الواردات الغذائية العربية في عام 2008 نحو 26 %.
بل إن تلك النسبة بلغت واحد بالألف في ليبيا و3 % بالجزائر. وأقل من 4 % بالعراق و6 % بالكويت و15 % بالسعودية و17 % باليمن. والغريب أن الدولة العربية الوحيدة التي زادت صادراتها الغذائية عن وارداتها الزراعية كانت تونس!

وفى ظل نسبة اكتفاء عربي عام 2008 بلغت 29 % بالسكر المكرر و37 % بالزيوت والشحوم و42 % للقمح والدقيق. و56 % للبقوليات و70 % للألبان ومنتجاتها و74 % للأرز. ومع فجوة بين الصادرات الغذائية العربية والواردات الغذائية بلغت قيمتها عام 2008 نحو 55 مليار دولار.

فنحن بحاجة إلى حلول عربيه متوسطة وطويلة الأجل تستند إلى تركيز الاهتمام بالإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي داخل المنطقة العربية. وحل مشاكل الاستثمار الزراعي البيني عربيا والتي تراوحت نسبتها ما بين 5 % إلى 8% على مستوى الدول العربية.

والتي تتضمن عدم توافر البنية الأساسية وقلة الخدمات المساندة مثل وسائل النقل والتخزين. والعقبات أمام تدفق رؤوس الأموال والعمالة الزراعية. وضعف كفاءة العاملين بالزراعة. وغلبة الأسلوب التقليدي في إدارة القطاع الزراعي. وقلة موارد الائتمان الزراعي وارتفاع نسبة فوائده. وضعف القروض الزراعية المتوسطة وطويلة الأجل في ظل استحواذ القروض الموسمية على نسبة 82 % من الإجمالي. وعدم توافر التغطية التأمينية الزراعية.

وهكذا فإن مشاكل نقص الغذاء معروفة ومزمنة. ويتوقع استمرارها لسنوات لتهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ومن هنا فإن القمة الاقتصادية العربية تعد فرصة لاتخاذ خطوات عمليه في ملف رفع نسبة الاكتفاء الذاتي العربي من الغذاء.

*نقلا عن صحيفة "العرب" القطرية.