صناعة الغاز الطبيعي العالمية .. الآفاق المستقبلية والتحديات
الأربعاء, 08-ديسمبر-2010
د. نعمت أبو الصوف -

إجمالي الطلب على الغاز في جميع أنحاء العالم انخفض في عام 2009 نتيجة للانكماش الاقتصادي، كما أن عدم اليقين بشأن مستوى الطلب العالمي على الغاز في المستقبل هو حاليا في أعلى مستوياته منذ عقود، حيث إن توقعات النمو في الطلب العالمي على الغاز غير مؤكدة وتخضع لعدد من العوامل غير المؤكدة، بما في ذلك قوة وسرعة النمو الاقتصادي العالمي، أسعار الغاز في المستقبل، سياسات الدول في مجال الطاقة وأمن الإمدادات، وتأثير التكنولوجيا الجديدة.

وفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على الغاز بمعدل 1.5 في المائة سنويا حتى عام 2030. من شأن هذا أن يرفع حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة الأولية بصورة طفيفة من 20.9 في المائة في عام 2007 إلى 21.2 في المائة في عام 2030. كما هو متوقع، فإن معظم النمو في الطلب على الغاز من المرجح أن يحدث في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية، لكن درجة نمو الطلب على الغاز في الصين وبلدان آسيوية أخرى هو أيضا عامل غير مؤكد، كما أن حالة عدم اليقين حول درجة الالتزام العالمي بالغاز الطبيعي باعتباره جزءا مهما وأساسيا في استراتيجية الحد من الكربون في العالم هي الأخرى غير مؤكدة. قطاع توليد الطاقة هي المحرك الرئيس لنمو الطلب على الغاز في معظم مناطق العالم.

الولايات المتحدة بذلت جهودا متزايدة لزيادة الطلب على الغاز الطبيعي، خصوصا فيما يتعلق باستخدام الغاز الطبيعي كوقود في قطاع النقل والمواصلات، كما تطرقنا في مقالة سابقة، لكن، في غياب حدوث تغييرات كبيرة في فرضيات نمو الطلب على الغاز، الطلب المتوقع على واردات الغاز الطبيعي المسال لأمريكا الشمالية انخفض بصورة كبيرة والشحنات الإضافية التي كان من المتوقع أن تتدفق على أمريكا الشمالية سيتم توجيهها إلى الأسواق الأخرى.

الصين التي هي في حاجة ماسة إلى الطاقة ستكون الزبون الرئيس لإمدادات الغاز الطبيعي المسال في المستقبل، خصوصا من أستراليا، حيث من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغاز الطبيعي في الصين بحلول عام 2020 وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. لكن حتى مع هذا النمو المتوقع في استخدام الغاز الطبيعي، حصة الطلب على الطاقة الأولية في الصين التي سيتم توفيرها عن طريق الغاز الطبيعي ستظل نحو 5 في المائة فقط في عام 2030، ذلك أن ما يقرب من نحو ثلثي الاحتياجات الحالية للصين من الطاقة الأولية يتم توفيرها من الفحم الحجري.

استخدام الغاز الطبيعي كوقود لتوليد الطاقة في الصين كان محدودا حتى الآن لعدم توافر إمدادات الغاز بصورة كافية من داخل الصين ووفرة إمدادات الفحم الحجري الرخيص الثمن، لكن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة زاد من جاذبية الاستثمار في محطات توليد الطاقة العاملة بالغاز الطبيعي، حيث تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على الغاز كوقود لتوليد الكهرباء في الصين سينمو بمعدل سنوي في متوسط قدره نحو 6.7 في المائة حتى عام 2030.

لكن النمو الفعلي في الطلب على الغاز سيتأثر بعدد من العوامل غير المؤكدة، كما أشرنا سابقا بما في ذلك قوة وسرعة الانتعاش الاقتصادي، أسعار الغاز الطبيعي في المستقبل، سياسات الدول في مجال الطاقة والبيئة، وتأثير التكنولوجيا الجديدة.

توقعات إمدادات الغاز الطبيعي في المستقبل هي الأخرى تجابه القدر نفسه من عدم اليقين في التنبؤ. تقدر وكالة الطاقة الدولية مجموع احتياطيات العالم المؤكدة من الغاز بنحو 180 تريليون مترمكعب، يمثل الغاز الطبيعي من المصادر غير التقليدية نحو 4 في المائة من هذا المجموع.

مصطلح مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية يطلق عادة لوصف تجمعات الغاز الطبيعي الموجودة في التكوينات الصخرية واطئة النفاذية جدا أو عديمة النفاذية Impermeable Rock Formation، مثل الغاز الموجود في طبقات الرمال المتراصة أو المحكمة Tight Sands، في طبقات السجيل الغازي أو الميثان من طبقات الفحم الحجري Coal Bed Methane-CDM. مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية من الممكن أن تكون أعلى بكثير من تقديرات وكالة الطاقة الدولية، لكن مدى تأثيرها على الأسواق المحلية والدولية ليس واضحا بعد.

الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي ستدعم بزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال من المشاريع الجديدة التي تم اعتمادها عندما كانت أسعار الغاز أكثر مرونة، هذه الإمدادات من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم مشكلة وفرة العرض في المدى القصير. لكن على المدى الطويل الإمدادات الإضافية سيمكن استيعابها بسهولة من النمو المتوقع في الطلب على الغاز من الأسواق الآسيوية. سيكون هناك أيضا المزيد من الطلب على الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط وأوروبا، إذا ما فشلت هذه المناطق في التوصل إلى حلول أخرى؛ للحد من الاعتماد على الواردات المتزايدة.

قدرت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة US Department of Energy الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في طبقات السجيل الغازي في الولايات المتحدة في نهاية عام 2008 بنحو 32.8 تريليون قدم مكعب، أي ما يزيد قليلا على 13 في المائة من إجمالي احتياطيات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي. لكن هذه الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في طبقات السجيل الغازي تشكل نسبة صغيرة مقارنة مع إجمالي الاحتياطيات القابلة للإنتاج من الناحية التقنية. لقد تم تحديد موارد الغاز الطبيعي في طبقات السجيل الغازي في معظم الولايات 48 السفلى في الولايات المتحدة، لكن نحو 66 في المائة من جمالي الاحتياطيات المقدرة توجد في ولاية تكساس.

الأساليب الرئيسة التي أسهمت في هذا المجال هي تقنيات الحفر الأفقي وتقنيات التكسير Fracturing Techniques الحديثة. حيث إن هذه التقنيات تؤدي إلى زيادة كبيرة في مساحة الصخور المكشوفة؛ مما يسمح للغاز بالتدفق بحرية منها. وقد أتاحت هاتان العمليتان في تطوير طبقات السجيل الغازي في المناطق التي كان يتعذر الوصول إليها وغير اقتصادية.

لقد قدرت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة إنتاج الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي في نهاية عام 2008 بنحو ستة مليارات قدم مكعب يوميا، نحو ثلثي تلك الكمية قادمة من ولاية تكساس. النمو الحالي في إنتاج الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي أثر سلبيا على أسعار الغاز على المدى القصير في أمريكا الشمالية، احتمالات استمرار النمو في الإنتاج بالوتيرة نفسها أو بصورة أكبر، سواء في أمريكا الشمالية أو في مناطق أخرى، من المحتمل أيضا أن يضع ضغوطا على توقعات أسعار الغاز على المدى المتوسط والطويل.

في أحدث توقعاتها للطاقة على المدى الطويل، تتوقع وزارة الطاقة أن يصل إنتاج الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي إلى أكثر من 12 مليار قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2020، إلى نحو 17 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2035. نمو إنتاج الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي والمصادر غير التقليدية الأخرى من المحتمل أن يحل محل الغاز الطبيعي المسال في أسواق أمريكا الشمالية، حيث من المتوقع أن يكون الغاز الطبيعي من طبقات السجيل الغازي منافسا يصورة خاصة للغاز الطبيعي المسال العالي التكلفة في حوض الأطلسي. إضافة إلى ذلك، مع فك ارتباط أسعار النفط والغاز، ستكون هناك أيضا ضغوط عالية على أي أسعار للغاز مرتبطة بأسعار النفط.

العامل الرئيس الذي من المرجح أن يؤثر على النمو المتوقع في إنتاج الغاز من طبقات السجيل الغازي هو التشريعات البيئية الجديدة، على وجه الخصوص، يشعر واضعو الأنظمة وصانعو القرار بالقلق من التهديدات المحتملة لإمدادات المياه المحلية على الصحة العامة نتيجة عمليات التكسير الهيدروليكي للصخور. حيث تتضمن هذه العمليات ضخ كميات كبيرة بضغوط عالية جدا من خليط المياه، البخار والمواد الكيماوية إلى طبقات السجيل الغازي. ويتم حاليا إجراء دراسة شاملة من قبل الوكالة الأمريكية لحماية البيئة لدراسة تأثير عمليات التكسير الهيدروليكي على نوعية المياه والصحة العامة. حيث إن الاستثمار في تطوير مصادر الغاز من طبقات السجيل الغازي يمكن أن يتراجع بصورة كبيرة جدا إذا ما تم حظر عمليات التكسير الهيدروليكي أو خفضها بشكل ملحوظ بناءً على نتائج هذه الدراسة.

تطوير مصادر الغاز من طبقات السجيل الغازي على المديين القصير والمتوسط سيؤثر في المقام الأول على التوازن بين العرض والطلب على الغاز في حوض الأطلسي، ويقوم بتحويل انتباه الموردين الصغار والرئيسين للغاز، خصوصا روسيا والشرق الأوسط، نحو الأسواق الآسيوية. 




*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.