عودة الإتجار في المال الـ "كاري تريد"
الخميس, 04-نوفمبر-2010
هانز يورج رودلف وبول روبنسون -

ذكر بنك التسويات الدولية أخيراً أن أربعة تريليونات من الدولارات يتم تداولها يومياً في أسواق صرف العملة الأجنبية، بعد أن كان الرقم 3.3 تريليونات دولار في عام 2007. ولكن في حين تسيطر مثل هذه الأرقام على حجم التجارة في أسواق صرف العملة الأجنبية على العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام دوماً، فإن الطريقة التي تتم بها المتاجرة في العملات تشكل أيضاً أهمية واضحة، ولقد تطورت هذه الطريقة بقوة على مر السنين.

والواقع أن أي كتاب مدرسي أولي يتحدث عن التمويل وتدبير الموارد المالية سينبئك بأن المستثمر يهتم بعائدات محافظه الاستثمارية الإجمالية، وليس فقط بأصولها الفردية. ويُقَدِّر المستثمرون عموماً الأصول غير المترابطة نسبياً، أو حتى الأصول المرتبطة سلباً بعائدات السوق كلها. إذ يميل امتلاك مثل هذه الأصول إلى تثبيت استقرار العائدات الكلية.

وهذا كلام جميل من الناحية النظرية، ولكن من أين تأتي مثل هذه الأصول؟ إن أسعار بعض الأسهم لا تترابط نسبياً مع السوق بطبيعتها. ولكن أسعار الأسهم تميل إلى التحرك الجماعي بمستويات متقاربة في الأوقات التي يمر فيها السوق باضطرابات. وهذا يعني أن العلاقة من الممكن أن تذهب في الاتجاه الخطأ في أسوأ وقت ممكن: فعندما يكون أحد أصول التحوط مفيداً إلى أقصى حد، فإن الأصل الذي كنت تعتمد عليه يتحول إلى مجازفة.

ولقد تم إنشاء العديد من المشتقات المالية لهذا السبب بالتحديد- السماح لكل من الشركات المالية وغير المالية بوقاية عائداتها الإجمالية. ولكن ليس كل المستثمرين قادرين على المتاجرة في المشتقات المالية.

ولهذه الأسباب جزئياً أصبح استخدام العملات لوقاية المحافظ الإجمالية أو للحصول على تقييمات مرتبطة بأسواق أصول أخرى يتمتع بشعبية متزايدة. وتتمتع أسواق صرف العملات الأجنبية بميزتين مهمتين في هذا السياق. الأولى أن صرف العملات الأجنبية يدور حول الأسعار النسبية- فإذا ارتفع سعر الدولار فهذا يعني أن سعر عملة أخرى لابد أن ينخفض. وعلى هذا فإنه يوفر تغطية طبيعية للمخاطر.

والثانية أن أسواق صرف العملات الأجنبية تتسم بالسيولة العالية. فحتى في أحلك أوقات الأزمة المالية الأخيرة، حينما توقفت العديد من الأسواق عن العمل تقريباً، كانت أسواق صرف العملات الأجنبية تواصل عملها بشكل طبيعي نسبياً.

ويُعَد الين الياباني من بين الأمثلة الأكثر أهمية في ما يتصل بكيفية تحول العملات إلى وسيلة للتحوط. فقد كانت أسعار الفائدة اليابانية قريبة من الصفر سنوات عديدة- أقل كثيراً من نظيراتها في أغلب البلدان الأخرى، خصوصاً في فترة ما قبل الأزمة. وأدى انخفاض أسعار الفائدة اليابانية إلى موجة من «البحث عن العائد» من قِبَل المستثمرين اليابانيين الذين استثمروا مدخراتهم بشكل متزايد في العملات الأجنبية، حيث كانوا يحصلون على أسعار فائدة أعلى: وهي الاتجار في المال الـ»كاري تريد» الشهيرة. («الكاري تريد» تتلخص أساساً في الاقتراض بعملة بلد ما حيث أسعار الفائدة منخفضة، ثم إقراض هذه الأموال بعملة بلد آخر حيث أسعار الفائدة أعلى).

ولم تكن هذه الممارسة بلا مخاطر. الأمر المهم بالنسبة للمستثمرين اليابانيين هو العائد الإجمالي بعملة الين، وليس الفارق في أسعار الفائدة ببساطة. فإذا ارتفعت قيمة الين في مقابل العملة التي استثمروا فيها أموالهم، فمن المحتمل أن يحصلوا على عائد أقل من الاحتفاظ ببساطة بأموالهم في حساب مصرفي ياباني. وتشير النظرية الاقتصادية في واقع الأمر إلى ضرورة التعويض عن التفاوت بين أسعار الفائدة من خلال خفض قيمة العملة ذات أسعار الفائدة الأعلى، وبهذا فإن التفاوت يعكس التعويض اللازم من قِبَل المستثمرين للاحتفاظ بأموالهم بعملات محفوفة بالمخاطر نسبياً.

ولكن الـ»كاري تريد» كانت تميل إلى إنتاج عوائد إيجابية. وفي الفترة السابقة للأزمة المالية، انخفضت قيمة الين الياباني في مقابل أغلب العملات الأخرى، وكانت أسعار الفائدة عليه أقل أيضاً، لذا فقد كان الاقتراض بالين الياباني ثم الاستثمار في عملات ذات أسعار فائدة عالية مثل الدولار الأسترالي أو الليرة التركية مربحاً جداً. ولقد أدى هذا إلى زيادة التدفقات المالية إلى الـ»كاري تريد»، التي حققت نجاحاً متزايداً بعض الوقت، لأن ارتفاع التدفقات كان يميل إلى التسبب في تزايد ضعف العملات ذات أسعار الفائدة المنخفضة.

وكانت الـ»كاري تريد» أثناء هذه الفترة تهدف في المقام الأول إلى تعظيم العائدات لا إدارة المجازفة. ولكن هذه التجارة أدت إلى تطورين في مجال إدارة المجازفة:

- الأول، في حين يدافع قِلة من المحللين عن الاستثمار في أسهم شركة واحدة فقط في سوق الأسهم بدلاً من تنويع المحافظ الاستثمارية، فإن هذا على وجه التحديد ما حدث في أسواق صرف العملات الأجنبية، إذ كانت الطريقة التقليدية للاستثمار في الاتجار في المال الـ»كاري تريد» تتلخص في استخدام سعر صرف واحد. وعلى هذا فقط تطورت المنتجات على النحو الذي سمح للمستثمرين الاقتراض بسهولة بعملات متعددة في وقت واحد، والاستثمار في حافظة تشتمل على عملات ذات أسعار فائدة مرتفعة. ولقد عمل هذا على حماية المستثمرين من البيع العام بأسعار بخسة وتخفيف مدى تعرضهم لمخاطر غير طبيعية.

- أما التطور الثاني فيتلخص في ظهور الـ»كاري تريد» وكأنها تؤدي بشكل جيد وقوي كلما كان أداء الأصول الخطيرة الأخرى قوياً أيضاً، والعكس صحيح. وبشكل أكثر تحديداً، أصبحت أسعار صرف عملات مثل الدولار الأسترالي في مقابل الين مرتبطة بقوة مع أداء أسواق الأسهم العالمية. وكان هذا يعني أن المستثمر المتشائم في ما يتصل بأسعار الأسهم، ولكنه قد يواجه قيوداً في وقاية نفسه من تلك المخاطر بالاستعانة بالمشتقات المالية أو بيع الأسهم على المكشوف، كان بوسعه أن يخفف من تعرضه لأسواق الأسهم من خلال عكس اتجاه الـ"كاري تريد"- الاقتراض بالدولار الأسترالي والاستثمار في الين الياباني على سبيل المثال.

وبطبيعة الحال، لا يدوم التحوط الجيد إلا بقدر استدامة مثل هذه الارتباطات، ولكن على الرغم من انهيار العديد من العلاقات المالية بمجرد اندلاع الأزمة المالية، فقد أصبح هذا الارتباط أشد وضوحاً في واقع الأمر، وبات يشكل استراتيجية شعبية.
وتشكل العلاقة بين الاقتصاد الصيني والدولار الأسترالي مثالاً آخر مثيراً للاهتمام. فقد كان النمو الصيني ممتازاً، ولكن العديد من المستثمرين يجدون صعوبة في وضع أموالهم في الاقتصاد الصيني مباشرة. وكانت أستراليا من أكبر المستفيدين من النمو الصيني، الذي يعتمد بكثافة نسبية على السلع. ولقد أدى هذا إلى ارتفاع أسعار المعادن، الأمر الذي غذى بدوره فائضاً كبيراً في صادرات المعادن في أستراليا.

وهذا يعني أن شراء الدولار الأسترالي يُعَد بمنزلة وكيل للاستثمار في الصين. ولأن الدولار الأسترالي لا يتم تداوله إلا في الأسواق المتقدمة والسائلة التي لا تفرض قيوداً خاصة بحسابات رأس المال، فقد سعى العديد من المستثمرين إلى شرائه أو بيعه وفقاً لنظرتهم إلى التوقعات الاقتصادية بالنسبة للصين.

إن تبني مثل هذه الاستراتيجيات الاستثمارية لابد أن يتم بقدر كبير من الحذر: ذلك أن الافتراض ببساطة أن ارتباط الماضي سيستمر لا يشكل فكرة جيدة على الإطلاق. ولكن قيم العملات تتحرك وفقاً لتطورات مرتبطة بالاقتصاد الكلي، وعلى هذا فإن صرف العملات الأجنبية يوفر فرصاً طبيعية للتحوط في الأسواق السائلة والشفافة. لذا فإن كان الارتباط منطقياً بالنظر إلى العوامل الاقتصادية الأساسية، فمن المعقول أن يراهن المرء على استمراره. ويبدو من المرجح أن مثل هذه الاستراتيجيات ستستمر. 



*نقلا عن صحيفة "الجريدة" الكويتية.