الحديث التاريخي
الثلاثاء, 21-ديسمبر-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -

بلغة حصيفة وواضحة وشفافة كشف فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية في كلمته التي ألقاها يوم أمس في الندوة العلمية التي نظمتها جامعة عدن تحت شعار "اليمن أولاً" حول "الأبعاد السياسية والقانونية للاستحقاق الدستوري لدولة الوحدة"، العديد من الحقائق التاريخية، التي تُبصر أجيال الثورة والوحدة بكل الإرهاصات والملابسات والظروف التي مر بها اليمن أثناء الحقبة الشطرية وما تخللتها من حروب وصراعات دامية وتصادمات وتفاعلات كارثية دفع ثمنها شعبنا اليمني باهظاً من دماء أبنائه ومقدراتهم في ميادين التنمية والبناء والنهوض والتطور. ولعل أبرز هذه الحقائق تأكيد فخامته على أن تلك الحروب الدامية والتصفيات الجسدية قد أظهرت أن مشكلة اليمن لا يمكن أن تعالج عن طريق دورات العنف وإنما بإنهاء معضلة التشطير التي شكلت البؤرة الدافعة لكل الاحتقانات والاضطرابات والصراع الشطري الشطري أو في إطار كل شطر التي ظلت تكبر وتتعاظم ببقاء عوامل التجزئة والتشطير جاثمة على صدور اليمنيين. والأخ الرئيس بهذا الحديث التاريخي إنما أراد أن يضع أجيال الثورة والوحدة في صورة ما جرى والجهود التي بذلت من أجل الوصول إلى ذلك الإنجاز الوحدوي العظيم الذي حققه شعبنا في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م وكان ثمرةً لنضال شاق ومرير خاضه هذا الشعب وقدم في سبيله التضحيات الجسام، لتدرك هذه الأجيال أن ذلك الإنجاز لم يتحقق بضربة حظ أو عن طريق المصادفة، وكيف أن ذلك الإنجاز جاء لينقذ اليمن من مخاطر جمة كانت تعصف بواقعه وكادت أن تودي بوجوده وهويته الحضارية. وإذا كان فخامة الأخ الرئيس بذلك الحديث التاريخي المستند على الحقائق قد استدعى جزءاً من ذلك الماضي البغيض، فإن ذلك لم يكن لإعادة نبش مآسيه أو نكء جراحه وإنما لمجرد أخذ العبرة والاتعاظ من دروسه حتى يتجنب الجميع تكرار أخطائه المريرة والفادحة، وكان ذلك أمراً ضرورياً لإحياء ذاكرة من نسوا التاريخ أو من لم يقفوا على بعض وقائعه وحقائقه وشواهده وبراهينه، بل أن ذلك كان ضرورياً لتنشيط مفردات التفكير الجماعي خاصة لدى أولئك الذين جنحوا لوضع الأمور خارج نصابها، وذلك عن طريق تحويرهم للكثير من الوقائع الثابتة والراسخة ومحاولتهم تزييف الوعي خاصة لدى الأجيال، إما لأهداف ذاتية مصلحية أو لغايات دنيوية ضيقة. ومن حسنات هذا الحديث التاريخي أنه أتى عميقاً وشفافاً وموضوعياً ومتكئاً على قراءة متفحصة لمجريات التاريخ اليمني والمحطات التي مرت بها الخطوات الوحدوية والتي لم تسلم هي الأخرى من النزعة الانتهازية، فالحقيقة أن هناك من أراد، سواء في الشمال أو الجنوب، الدخول في الوحدة من تلك البوابة الانتهازية، أو من أراد أن يحققها بالقوة بإخضاع الطرف الاخر أو اتهامه كما صورت له أوهامه، أو من أراد أن يجعل من الوحدة نافذة للنفخ في كير الفتن وإشعال الحرب بين الشطرين حينذاك مستغلا قربه من موقع صناعة القرار ليثأر لنفسه، إلاّ أن السحر انقلب على الساحر بفضل نهج الحوار الذي اتبعه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، والذي أفضى إلى إعلاء قيم التصالح والتسامح وطي صفحة الماضي وإغلاق ملفاته، ليتمكن فخامة الأخ الرئيس بعبقرية قيادية حكيمة أن يضع عقداً اجتماعياً وسياسياً وطنياً جاء مُعبراً عن قناعات ورؤى وآمال الشعب اليمني بكل أطيافه السياسية وشرائحه الاجتماعية وتوجهاته الفكرية. ولم يكن ممكناً للأخ الرئيس في ذلك الحديث الشفاف، أن يغفل الإشارة إلى واقع العمل السياسي اليوم، وبالذات ما يتعلق منه بموقف بعض القوى السياسية التي ما زالت تتعامل مع الديمقراطية من منظور انتقائي غريب وعجيب، فهم مع الديمقراطية إن كانت لصالحهم وهم ضدها إن جاءت نتائج ممارستها على غير هواهم، لينطبق عليهم - كما قال الأخ الرئيس- المثل الشعبي القائل: "أشتي لحم من كبشي وأشتي كبشي يمشي".. وهذا المثل هو ما نجد تعبيراته في موقفهم الأخير من الديمقراطية عموما ومن الاستحقاق الدستوري والديمقراطي المتمثل بالانتخابات النيابية المقبلة على وجه الخصوص.. حيث لجأت هذه القوى إلى كل الأساليب غير المشروعة بهدف تعطيل هذا الاستحقاق الذي هو حق للشعب وليس حقاً للأحزاب. وفي هذه المسألة تحديداً، لا ندري كيف يفهم هؤلاء الديمقراطية التعددية، فهم في الوقت الذي يقولون أنهم مع النهج الديمقراطي التعددي، يطالبون في الوقت نفسه بما يسمونه الشراكة الوطنية واقتسام السلطة باعتبار أن لليمن خصوصية في هذا الجانب كما يزعمون!!.. وديمقراطية بهذا المفهوم ليست - في الحقيقة- أكثر من لعبة سخيفة تمارس فيها أبشع صنوف الكذب والزيف والخداع على الشعب، وتلك ما نأبى أن يقع اليمن في حبائلها.. ولا نحتاج هنا لكثير من التدليل أو التأكيد على أن الشعب اليمني صار من الوعي والذكاء بما لا يمكن معه أن يسمح بمثل تلك الألاعيب البلهاء أن تنطلي عليه تحت أي مسمى أو شعار. وفي كل حال، فإن من يريد حقاً أن يمارس الديمقراطية عليه أولاً أن يؤمن بمبادئها وبالذات في صفوفه أولاً، وثانياً أن يؤمن بأسس ممارستها وقواعدها، وثالثاً أن يؤمن بأن الديمقراطية خيار الشعب وأنه صاحب المصلحة الحقيقية فيها ومالك السلطة ومصدرها ولا يحق لأحد منازعته هذا الحق، ومن أراد أن يكون مع الوطن فلابد له أن يسمو فوق الصغائر ويبتعد عن الانجرار لأخطاء الماضي وأساليبه العقيمة، وأن يضع مصلحة اليمن أولاً وفوق كل اعتبار.