استهلال قدوم الفرح والعيد وخليجي عشرين
الأربعاء, 27-أكتوبر-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -

يستعد المسلمون، الذين وفّقهم اللَّه تعالى لأداء فريضة الحج هذا العام، للتوجّه إلى الأراضي المقدّسة، ملبّين نداء الحق، مردّدين الشعار الخالد استجابةً لدعوة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لربّه الكريم، مردّدين : «لبّيك اللَّهُمَّ لبَّيك»، فيما رفعت السلطات في المملكة العربية السعودية هذا العام شعار «لا حج إلا بتصريح» لحجَّاج الداخل قبل الخارج، لضمان التنظيم والسلامة وأداء منسك الحج في أجواء آمنة وصحية مريحة للحاج وللقائمين على خدمة ضيوف الرحمن. ونحن في اليمن مثلنا مثل سائر مسلمي الأرض منشغلون بقدوم عيد الأضحى المبارك، والبحث عن سبل إدخال الفرحة إلى نفوس أطفالنا وأسرنا وإلى كل المحيطين بنا في هذا العالم، رغم صعوبة الحياة المعيشية هذه الأيام في كثير من مناطق عالمنا. وليس قدوم عيد الأضحى المبارك - فقط - ما يشغل اليمنيين، بل استحوذ خليجي عشرين، الذي تستضيفه اليمن، على اهتمام المواطن اليمني، والذي سيقام عقب إجازة العيد، وصار نجاحه يعد من الكرامة الوطنية في نظر الكثير من أبناء اليمن، نظراً للتحديات الكثيرة التي كانت تعيق اليمن عن استضافة هذا الحدث الكروي الإقليمي ونجحت وللَّه الحمد، في تجاوزها، واستطاعت أن تعلن للعالم جاهزية اليمن لخليجي عشرين، سواءً في إيجاد المنشآت الرياضية أو الفندقية والإيوائية أو الترتيبات والتنظيم لهذه الفعالية. وأخيراً كسبت اليمن التحدي الأمني وانتصرت على الإرهاب وأخرجت فريق القاعدة من أي سباق أو مباريات، كون الرياضة التي يمارسها لم يعد العالم يقبلها، فرياضة اليوم رياضة تقرّب الشعوب من بعضها وتزيل الحواجز أمام تعاونها وتحصر الصراع على التنافس في الفوز في أجواء ودّية، وبهذا استطاعت اليمن إثبات جدارتها في استضافة الفعاليات والمستثمرين والاستثمارات، والذين يرغبون في مشاركة اليمن في المجال التنموي والاستثماري عقب هذه البطولة، وهذا الأمر هو ما يسعى إلى إفشاله أعداء الحياة واليمن والأمن والاستقرار. إن اختيار مدينة عدن لإقامة البطولة دوناً عن سائر مدن اليمن ليس اعتباطاً، وإنما يرجع إلى الاعتراف بفضل عدن وخصوصيتها التاريخية والجغرافية، كونها أهم موانئ وحواضر العالم القديم، التي لعبت دوراً كبيراً في التجارة والملاحة الدولية وتميزت بموقعها الجغرافي والطبيعي الذي حباها اللَّه تعالى به، ولا تزال تزخر بإمكانات هائلة لاستعادة مكانتها التجارية والسياحية الوافرة، إلى جانب أن عدن أول مدن الجزيرة العربية التي أنشأت النوادي الرياضية قبل غيرها ومارس مواطنوها الرياضة المختلفة وعرفها الكثير من مواطني العالم، الذين توقفوا في مينائها الشهير الرابط بين الشرق والغرب، إلى جانب ما يتصف به مواطنوها من تمدّن وانفتاح على العالم والترحيب بالآخرين والشغف بالرياضة حد الهوس، وانصهار مواطني عدن من كافة الأعراق والقوميات في كونهم مواطنين يمنيين ينتمون إلى عدن مخلصين، وسيعرف كل مَنْ يقدم إلى عدن في شهر نوفمبر وديسمبر القادمين أية هبة مناخية حباها اللَّه تعالى لهذه المدينة الباسلة، وأية نفحات يهبها المحيط الهندي والبحر العربي لهذه البقعة من أرض الجزيرة العربية. عدن مدينة لا تنام ولا تهدأ الحركة فيها طوال اليوم، وأن ما استُثمر فيها من أموال من أجل استقبال خليجي عشرين سيجني ثماره المواطن اليمني أولاً وأبناء عدن، مستثمرين ومقيمين، وكل زائر لها من الداخل اليمني أو الجوار الشقيق، سواءً مَنْ سيقدمون إليها لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك، أو أثناء إقامة خليجي عشرين. لقد صارت استضافة خليجي عشرين حدثاً استثنائياً نعوّل عليه تحقيق الكثير من الأهداف وينقل اليمن إلى مكانة لائقة بها في اندماجها في مكونها الطبيعي وانطلاق قدراتها للإسهام في أمن وبناء الجزيرة والخليج وتعزيز قوتهما في ظل روح رياضية وقوة بشرية جماعية فاعلة، وأرى أن البنك المركزي اليمني سيكون موفقاً إن استغل هذه المناسبة وخلّدها بإصدار عملة تذكارية تخلّد هذا الحدث الاستثنائي في الحياة اليمنية. لقد أصبحت كرة القدم نشاطاً اقتصادياً له رجاله وثقافةً كبرى لها أطقمها الفنية والإدارية والطبية والإعلامية والمالية والأمنية، وأصبحت اللعبة الأكثر شعبية في العالم بأسره، عشّاقها يعدّون بالمليارات، وأصبح الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» بحق هو مَنْ يحكم العالم، وقد قدّر حجم نشاطه السنوي بما يفوق الـ (120) مليار دولار، وما بطولة العالم في مونديال جنوب أفريقيا عنّا ببعيد، لمعرفة تداخل نشاط الرياضة بالاقتصاد بالشركات العابرة للقارات والإعلام الكوني والصناعات المكرسة لخدمة الرياضة ومنتجاتها المختلفة والتعريف بالبلد المستضيف وتسليط الأضواء عليه. ورغم ما نلاحظه من التراجع الثقافي لصالح إفساح المجال للرياضي في بلادنا وغيرها، رغم اقتران أسماء النوادي الرياضية بالثقافة - نادي الوحدة أو الصقر أو التلال الثقافي والرياضي - إلا أن طغيان الرياضة غلب على نشاط الثقافة، وقد توارت ثقافة الأقلام في مواجهة ثقافة الأقدام، على حد تعبير توفيق الحكيم، عندما جمعته الصدفة بلاعب كرة القدم المصري الشهير محمود الخطيب، كما يقول سمير الجمل في مقاله المنشور في مجلة «العربي» في سبتمبر 2001م المعنون بـ «ثقافة الأقلام ضد ثقافة الأقدام»، مضيفاً : «لم يكن الحكيم يعرف وقتها - أواخر السبعينيات - أن سعر لاعب كرة القدم قد تجاوز الـ (80) مليون دولار، بينما أعلى جائزة أدبية في العالم - وهي نوبل - قيمتها المادية تصل بالكاد إلى مليون دولار». وهذا هو الاحتراف الدولي لكرة القدم، الذي أصبح يدرّ على الدول ملايين الدولارات، وتعد البرازيل وأفريقيا أكثر بقاع العالم رفداً لأوروبا باللاعبين المحترفين، ودول المغرب العربي منها، فيما بدأ الخليج العربي في السنوات الأخيرة يستقطب بعض المحترفين، بينما تسعى بلادنا إلى تطوير هذه اللعبة والوصول باللاعبين إلى درجة الاحتراف، وهذا الأمر هو الذي جعل دول الخليج تنظر إلى منتجاتها وإلى الكثير من لاعبيها المحترفين كثروة قومية أنفقت ملايين الدولارات لتنميتهم وإعدادهم ورفع مكانة الرياضة الخليجية، هذه الثروة القومية ترسلها دول الخليج إلى عدن في ضيافة اليمن لتتعرف عليها الجماهير اليمنية عن قرب، وعلى إمكاناتها وفنونها ومهاراتها، وما علينا إلا أن نوفر لهم الأجواء الآمنة والمستقرة التي تفجّر إبداعاتهم وتظهر مهاراتهم لينطلق الحماس الجماهيري والنشوة والفرح المباح، ويمكن لليمن الاستفادة منها مستقبلاً في النهوض بالرياضة اليمنية وإعداد الأبطال ونغيّر نظرتنا إلى اللاعب كبطل قومي يرفع رأس وطنه ويلهب حماس الجماهير الملوحة بأعلامها الوطنية والمتفجرة بالشعور الوطني العارم في المدرّجات أو أمام شاشات التلفزة، وهي تهتف : عاشت اليمن، عاش الأمن والاستقرار والأمان والتنمية، وعاش الغد الآتي والأجمل المنشود في وطن الثاني والعشرين من مايو، ولبّيك يا بلادي في موطن العمل، سمعتها تنادي هيّا إلى العمل، وكلنا شركاء في إنجاح خليجي عشرين ودحر أعداء الحياة والأمل، وقيام المواطن بدوره في حسن استقبال الضيوف والترحيب بهم وعدم استغلالهم وعكس كل نظرة أو تصرف يرفع من شأن اليمن.