أدعياء الديمقراطية..!!
السبت, 25-ديسمبر-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -

بعد أيام قلائل سندخل نحن وجميع بلدان العالم العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وأمامنا الكثير من التحديات والكثير من الآمال والتطلعات، والكثير من الاستحقاقات الواجبة الأداء في مواعيدها وأزمنتها، دون تلكؤ أو مماطلة أو تسويف أو مراوحة، وفي مقدمة هذه الاستحقاقات الانتخابات النيابية، التي لاشك وأنها ستضيف إلى رصيدنا الديمقراطي انتقالة نوعية جديدة تسهم في تعميق الوعي الجماهيري بالممارسة السياسية، وتعزيز تقاليدها وأخلاقياتها ومفاهيمها الحضارية، لقناعتنا بأن الممارسة الديمقراطية هي ثقافة وهذه الثقافة تكتسب عبر الالتزام بإجراء الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها الدستورية، بحيث يصبح الجميع متكيفاً مع هذه الانسيابية، كشكل من أشكال الالتزام الدائم بهذه الاستحقاقات التي صارت محكومة بقواعد دستورية وقانونية غير قابلة للخرق أو التجاوز أو أي نوع من أنواع المساومة.
وفي إطار رسوخ القناعة بهذه المحددات نفهم ذلك الحماس والتفاعل الجماهيري تجاه بدء الخطوات التحضيرية والاستعدادات الجارية للعملية الانتخابية القادمة، وإجرائها في موعدها المحدد، حيث عبرت الجماهير اليمنية من خلال هذا الحماس والتفاعل عن أنها لن تحترم إلاّ من يحترم إرادتها وحقوقها الديمقراطية والسياسية، ويحترم ثوابتها ومصالحها العليا، ويحترم قواعد العمل السياسي والحزبي، ويُخْضِعُ تصرفاته وتوجهاته لما يخدم مصلحة الوطن وينتصر لقيم هذا الوطن وحقه في التطور والنهوض والأمن والاستقرار، باعتبار أن الوطن هو فوق الأشخاص وفوق الأحزاب وفوق الانتماءات السياسية والحزبية، وفوق الأهواء والرغبات والأمزجة والنوازع الطافحة بالنرجسية الذاتية أو المطامع الحزبية.
فالوطنية ليست مجرد شعارات، وإنما هي سلوك ومنهاج عمل وإخلاص وصدق في حب الوطن والولاء له والتضحية من أجله.. ومن يتحدث عن الوطنية لابد وأن يكون القدوة في الالتزام بالدستور والقوانين، والقدوة في كل تصرفاته ومواقفه وأن يكون الأحرص على تمثل المعاني الوطنية التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
أما من يتصرف بموجب قاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان" و"أنا أولاً والوطن ثانياً" فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون وطنياً أو يملك ذرة من الوطنية.
كما أن من يحاول الالتفاف على الدستور والقانون وتفصيل الديمقراطية على مقاسه ومصالحه، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً أو يفهم الحد الأدنى من ثقافة الديمقراطية.
وهؤلاء حالهم حال من يصمون آذاننا بالشعارات والتنظيرات والمؤتمرات الصحفية والبيانات السياسية والسجالات الكلامية والمزايدات الجوفاء ويذرفون دموع التماسيح في المنابر والقنوات الفضائية على الوطن والديمقراطية، فيما هم في الحقيقة تحركهم أهداف خاصة وغايات ضيقة وأنانية بخوض مثل تلك المعارك التي يطغى عليها الضجيج والعويل والصراخ واهمين أنهم بذلك النعيق الأجوف سيخدعون الشعب الذي صار يعلم حقيقتهم ونواياهم وما يخططون له وما يدبرونه وما يرمون إليه ولذلك لم يعد هذا الشعب يلقي بالاً لزوابعهم، فلو كانوا حقاً مع هذا الشعب لكانوا سنداً لتجربته الديمقراطية ولانصاعوا لإرادته، ولكانوا مع الإجماع الوطني ولما استبدلوا هذا الإجماع بالتحالف مع عناصر التمرد والتخريب والقتلة واللصوص، والخارجين على النظام والقانون، ولما اتجهوا إلى إحراق المراحل، ولما تمترسوا في خنادق المتربصين بالوطن، ولما تنكروا للحوار، ولما انقلبوا على الاتفاقات والعهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم ولما تورطوا في التمترس وراء قطاع الطرق وسفاكي دماء المواطنين الأبرياء، ولما جعلوا من أنفسهم وأحزابهم بمثابة غطاء سياسي وإعلامي لأولئك المارقين.
ومع ذلك فإن كثيراً من أبناء شعبنا يرددون اليوم "رب ضارة نافعة" فقد أظهرت مواقف هؤلاء خلال السنتين الماضيتين الحالة الديماغوجية التي تسيطر عليهم والنرجسية المعشعشة في دواخلهم، إلى درجة صاروا فيها لا يميزون بين الجائز وغير الجائز والخاص والعام والحزب والوطن، وبين حجمهم المتواضع على الساحة وبين شعب يصل تعداده إلى 25 مليون انسان فقد أنستهم تلك النرجسية كل شيء فغابت عنهم الحقائق، وانساقوا في غيهم جاعلين أنفسهم متحدثين باسم هذا الشعب وأوصياء عليه، حتى أنه يخيل لمن يسمعهم أن تمثيلهم في البرلمان يصل إلى 300 نائب فيما الآخرون لا يمتلكون سوى مقعد واحد تحت قبة هذا البرلمان.
إنه الزيف ولا غيره، والمكابرة والعناد أوصلت هؤلاء إلى مثل هذه "الشيزوفرينيا" التي تجاوزوا بها كل معقول أو مقبول في العمل السياسي والحزبي ليظلموا بذلك أنفسهم قبل أن يظلموا الوطن.
وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".