ذاكرة الشعب لا تنسى ..!!
الثلاثاء, 18-يناير-2011
أفتتاحية صحيفة الثورة -

حينما نَحُضُّ أحزاب اللقاء المشترك على المشاركة الفاعلة في المناقشات الجارية اليوم تحت قبة البرلمان حول التعديلات الدستورية، فلأننا ندرك تماماً أن هذه التعديلات هي من سبق وأن دعت إليها هذه الأحزاب، وشكلت إحدى الأولويات في البرنامج الانتخابي لمرشحها في الانتخابات الرئاسية عام 2006م والذي نصت الفقرة "د" منه على ضرورة تطوير النظام السياسي والدستوري.
وفي الفقرة "ج" من نفس الباب جاء تأكيد أحزاب المشترك على أهمية الانتقال إلى نظام المجلسين "النواب" و"الشورى" في تكوين السلطة التشريعية. كما دعت هذه الأحزاب في ذات البرنامج إلى تحديد مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات ومدة البرلمان بأربع سنوات.
وينطبق الحال على التعديلات الأخرى والتي امتدت لتشمل ثلاثين مادة من الدستور.
ولعل ذلك هو ما يشجعنا دائماً ويحفزنا على تذكير هذه القوى السياسية أن مصلحتها تكمن في المشاركة في طرح رؤاها حول هذه التعديلات جنباً إلى جنب مع الأطراف السياسية والحزبية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني، وألا تغيّبَ نفسها عن هذا المشهد الذي سيترافق مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، باعتبار أن مثل هذه المشاركة ستساعدها كمعارضة على تقويم أدائها، وتصحيح أية اعتوارات أو أخطاء تكتنف هذا الأداء.
وإنه لمن المؤسف أن تغدو التعديلات الدستورية المطروحة على مجلس النواب باعثاً على الهرج والمرج ومثاراً للتفسيرات الاعتسافية من قبل بعض القوى السياسية والتيارات الحزبية، التي جنحت مع سبق الإصرار والترصد، ليس فقط للتنكر لحقيقة أن هذه التعديلات كانت بالنسبة لها حتى وقت قريب مطلباً ملحاً ولكن الأغرب من كل ذلك أن تلجأ هذه القوى إلى سيكولوجية الخطاب التضليلي والتحريضي من خلال أسلوب الاستبطان الذي لا يشعر معه من يوجه إليهم ذلك الخطاب التضليلي بأنهم واقعون تحت تأثير زيف صارخ لا يحترم عقولهم ولا يضع اعتباراً لما تختزنه ذاكراتهم.. من وقائع وشواهد ما كان وما صار.
وهل هناك أبشع من أن تصور تلك التعديلات الدستورية على أنها ارتداد على النظام الجمهوري ومبادئ الثورة اليمنية..؟!.
لا لشيء وإنما لنسف كل جميل في محتوى هذه التعديلات عن طريق "الولولة" والتباكي وذرف دموع التماسيح على الثورة والجمهورية التي نعلم أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن قيمها وثوابتها ومقاصدها النبيلة، لأنهم لو كانوا يؤمنون بمثل هذه القيم لما انجروا لمثل ذلك الكذب الفاضح والدور المسرحي الهزيل الذي يؤدونه بصورة باهتة هذه الأيام في بعض المناطق الريفية، ظنّاً منهم أن ذلك المواطن البسيط والفلاح النقي والمزارع الذي لا يعرف أحابيل الزيف والخداع هو من يمكن أن ينطلي عليه مثل هذا الخطاب الماكر.
لقد فات على كومبارس تلك المسرحية الهزيلة أن ذلك المواطن الذي يسعون إلى استغفاله بعد أن فشلوا في استغفال إخوانه في المناطق الحضرية هو أذكى منهم بكثير، وأنه بفطنته ووعيه الحضاري قادر على التمييز بين الغث والسمين.
وتقتضي المسؤولية الوطنية أن نكاشف الشعب بالحقيقة كما هي لا كما تصورها تعابير تلك الوجوه التي تتشابه في مشاهدها المسرحية أو في ما تقدمه من مغالطات في ما يتصل بالتعديلات الدستورية.
حيث عمدت تلك الأحزاب إلى اختزال تلك التعديلات في المادة «112» حول الفترة الرئاسية مع أن الكل يعلم بأن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية هو من طالب بإنقاص الفترة من سبع سنوات إلى خمس سنوات ولفترتين انتخابيتين فقط وهو ما سيلتزم به المؤتمر بالتأكيد وحيث أن فخامة الأخ الرئىس علي عبدالله صالح هو أول من بادر إلى جعل منصب الرئاسة تنافسياً مباشراً وحدده بدورتين انتخابيتين من أجل تعزيز وترسيخ النهج الديمقراطي وتجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة وعندما تم الرفع بمشروع التعديلات إلى السلطة التشريعية من قبل كتلة المؤتمر الشعبي العام فإنما كان ذلك من أجل إثرائها بالنقاش والآراء كمنظومة واحدة أولاً ولجعل بعض المواد مجالاً للنقاشات وبعضها ربما كان من قبيل التكتيك والمناورة السياسية لإجبار أحزاب اللقاء المشترك الرافضة لمبدأ إجراء الانتخابات النيابية بالمشاركة فيها حتى لا تشعر بالمزيد من الخسارة إن هي ظلت على عنادها ورفض كل شيء انطلاقاً من موقف عدمي غير حصيف جعلها موضع النقد من كافة الأطراف المحلية والخارجية المهتمة بالعملية الديمقراطية في اليمن ولهذا فإن الإصرار على التمترس وراء تلك الدعايات المضللة وتشويه الحقائق والاتكاء على مفاهيم جامدة ورؤى عقيمة حرفتها لنفسها لتجميد الحياة وإعاقة كل شيء والاستمرار في مساندة أعمال الفوضى والعنف والتخريب وهي أول الخاسرين منها قطعاً لأن الشعب اليمني يعرف الحقيقة دون تزييف وهو على درجة من الوعي للتمييز بين الحق والباطل وفي الدفاع عن مصالحه ومكاسبه وصيانة أمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي.
ولا ندري إلى متى سيظل هؤلاء يكررون نفس الأسطوانة المشروخة.. وإلى متى يستمرون في ذلك الأسلوب الذي أقل ما يقال فيه أنه خطاب مخادع يستخف بعقول الناس وهو أيضاً خطاب بائس يجسد بالدليل القاطع أن هؤلاء لم يصلوا بعد إلى سن الرشد، حتى يتمكنوا من التعاطي مع مسارات الديمقراطية والقضايا الوطنية ككبار يحترمون أنفسهم ومتلقيهم ومن يوجهون إليهم تلك المغالطات والافتراءات بصيغ مبطنة يغلب عليها التشويش والتشويه للحقائق والوقائع، دون وعي أو إدراك أن السياسي إذا ما تحول إلى ممثل مسرحي، أصبح دوره باهتاً وسطحياً ومثار سخرية للشعب.
ومثل هؤلاء معذورون، لأنهم لم يتعلموا للأسف من أخطائهم، ولم يستفيدوا من إخفاقاتهم ولم يتعظوا من ماضيهم.