التيسير الكمي و الرنمينبي
السبت, 04-ديسمبر-2010
مارتين فيلدشتاين -
إن سياسية ''التيسير الكمي'' التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تعمل على خفض قيمة الدولار نسبة إلى العملات الأخرى ذات سعر الصرف المعوم. ولكن ماذا تعني سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الجديدة هذه فيما يتصل بواحد من أكثر أسعار الصرف أهمية على الإطلاق ـ أي سعر صرف الرنمينبي (عملة الصين) في مقابل الدولار وغيره من العملات؟

إن تأثير التيسير الكمي في أسعار الصرف بين الدولار والعملات العائمة يُعَد نتيجة متوقعة لخطة بنك الاحتياطي الفيدرالي الرامية إلى زيادة المعروض من الدولار. ذلك أن ارتفاع حجم المعروض من الدولار يعمل على خفض قيمة كل دولار نسبة إلى هذه العملات التي ظل حجم المعروض منها ثابتاً أو ارتفع ببطء.

ولعل الهدف الذي يسعى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تحقيقه يتلخص في تحفيز النشاط المحلي في الولايات المتحدة بهدف الحد من خطر الانكماش. ولكن سواء كان ذلك مقصوداً أو من غير عمد فإن زيادة المعروض من الدولار من شأنها أن تؤثر أيضاً في القيمة الدولية للدولار. وهذا من شأنه أن يحث المستثمرين الذين يبيعون السندات لبنك الاحتياطي الفيدرالي على تنويع الدولارات التي يتلقونها منها. ومن بين أشكال هذا التنويع شراء السندات والأسهم الأجنبية، الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة تلك العملات.

فضلاً عن ذلك فإن سياسة زيادة المعروض من الدولار من شأنها أن تزيد من مخاوف المستثمرين بشأن معدل التضخم في الولايات المتحدة في المستقبل. وهذا بدوره يشكل سبباً إضافياً لدفع المستثمرين الأمريكيين إلى تحويل جزء من حافظاتهم الاستثمارية من الدولارات إلى عملات أخرى ليس من المرجح أن تشهد ارتفاعاً في معدل التضخم.

وفي ضوء رفض البنك المركزي الأوروبي لتبني سياسة التيسير الكمي، فإن المستثمرين سوف يرغبون في شراء سندات اليورو التي تصدرها ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية غير المعرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها. على نحو مماثل، وخارج منطقة اليورو، فإن هدف التضخم الواضح في السويد يجعل عملتها جذابة. وتُعَد عملات كوريا الجنوبية والبرازيل وغيرهما من الأسواق الناشئة بمثابة تنويع جذاب أيضاً للاستثمارات، الأمر الذي يدفع هذه العملات إلى الارتفاع.

ولكن قوى السوق التي تتسبب في ارتفاع قيمة هذه العملات غير ناجحة في التأثير في الرنمينبي، وذلك لأن الصين لديها قابلية محدودة للغاية لتحويل حسابات رأس المال. فلا يستطيع المستثمرون في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان أن يشتروا الرنمينبي أو السندات المقومة بالرنمينبي على النحو الذي يمكنهم به شراء عملات أخرى. وتتولى حكومة الصين، من خلال بنك الشعب الصيني، تحديد سعر صرف الرنمينبي.

لذا فإن السؤال المهم هنا هو كيف تختار الحكومة الصينية الاستجابة المناسبة لسياسة التيسير الكمي التي تبناها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والتأثير الذي سوف تخلفه هذه السياسة على العملات الأخرى. أثناء الفترة بين عام 2008 حزيران (يونيو) من هذا العام، أبقت الصين سعر صرف الرنمينبي ثابتاً عند معدل 6.8 في مقابل الدولار. وفي حزيران (يونيو) من هذا العام، قررت السلطات الصينية السماح لقيمة الرنمينبي بالارتفاع بوتيرة معتدلة، كما فعلت أثناء الفترة بين عام 2006 و2008.

وفي غضون الأشهر الخمسة التي تلت ذلك الإعلان، سمحت الحكومة الصينية بارتفاع قيمة الرنمينبي بنسبة 3.1 في المائة ـ وهي النسبة التي لا تقل كثيراً عن متوسط معدل رفع القيمة الذي سمحت به أثناء الفترة 2006 - 2008. ومن المهم أن الصين تبنت هذه السياسة قبل الخطاب الذي ألقاه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي في آب (أغسطس)، حيث أعلن عن خططه المؤقتة للتيسير الكمي.

ورغم الارتفاع الطفيف الذي سجلته قيمة الرنمينبي في مقابل الدولار منذ حزيران (يونيو)، فإن الهبوط الدولار بمعطل أكبر نسبة إلى العديد من العملات الأخرى يعني أن الرنمينبي أيضاً هبط بنسبة كبيرة نسبة إلى تلك العملات. وهذا يعني أن القيمة التجارية الإجمالية للرنمينبي انحدرت بشكل ملموس، وخاصة في مقابل عملات الأسواق الناشئة التي يتنافس معها المنتجون الصينيون.

ولقد أكد رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو أن الصين لا تريد المزيد من الزيادة السريعة لقيمة الرنمينبي، وذلك بسبب التأثير السلبي المحتمل الذي قد يفرضه ذلك على المصدرين الصينيين. والواقع أن ارتفاع حجم الصادرات الصينية أثناء الفترة 2006-2008، على الرغم من ارتفاع قيمة الرنمينبي، يشير إلى أن هذه المخاوف في غير محلها أو على الأقل مبالغ في تقديرها. ولكن من الواضح أن هبوط قيمة الرنمينبي في مقابل العملات الأخرى نتيجة لسياسة التيسير الكمي التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي يفسح أمام الصين حيزاً أكبر للمزيد من رفع قيمة الرنمينبي بسرعة في مقابل الدولار.

إن هذا النطاق الأكبر لرفع قيمة الرنمينبي يأتي في وقت ملائم بالنسبة للصين. ذلك أن الرنمينبي الأقوى من شأنه أن يساعد في خفض الضغوط التضخمية المتصاعدة في الصين من خلال خفض تكاليف الواردات، وهذا من شأنه أيضاً أن يزيد من الدخول الحقيقية للأسر الصينية ـ وهو الهدف الرئيسي للخطة الخمسية في الصين. وحتى تلك الأسر الصينية التي لا تشتري السلع المستوردة سوف تستفيد، وذلك لأن انخفاض تكاليف المواد الخام المستوردة سوف يعمل على خفض تكاليف السلع المنتجة في الصين.

وباختصار فإن سياسة التيسير الكمي التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الآن من المرجح أن تعمل على التعجيل برفع قيمة الرنمينبي ـ وهي النتيجة التي تصب في صالح الصين بقدر ما تصب في صالح أمريكا. ولكن ينبغي لنا ألا نتوقع من المسؤولين في الولايات المتحدة أن يعلنوا عن هذا الهدف صراحة، أو أن يعرب المسؤولون الصينيون عن امتنانهم. 


*نقلاً عن" الإقتصادية" السعودية.