الفقر والفقراء: قمم مستنسخة ونتائج وهمية!
الجمعة, 01-أكتوبر-2010
زكريا شاهين -

بغض النظر عن نتائج قمة الألفية التي خصصت لبحث شؤون الفقر والفقراء في العالم، فإن معادلة الثقة في تنفيذ مقررات القمة أو القمم التي سبقت والتي يمكن أن تلي، معادلة تفتقد الجدية وتجنح نحو السخرية لكثرة الحديث عنها.

ببساطة، إذا كانت الدول الغنية التي لطالما نهبت ثروات الفقراء التي تدعي أنها بصدد مساعدتهم تقف على حافة أزمة مالية جديدة، وإذا كانت هذه الدول في فترة الوفرة والرخاء لم تقدم سوى الوعود، فكيف بها الآن وهي أقرب إلى الإفلاس؟.

منطقة اليورو تعاني من انهيار تحاول الخروج منه، فيما تقول التحليلات إن هذه المنطقة قد تنهار خلال ثلاث سنوات على الأكثر، أما الدولة العظمى التي تتباهى بنقد الآخرين وبتقديم المليارات على الورق، فإن عجزها المالي تفاقم، وهي مقبلة هي الأخرى على كارثة اقتصادية جديدة، وقس على ذلك دولا أخرى تعد "سابقا" من الدول الغنية.

فقراء وأغنياء

لم تعد مقولة الرئيس الجنوب إفريقي مبيكي تصلح لتوصيف العالم من ناحية الفقراء والأغنياء، حين قال في مؤتمر الأرض بجوهانسبرغ "إن معضلة الفقر تزداد يوما بعد يوم، بحيث أصبح العالم عبارة عن جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء"، إذ إن الأغنياء الذين أشار إليهم مبيكي، أصبحوا خارج التوصيف؛ والمسألة هنا لا تتعلق بأفراد أو مجموعات معينة، بل بدول كبرى أيضا.

مناسبة الحديث، انعقاد قمة الألفية قبل أيام بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بهدف "الحد من الفقر في العالم، وسط شكوك في مدى تحقيق تلك الأهداف بسبب التبريرات التي قيلت قبل القمة، وأهمها أن الأزمة المالية التي عصفت بالعالم، كانت سببا في الحد من مساعدة الفقراء!!!

واللافت للنظر أن صندوق النقد الدولي، أحد الناهبين الرئيسيين لثروات الفقراء، ألقى بتلك المبررات مسبقا حين أشار مسؤولوه إلى أن الأزمة المالية العالمية أحبطت جهوداً لخفض الفقر والجوع في أنحاء العالم بحلول عام 2015، لكن تعزيز النمو الاقتصادي في الدول الفقيرة يمكن أن يساعد في استعادة قوة الدفع مجدداً. أما كيف يتم تعزيز النمو الاقتصادي في الدول الفقيرة، فإن هذا ما لم يقله المسؤولون، إذ سيبادرون إلى فعله بإغراق الدول الفقيرة بمزيد من الديون تؤدي إلى مزيد من النهب وتقييد القرار السياسي والتبعية للدول التي تهيمن على سياسات الصندوق.

في مذكرته بشأن الوضع قبل القمة يقول الصندوق: إنه سيكون من الصعب تحقيق الأهداف دون استعادة النمو، إذ يشير النائب الأول للمدير العام للصندوق جون ليبسكي إلى أن الملايين سقطوا في براثن الفقر، في حين تأخر خروج آخرين من الفقر بسبب الأزمة التي تفاقمت آثارها على الفقراء بسبب الارتفاع القياسي في أسعار الغذاء.

وفي كل الأحوال، فإن القمة أرادت مناقشة ما مضى من مقررات وأهداف قمة الألفية 2000، التي حددت توجهاتها القائلة بتوفير التعليم الابتدائي للجميع وتشجيع المساواة بين الجنسين وخفض وفيات الأطفال وتحسين صحة الأم ومكافحة الإيدز والملاريا وحماية البيئة وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية، محددة أيضا مبلغ 120 مليار دولار لتحقيق هذه الأهداف وهو الرقم الذي كررته القمة الحالية للخمس سنوات القادمة، علما أن هذه المليارات، وإن صرف جزء منها فإنها لم تصل إلى جيوب الفقراء، وإنما كانت لها وجهات مختلفة لا تغيب عن معرفة المجتمعين في القمة الجديدة.

شكوك تدعمها وثائق الفساد والتلاعب

معظم الخبراء يستبعدون تحقيق أي من تلك الأهداف، يعزز هذه الشكوك ما قاله مسؤول في الأمم المتحدة في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية حين أشار إلى أن ثمة شكوكا إزاء ذلك، ولكنه أضاف متفائلا "وتلك ضرورة إعلامية"، إن "هذه الحملة وعد قطعه قادة العالم على أنفسهم لإنقاذ المليارات من الفقر، ويجب تحقيقه".

منذ سنوات، وفي كتابه "سادة الفقر" أو صناع الكارثة، قدم غراهام هانكوك وثائق حقيقية ونقداً شديداً لحقائق صناعة العون والإغاثة التي تصرف مليارات الدولارات سنوياً من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة، يقول: لقد مولت هذه المليارات مشروعات عملاقة، وبتكاليف باهظة، لم تردم حفرة الحروب الأهلية القذرة، ولم تنه المجاعات، ولم تقض على الأوبئة والجفاف والجهل، بل دمرت البيئة وحطمت الحياة، وساعدت بل وشرعنت أنظمة دكتاتورية بشعة، كما سهلت بروز بيروقراطيات ممتدة حشدت بطوابير من الموظفين الذين يلهثون وراء مصالحهم وذواتهم، ما خلق طبقة من الطفيليين ذوي الامتيازات ومن المتسلقين في مئات الألوف من الوظائف لعديمي العمل من "الأولاد" الذين أسسوا لإمبراطورية فساد هائلة في بلدان الفقر والمجاعات والصراعات في العالم الثالث".

في الكتاب أيضا، يلقي المؤلف الضوء على أن الغرب ينتهج سلوكاً مزدوجاً في تعامله مع البلدان المحتاجة للمعونة والمصنفة ضمن بلدان الكوارث والفساد، فهو يتباهى بمساعدتها والتدخل السريع لإنقاذها من مخالب الديكتاتوريات إلى أمان الديمقراطية وواحات العسل واللبن، وذلك عبر برامج المساعدات والقروض الميسرة ومؤتمرات المانحين التي تعقد لها منصات ضخمة حول العالم، دون أن نرى أي نتائج على أرض الواقع.

فبدلاً من معاقبة زعماء العالم الثالث الجشعين والفاسدين والمرفوضين من شعوبهم، غالباً ما تقدم المعونة والتدخل والمنح الضخمة بمباركة سلوك هؤلاء واحتضانهم، ومباركة أحلام عظمتهم المكلفة جداً والتي غالباً ما تعيش على أقوات الناس، ما يذكر في النهاية بحكاية طريفة تقول: إن رجلاً سميناً التقى بآخر نحيف جداً فقال له "يجب أن تخجل من نفسك، فإذا رآك أحد الأجانب فسيعتقد بوجود مجاعة عندنا: فرد النحيف قائلاً: لا عليك، لأنه إذا رآك أنت بعدي سيعرف سبب المجاعة".

تشويه الحقائق والتلاعب بالبيانات

في دراسة أعدها الدكتور زيد بن محمد الرماني وحملت عنوان "عولمة الفقر في العالم الثالث"، يرى هو أيضا أننا نعيش في عصر الفقر العالمي مع ظهور المجاعات على نطاق واسع، ومع عودة الأوبئة الفتَّاكة، وانهيار القطاعات الإنتاجية في البلدان النامية، وضمور برامج الرعاية الصحية والاجتماعية فيها، مشيرا إلى أن هناك محاولات من الوكالات الدولية الكبرى الثلاث؛ البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية؛ لتشويه الحقائق والتلاعب بالبيانات، وبمعايير الفقر من أجل تقديم صورة أفضل للعالم.

حسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 23 مليون إنسان في القرن الإفريقي فقط معرضون في الواقع لخطر المجاعة. وفي بعض التقديرات، هناك نحو 100 مليون آخرين ربما انزلقوا مرة أخرى إلى دائرة الفقر نتيجة زيادة أسعار الغذاء خلال العام.

يقول مايكل تشوسادوفسكي: تتفق الدول السبع الكبرى والمؤسسات الدولية، بما فيها البنك الدولي، على إنكار المستويات المتزايدة للفقر العالمي الناشئ عن عمليات الهيكلة الاقتصادية، ويتم إخفاء الحقائق الاجتماعية، والتلاعب بالإحصاءات الرسمية، كما تقلب المفاهيم الاقتصادية رأسًا على عقب، ويحدد البنك الدولي وبعيدًا عن المفاهيم والمناهج التقليدية الاقتصادية المتعارف عليها، لقياس الفقر، علما أن التلاعب بأرقام الفقر العالمي تعيق المجتمعات الوطنية عن فَهْم نتائج المسار التاريخي الذي ابتدأ في بداية الثمانينات مع هجوم أزمة الديون، وقد غزا هذا الوعي الخاطئ جميع ميادين الحوار والنقاش، وبدورها فإن قلة التبصُّر الفكرية لعلم الاقتصاد السائد تعيق فَهْم الأعمال الحقيقية للرأسمالية الكونية، وأثرها المدمر على سُبل عيش ملايين الناس.

الفقر والمؤسسات الدولية

عادة ما تنضم المؤسسات الدولية وعلى رأسها مؤسسات التنمية في الأمم المتحدة إلى جوقة المنادين بإيجاد حلول للفقر والفقراء، إلى درجة أن بعضها يطلق نداءات هي أقرب للاستغاثة منها للفت النظر، تماما كما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة ذات يوم، نداء سمّاه "نداء للاستيقاظ"، ليحث الدول المانحة على الإيفاء بالتزاماتها في قمم سابقة.

نداءات كهذه لا تلقى في العادة صدى لدى قادة الدول المشغولين بمصالحهم قبل التفكير بمصالح الفقراء، وهم حتى لا يعرفون ولم يسمعوا عن إحصائية تقريبية تشير إلى الكارثة العالمية التي تسمى الفقر.

تقول الإحصاءات: "يبلغ عدد سكان الأرض 6 مليارات من البشر، فيما يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر، وهو دولاران أمريكيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا، وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97 بالمئة من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90 بالمئة من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80 بالمئة من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.

في البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3 بالمئة ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25 بالمئة يفتقرون للسكن اللائق، و20 بالمئة يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20 بالمئة من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20 بالمئة من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية. وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41 بالمئة من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ1 بالمئة من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي، إذ بينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.

المناطق الأشد فقرا

هذه الإحصاءات ربما تكون على الصعيد العالمي، فماذا عن المناطق الأشد فقرا؟. يقول أحدث تقرير للأمم المتحدة، إن نسبة فقراء إفريقيا ارتفعت بنسبة 36 بالمئة، ويتوقع أن تصل إلى نحو 40 بالمئة في 2015، أما معدل النمو الاقتصادي فقد هبط في إفريقيا إلى 2.2 بالمئة في 2009 من نحو 6 بالمئة في 2006- 2007، كما تجمد النمو بالنسبة لدخل الفرد.

يؤكد التقرير أن الدول الغنية لم تلتزم بالتعهدات التي قطعتها قبل خمس سنوات، ومنها مضاعفة المساعدات لإفريقيا بحلول 2010، كما أن نصيب إفريقيا من المساعدات العالمية للتنمية انخفض من أكثر من 40 بالمئة في 1990 إلى ما بين 30 بالمئة و35 بالمئة منذ العام 2000. إضافة إلى ذلك، ارتفعت نسبة الفقراء الذين يعيشون في القارة.

في الخلاصة:

إن أزمة الفقر والفقراء لن تحل عن طريق المانحين الذين هم في الأساس سبب لها، إذ يرى الدارسون والمحللون أنه ومنذ أن رفعت الدول الغربية شعار العولمة، مبشرة بعهد جديد يخفف من معاناة الفقراء، ارتفعت الأصوات منذرة بدور هذه الظاهرة في نشر الفقر وتدمير اقتصاد الدول النامية.

يقول جورج سروس، أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد، "لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف "ويعني البلدان النامية" إلى المركز أي الدول الغربية"، وهذا يعني باختصار أن العولمة حولت فتات ما كان يقتات عليه الفقراء إلى موائد المتخمين.

ويقول جون ستجلتيز، الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي، "إن الدول القليلة التي انتفعت من العولمة هي تلك التي أدارت العولمة بطريقتها، أما البلدان التي تضررت وهي الغالبية فهي التي أخضعت نفسها لأحكام الشركات الكبرى والمنظمات الاقتصادية الدولية وهي المؤسسات المؤيدة للعولمة".

إذن هل يمكن التفكير بأن من ساهم في سرقة ما يقتات عليه الفقراء بحسب سروس، يمكن أن يساهم في نقض ما قام به؟ تخيلوا ذلك!!!. 





نقلا عن موقع العرب إونلاين