أكاديميون وأعضاء مجلس شورى: تحديات اليمن بحاجة إلى بحوث ودراسات علمية
الثلاثاء, 12-أكتوبر-2010
الميثاق إنفو -
أكد عدد من أعضاء مجلس الشورى وأكاديميون أن التحديات والإشكاليات الكبيرة التي يواجهها اليمن لا تحتاج إلى قرارات لتجاوزها، وإنما تحتاج بحوثا ودراسات علمية ومعرفة لخصائصها وطبيعتها وأبعادها وأعماقها، بحيث ينبغي التبحر في كافة هذه الاتجاهات للوصول إلى استنتاجات محددة وتطوير العمل.

وأشاروا، في تصريحات خاصة لـ"السياسية" أثناء مناقشتهم تقرير "واقع البحث العلمي في اليمن وسبل تطويره" الصادر عن لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي بمجلس الشورى، إلى أن البحث العلمي هو الطريق الأمثل إلى بناء الإنسان واكتشاف المبدعين والموهوبين والقدرات المبتكرة، وأن عزوف القطاع الخاص حاليا عن دعم هذه البحوث هو نتيجة هشاشتها وضعفها وعدم وجود علماء متطورين يقدمون شيئا جديدا وأفضل.

وفي هذا السياق أوضح عضو المجلس الدكتور أحمد الأصبحي أن مجرد إثارة موضوع البحث العلمي هو احترام للعقل والحاضر والمستقبل؛ كونه طريقنا إلى بناء الإنسان ومن ثم اكتشاف المبدعين والموهوبين والقدرات المبتكرة، والتي نستطيع من خلالها التقدم إلى الأمام في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها، مبينا أن صانعي ومتخذي القرار في كثير من البلدان التي فاقت أمتنا العربية في واقعها الراهن هي تلك التي تعتمد على الدراسات والأبحاث العلمية في كافة المجالات.

يقدمون الأفكار التطويرية
وأكد الأصبحي حاجتنا إلى البحوث العلمية التطبيقية؛ كونها ستحقق مكاسب كثيرة للبلد، إذا ما أحسنّا الالتفات إلى البحث العلمي ودفعنا المبالغ الكبيرة من غير خوف شريطة أن يعده باحثون مقتدرون ومؤهلون يتم اختيارهم بعناية ويتحملوا مسؤولية ذلك بعد إعدادهم الإعداد الكافي، لافتا إلى أن هؤلاء هم الذين يقدمون الأفكار الإبداعية والتطويرية التي من خلالها تقوم المصانع وتتطور وتتنافس مع غيرها، وأن تجربة جنوب شرق آسيا قامت على هذا الأساس حيث اهتموا بالتعليم والتنشئة منذ الطفولة المبكرة وربطوها بالتفكير العلمي وانتقوا الأذكياء وذوي القدرات الجيدة في مدارس الموهوبين وركزوا على مخرجات التعليم من هذا الصنف، منوها أنهم هم الذين التفتوا إلى ما يسمى بـ"صناعة المعرفة"، الوجهة الثالثة التي يعيشها المجتمع اليوم في العالم المتقدم واستطاعوا من خلالها أن يرتقوا بشعوبهم إلى مصاف دول العالم الثاني أو ما يقاربها.
وأضاف الأصبحي: "بينما تجد أن عالمنا العربي، واليمن جزء منه, لديه من الإمكانات المالية والمادية والبشرية العقلية، ولكنها تهاجر ولا تستوعب؛ كوننا لم ننطلق من خطة علمية بحثية ذات منهج علمي، فبالنظر إلى مستوى الإنفاق على البحث العلمي في اليمن يساوي 0.05 بالمائة فقط من الدخل المحلي الإجمالي، وتذهب إلى مصارف أخرى، ولا تحسب على البحث العلمي على الإطلاق والذي يحتاج تهيئة المختبرات اللازمة والإمكانيات المادية والمالية التي إذا تفرغ الباحث يشعر بأن جهده الفكري مقدرا له، خصوصا وأن لا أحد اليوم يريد أن يقدم جهدا فكريا؛ لأنه سيكون على حساب تفرغه للربح السريع ودون تحقيق أي فائدة أو مردود شخصي وهذه مأساتنا في البحث العلمي في اليمن خاصة والوطن العربي عامة".

قصة الدكتورة
وسرد الأصبحي قصة الدكتورة التي تعلم على يدها فترة دراسته -رحمة الله عليها- عندما هنأت الطلاب متوسطي الذكاء في قاعة الدرس، ورثت أحدهم وكان نابغة وموهوب بدرجة خارقة وحاصل على نسبة عالية جدا في دراسته بحجة أنه ينتمي إلى العالم الثالث بمعنى ستقبر مواهبه ولن يستفيد منه أحد وإذا أرادوا أن يستفيدوا منه سيغلقون عليه المختبر فيتحطم اجتماعيا، كونه سيتفرغ لعلمه، أما أن يحتك بالمجتمع فسوف يرى من يثري ثراء غير مشروع وهكذا وهو محبوس في المختبر.
وبيّن الأصبحي ما أكدته حينها وهو ما يتفق معه ويدعو إليه، أن أهم عناصر نجاح البحث العلمي الحرية وإشباع الباحث ماليا وماديا ومعنويا حتى يستطيع أن ينتج فإنتاجه للوطن ككل وبالتالي لا ينبغي التقصير مع الموهوبين، حد قوله.

دكاكين لبيع الأبحاث!
من جانبه أوضح عضو المجلس يحيى الحباري, أن القطاع الخاص يهتم بالبحوث العلمية بشكل كبير جدا, وأن عزوفه حاليا عن دعم هذه البحوث, هو نتيجة هشاشتها وضعفها وعدم وجود علماء متطورين يقدمون شيئا جديدا وأفضل, موضحا أن مشكلتنا الأساسية في البحوث العلمية بدأت من التعليم الأساسي, والذي يعاني من ضعف مخرجاته, وما يدمي له القلب وجود دكاكين تبيع أبحاث على أبواب الجامعات, مؤكدا استعداد مجموعة الحباري التجارية وتعهدها بدعم أي بحث علمي يخدم المنتجات الصناعية اليمنية, مرجعا أسباب انتشار السرطان في اليمن إلى تلك المنتجات التي يقول إنها تحمل مصائب وأمراض خطيرة.
وانتقد الحباري دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتهميشها المتفوقين والخريجين الأوائل ولا تمكنهم من المنح التي تؤهلهم لأداء واجباتهم, نحو التقدم والنجاح والتفوق, وكالمثل أوائل الجمهورية في الثانوية العامة والمبرزون والذين لا يجدون الاهتمام الكافي لا من الدولة ولا الجامعات.
ولفت الحباري إلى أنه إذا اعتنت الدولة بالمتفوقين سنخلق علماء, وأنهم على استعداد بعد ذلك كقطاع خاص لتقديم الدعم الكامل, غير ذلك فلا يمكن, بدليل قيامه بتبني ندوة لترشيد الاستهلاك, انفق عليها الملايين لأهميتها, لكنه وجد في جمعية ترشيد الاستهلاك بلاوي كثيرة, منوها بأن الكل يسعى إلى لهف المال وعدم الإنتاج.

الدقة والموضوعية
من جهته أكد مستشار رئيس جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور أحمد عقبات, الذي مثل جامعة صنعاء في مناقشات مجلس الشورى للتقرير, أن طرح فكرة التقرير خطوة هامة انطلاقا من أهمية البحث العلمي في تشخيص الواقع وإيجاد الحلول للقضايا القائمة وفي دفع عجلة التنمية, مقدما عددا من المقترحات التي يمكن أن تساعد في تطوير التقرير منها, عمل مسح ميداني مستقل يكشف واقع الاعتماد على البحوث العلمية في عدد من المؤسسات الخدمية الهامة, باعتبار أن نتائج التقرير تحتاج إلى دليل يعتمد إدراج إحصاءات محددة حديثة, الأمر الذي سيكسبه قوة أكبر, والاعتماد على تقارير وأبحاث ودراسات حديثة مع تحديد أسماءها وفترة صدورها, في إعداد مثل هذا التقرير, والذي لم يتم تحديد مصادرة وخلفياته.
وأوضح عقبات أهمية الوقوف أمام الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع وخاصة الرصينة والحديثة منها وإيراد أهم استنتاجاتها, وإمكانية المسح الميداني للواقع باستمارة استبيان لكي تكون أكثر واقعية, وعمل مقارنة لما هو موجود في الدراسات وبين الواقع العملي, بحيث تأتي الاستنتاجات كفيلة بوضع اللمسات الصحيحة لتقرير متكامل يعتمد على الدقة والموضوعية, موضحا ضرورة وأهمية التعاون بين المراكز البحثية في الجامعات وإدارات البحوث في الوزارات والمؤسسات, بهدف إنجاز الأبحاث بصورة صحيحة وبما يخدم عملية التنمية والمصلحة العامة, خاصة أن كثير من الدول تعتمد في صناعة قراراتها بنسبة تفوق60 % على البحوث العلمية, وليس على العمل الارتجالي.

السبيل الأمثل للمعرفة!
في المقابل هناك عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها ولم يوردها التقرير، بحسب الدكتور أحمد عقبات، أبرزها: هل هناك قناعات بأهمية البحث العلمي في تطوير الأداء لدى قيادات الوزارات والمؤسسات؟ وما مدى تفعيل المواد الخاصة بالبحوث العلمية في اللوائح المنظمة للوزارات والمؤسسات؟ وهل تتولى الوزارات والمؤسسات تدريب وتأهيل القائمين على البحوث والدراسات وبشكل دوري في هذا المجال البحثي العام, ومواكبة كافة المستجدات في مجال البحوث والدراسات, واستخدام التقنية الحديثة؟ وهل البحوث التي يتم تنفيذها تتبع الأساليب العلمية والدقة في التنفيذ, بما يتناسب والمنهج المطلوب لكل حالة؟
ثم ينتقل عقبات لتأكيد ضرورة أن تتواجد عقلية التدريب لدى القيادات الإدارية في كافة المؤسسات في اليمن, وأن يقتنعوا بأن تدريب الكادر هو السبيل الأمثل للمعرفة ومتابعة كافة المستجدات والولوج في عصر المعلومات والتقنية الحديثة, منوها بأن البقاء في عالم اليوم للأفضل وهو القادر على البحث وتطوير عمله, ما يعني ضرورة توفر القناعة لدى تلك القيادات بأهمية البحث والتدريب, وأهمية حصد الترقيات الإدارية من خلال المعرفة والتدريب والكفاءة والقدرة؛ كونه يضمن مواطنة متساوية صحيحة ستعمل على تطوير العمل الإداري على كافة المستويات, مؤكدا أن التحديات والإشكاليات الكبيرة التي تواجهها اليمن لا تحتاج إلى قرارات ارتجالية لتجاوزها, بل إلى بحوث ودراسات علمية ومعرفة لخصائصها وطبيعتها وأبعادها وأعماقها, بحيث ينبغي التبحر في كافة هذه الاتجاهات للوصول إلى استنتاجات محددة وتطوير العمل.
وفي سياق متصل أكد عضو المجلس علي لطف الثور, أن أي نحو حضاري أو تقدم اقتصادي لا يتم بدون إجراء الدراسات والبحوث العلمية في مراكز متخصصة في شتى المجالات.
ويرى الثور فيما يتعلق بمدى توفر القناعات بأهمية البحث العلمي في تطوير الأداء لدى قيادات الوزارات والمؤسسات في اليمن, أنها قد تتوفر ولكن قد لا تتوفر الإرادة والتمويل الكافي, فالقناعة تحتاج إلى إرادة وإمكانيات بشرية ومادية ومالية.
ويتفق مع ذلك عضو المجلس عبده علي قباطي, مؤكدا وجود الكثير من النصوص التي وردت في التشريعات والتي تؤكد على أهمية البحث العلمي وتدعوا إلى توفير الوسائل المحققة لحرية البحث العلمي ومتطلباته وإمكانياته الفنية وحماية الإبداع والاختراعات, وهو ما يستدعي ضرورة تفعيلها.
وفيما يتعلق بمدى استفاد الوزارات والمؤسسات من نتائج البحوث العلمية التي يتم تنفيذها, نوه قباطي بأن ذلك محدود جدا, وأنه لا يتم توظيف تلك النتائج في حل المشكلات واتخاذ القرارات لأسباب عديدة أهمها, غياب التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية وتعدد مصادر التمويل وغياب الخطط المتكاملة للبحوث الموجهة لدراسات المشكلات والاستفادة منها.
وأضاف الثور: "تفعيل الموارد للبحوث العلمية هي في الأصل ضئيلة جدا ولا تسعف لإجراء أي بحث علمي قابل للنشر والتطبيق، ولذلك يجب إنشاء جهاز مركزي للبحوث العلمية التطبيقية وبراءة الاختراع، إما في شكل أو مركز رفيع ولا يتم دعم أو تمويل أي منظمة أو مركز أو إدارة للبحث العلمي التطبيقي إلا من خلالها، وإلغاء هذا الانتشار للعديد من المراكز المتخصصة في القضايا السياسية والديمقراطية والحريات". 





نقلاً عن صحيفة السياسية اليمنية