"ثلاثية" القمة الاستثنائية
السبت, 09-أكتوبر-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -

ثلاث قضايا رئيسية وجوهرية تتصدر أجندة القمة العربية الاستثنائية التي تنعقد اليوم بمدينة سرت الليبية، الأولى وهي أكثرها حيوية وأهمية لاتصالها بتطلعات الأمة جمعاء، التي تنتظر من هذه القمة حسم موضوع إنشاء الاتحاد العربي، وإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود وحسم الجدل حوله، خاصة بعد أن تم إقراره من البرلمان العربي، ومناقشة تفاصيله في القمة العادية في مارس الماضي واللجنة الخماسية، وبعد أن أصبحت مثل هذه الخطوة ضرورة حتمية للارتقاء بالأداء العربي المشترك والانتقال به إلى مرحلة نوعية جديدة تكسر الفتور والجمود اللذين طغت عواملهما على الأداء، فانعكس بتأثيراته السلبية على الأوضاع العربية التي سيطر عليها الضعف والوهن وعدم الفاعلية.
وفي الوقت ذاته فإن القضية الثانية التي ينبغي على القمة الاستثنائية الفصل فيها تتعلق بمسألة ايجاد تعاون استراتيجي يعمل على تعزيز المصالح المشتركة والشراكة طويلة الأمد بين العرب ودول الجوار الإقليمي، باعتبار أن وجود مثل هذه الرابطة بات أمراً لا غنى عنه في ظل الظروف والتحديات الشائكة التي تحيط بهذا الإقليم على امتداد نطاقه الجغرافي.
وتتمثل القضية الثالثة في التعقيدات والمصاعب التي تعترض عملية السلام واللحظة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، بفعل التعنت الإسرائيلي المستمر، والذي ما زال يتمترس وراء لاءاته واشتراطاته التي تحول دون نجاح أي مفاوضات تفضي إلى السلام العادل والشامل.
ولاشك بأن المفاوض الفلسطيني بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إسنادٍ عربي غير محدود يمكنه من تجاوز العراقيل والعقبات التي تضعها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في طريق المفاوضات المباشرة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن المؤكد أن الشارع العربي يعول على القمة الاستثنائية الخروج بقرارات استثنائية وعملية، لا تكون على نمطية قرارات القمم السابقة، لاعتبارات عدة أهمها أن الوضع العربي الراهن قد بلغ من التردي حداً لا يحتمل المزيد من التأجيل لمشروع قيام اتحاد الدول العربية، الذي تضمنته المبادرة اليمنية ناهيك عن أن أي تأجيل أو تباطؤ في إقرار هذا المشروع بصورة نهائية سيكون له مضاعفاته الفادحة على الواقع العربي، وسيكون ثمنه باهظاً.
إذ أن مجرد تردد العرب في هذه القمة الاستثنائية سيعطي الضوء الأخضر للمتربصين بالأمة وفي المقدمة منهم الكيان الإسرائيلي، الذي سيخلص إلى أن العرب هم من الضعف والتشرذم بما لايسمح لهم بفرض خياراتهم، أو حتى الدفاع عن حقوقهم، وطالما كانوا كذلك فإن من الطبيعي أن تملى عليهم خيارات الآخرين، لكونهم في وضع يسهل معه ابتزازهم ودفعهم إلى تقديم المزيد من التنازلات، سواء تعلق الأمر باستحقاقات السلام أو بموقعهم في المعادلة الدولية.
وهذه الحقيقة تتجلى في تجربة الماضي حيث وأن كل الجولات التفاوضية التي خاضها العرب خلال عقدين من الزمن مع الطرف الإسرائيلي لم تحقق لهم شيئاً يذكر، على الرغم من كل التنازلات التي قدموها لذلك الكيان الذي ظل يقتنص الفرص من أجل الحصول على وجبة جديدة من التنازلات، مما يبرهن على أن إسرائيل لا يمكن أن تنصاع للسلام الذي يعيد الحق إلى أصحابه، مالم تشعر أن العرب في مكانة توفر لهم فرصة التفاوض من موقع القوة، وأنهم قادرون بالفعل على إقناع العالم بمشروعية موقفهم ومطالبهم العادلة، وانتزاع تأييد الدول الكبرى لقضيتهم، وإرغام إسرائيل على التسليم باستحقاقات السلام الشامل.
وعليه فإذا كان الرهان على القمة الاستثنائية في إقرار مشروع اتحاد الدول العربية، فلأننا ندرك جيداً أن إنجاز هذا الهدف سيمثل تحولاً جوهرياً في الواقع العربي، مؤسسياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بل أن ذلك كما أشار فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية سيكفل للعرب النهوض الكامل في شتى المناحي والأصعدة، وسيمكنهم من تعميق مسوغات التكامل في ما بينهم، وتغيير الصورة القاصرة التي تشكلت عنهم لدى الآخرين.
ويحدو الشارع العربي التفاؤل بما ستثمر عنه جهود فخامة الرئيس علي عبدالله صالح ودوره في هذه القمة، خاصة وأن فخامته كان المبادر وصاحب الجهد الأوفر في طرح مشروع الاتحاد العربي، وهو من ظل وما يزال بفكره الوحدوي راعي هذا المشروع كما أنه من حمل على عاتقه مسؤولية التعبير عن نبض الأمة وتطلعاتها وآمالها، والدفاع عن قضاياها ومصالحها العليا.